-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هذا ما يؤلم حقا يا غزة

التهامي مجوري
  • 1595
  • 0
هذا ما يؤلم حقا يا غزة

لم يزعجني في الحرب على غزة، القصف الصهيوني الذي دام شهرا، وقد استعملت فيه جميع أنواع الأسلحة الفتاكة، بقدر أزعجني وآلمني كثيرا، موقف بعض العرب والمسلمين؛ لأن القصف الصهيوني، من طبيعة المعركة التي يهيمن فيها، الاسكبار العالمي على المستضعفين، ولا زالت تداعياته إلى اليوم، اما موقف بعض العرب والمسلمين، فعلى غير الطبيعة.

كما لم يزعجني الموقف الغربي الداعم لليهود بالمواقف والمال والسلاح، بقدر ما آلمني التخاذل العربي، تجاه ما وقع في غزة ،وما يحيط بالقضية الفلسطينية عموما؛ لأن الغرب كله، رهينة لليهود ومؤسساتهم الاقتصادية والإعلامية، وكما قال الدكتور محمد مختار الشنقيطي: “بعدما كان النصارى يستعبدون اليهود قديما أصبحوا اليوم يعبدونهم”، اما الواقع العربي، فمصيره مصير فلسطين، إذا ما انتصر اليهود واستراح الغرب، لا قدر الله.

وما آلمني أكثر، وأنا أتابع حملة التبرعات على قناة القدس الفضائية لأيام متتاليات، انني لم أسمع باتصال واحد من بعض الدول العربية، من اهل المال الوفير، وكأنه إجماع في تلك الدول على موقف مضاد لأهل غزة، او على الأقل خوف الشعب من مخالفة السلطة في تلك البلاد، كما آلمني أيضا صورة شاهدتها على الفايسبوك “شاحنة محملة بالأكفان مكتوب عليها، هدية الشعب المصري لغزة”، ولا أدري مدى حقيقة هذه الشاحنة ومن وراءها؟ ولكن ما دامت صورة منشورة، بصورة بهذه الصفة والوقاحة، فمعنى ذلك أن هناك شريحة من الناس تتبنى مثل هذه “السقاطة”، ومنهم بلا شك تلك الشرذمة من الإعلاميين والمتمسحين ببلاط السلطة الإنقلابية في مصر، ومن شايعها من المطبعين والانتهازيين.

وهذا النوع البشري الذي لم تعرفه الساحة العربية والإسلامية من قبل، أو على الأقل لم تعرفه بهذا الحجم والكم والإنبطاح والاستسلام، أصناف وأشكال متنوعة، منها المتدين، ومنها اللبيرالي، ومنها القومي الذي يزعم انه حريص على بلده..، والجامع بينهم هو الاستجابة لمتطلبات العدو الصهيوني ومبادئه وغاياته.

فالمتدين منهم يرى أن ما يقع في غزة لا علاقة له بالجهاد والاستشهاد؛ لأن المقاتلين ورجال المقاومة، من الشيعة والشيوعيين، فلا يجوز مناصرتهم على اليهود.

يذكرني هذا التسطيح الفقهي بما كان يقوله بعض المنبطحين من الطرقيين الجزائريين الذين كانوا يقولون للمجاهدين “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”؛ لأن الاستعمار دخل بلادنا قضاء وقدرا ويخرج منها قضاء وقدرا..” وهذا التخريج الفقهي المتخاذل هو نفسه الذي يرى أن مقاتلة الشيعة أولى من مقاتلة اليهود، وهو عينه الذي يرى أن محاربة صاحب البدعة أولى من مقاتلة الكافر الأصلي؛ لأنه أخطر على الدين منه، وهو نفس التخريج المؤدي إلى مقاتلة كل من ليس مسلما، بحجة خيرية الأمة، ذلك هو التسطيح الفقهي الذي تعيد بعثه المخابر الأمريكية والمراكز الموالية لها.

لا شك أن ما يقال ويعاد نشره من مثل هذه الخرجات، موجود في تراثنا بكل أسف، ولكنه موجود كمسائل شاذة ومستبعدة من التداول، مثل كل شيء شاذ “والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه”، والعالم مليء بمثل هذه الأمور الشاذة، مثل الجماعات المتطرفة في الغرب مثلا من اليمين المتطرف وتنظيمات الشذوذ الجنسي وغير ذلك، وقد علمت منذ حوالي 14 سنة أن أطرافا في العالم الإسلامي، أسست مراكز بحث مهمتها البحث عن المسائل الشاذة في الفقه الإسلامي وإعادة نشرها، تمزيقا للصف الإسلامي، الذي هو في أساسه مهيأ لقبول هذه الشذوذات المتنوعة، والمتابع للحركة  الثقافية للعالم الإسلامي على الأقل في الـ50 سنة الماضية، يجد ان المسائل المثارة، تدور حول قضايا، لا علاقة لها بالمشكلات المثارة في الساحة السياسية، مثل الولاء والبراء، والخلافات المذهبية الفقهية، ثم المسائل العقدية أشاعرة، ماتريدية، سلفية، معتزلة، شيعة، ثم انعكاسات كل ذلك على العلاقة بين المؤمنين انفسهم، من تكفير وتبديع. في حين ان المشكلة في العالم الإسلامي هي في مشكلة الظلم والاستبداد ومواجهة الغرب الذي لا يزال يهيمن على حياة الناس بظلمه.

لنفرض جدلا أن الاعتداء على غزة، إعتداء على أناس نختلف معهم مائة بالمائة، ولكنهم مظلومين وأصحاب حق؟ ذلك هو حال غزة، ألا يمكن ان نقرهم على ما يقومون به على أنه قتال في إطار استرجاع الحق، او هو دفاع عن النفس ومحاولة لكسر الحصار المضروب عليهم منذ سنوات؟ لنفرض جدلا أنهم ليسوا مجاهدين، ألا يحق لهم أن يكونوا ثوريين على ظلم ألم بهم؟(  إِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )

ومن هؤلاء من تقمص شخصية المسيَّس، وقال إن ما يقع في غزة، يراد به استدراج مصر إلى الحرب..، وكأن حرب مصر على اليهود عيب يخجل منه المصريون. لا شك ان المصلحة الوطنية تملي بعض ما يضر بالآخرين، ولكن المصلحة الوطنية المصرية هنا لها ارتباط عضوي بالقضية الفلسطينية، إذا ما صدقت النوايا، ثم هل يمكن لمصر أن ترى الاستقرار إذا ما بقيت القضية الفلسطينية على هذه الحال؟ وهل يمكنها ان تحقق شيئا إذا ما تحكم اليهود في المنطقة؟ انا لا أظن وما يتوهمه النظام المصري الانقلابي من سلبيات إذا انتصر الفلسطينيون على اليهود، أعتقد أن ما سيقع لمصر أضعاف مضاعفة لما توهموه من غزة، ولا يستطيعون فهم ذلك إلا عندما يتمكن اليهود من بسط نفوذهم على المنطقة.

إن ما يهدد القضية الفلسطينية اليوم، هو أن المقاومة الآن ينتقص من أطرافها، فقد جردت من دعم منظمة التحرير بفعل أوسلو، وحرمت من دعم بعض الدول العربية التي كانت مناصرة لها، كما استبعدت بعض الهيئات العالمية، مثل جماعة الإخوان التي انشغلت بمعركتها مع السيسي، ومنظمة القدس العالمية التي صنفت في قائمة الإرهاب، كما حيِّدت موافق بعض الشعوب، التي لنظمها مواقف سلبية من القضية، وربما سيضغط على السلطة الفلسطينية أكثر، بعد هذا الخراب الذي شهدته غزة، لتضغط بدورها على المقاومة فيها، تباكيا على ما أصابها من دمار وقتل وتخريب، وبوادر ذلك بادية في الأفق، فيما أعلن على ان الإعانات التي تقدم إلى غزة، لا بد وأن تقدم إلى الهلال الأحمر المصري من أي جهة جاءت، ولا يصحبها أحد إلى داخل غزة من أصحابها، ومثل هذا الإجراء لا يعني إلا تحييد البقية الباقية من الشعوب الداعمة لغزة؛ لأن هذه الشعوب لا ثقة لها في نظمها ولا في الهلال الأحمر المصري ولا غيره من المؤسسات الخاضعة للغرب ومقرراته، او إضافة توتر إلى التوترات القائمة، ودعم الفوضى الحاصلة في العالم الإسلامي؛ لأن الدعم سوف يستمر رغم انف كل من يقف في وجه القضية، ولكن سوف يكون على حساب الاستقرار في المنطقة.

لأن منطق الأشياء يقتضي ألا يبقى الفلسطينيون وحدهم في المعركة نيابة عن غيرهم، في معركة، جوهرها حربا إقليمية، وليست دولة في مقابل دولة، فإما ان تقوم الأنظمة بواجباتها تجاه القضية، وإلا فإن الشعوب سوف تتصرف بالطرق التي تفهمها، والنتائج لا تكون بالضرورة مرضية للشعوب والأنظمة القائمة. 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!