-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في ذكرى فرضها في رحلة الإسراء والمعراج

هذه حالنا مع الصّلاة!

سلطان بركاني
  • 7684
  • 0
هذه حالنا مع الصّلاة!

منظر كئيب حزين يتكرّر مع فجر كلّ يوم.. في طريقك إلى المسجد وقتَ صلاة الصّبح.. تنظر يمينا وشمالا.. الشّوارع خالية، والبيوت كأنّها القبور لشدّة ظلمتها.. كأنّك في مقبرة قد تقارب سكّانها، لا تسمع كلاما ولا همسا.. بيوت من هذه؟ إنّها بيوت المسلمين.. بيوت عبادٍ لله يؤمنون بالموت والسّؤال والميزان والصّراط والجنّة والنّار، لكن كأنّ أذان الفجر ما عاد يعنيهم! وكأنّ قول المؤذّن “حيّ على الصّلاة” موجّه إلى قوم آخرين غيرهم!.

إنّها نكبة من أعظم النّكبات التي حلّت بالمسلمين في هذا الزّمان، 20% من المسلمين لا يصلّون!، و80% ممّن يصلّون، لا يحافظون على الصّلوات الخمس في أوقاتها!.. ثمّ نعجب بعد كلّ هذا للذلّ والهوان المسلّط علينا في القرون المتأخّرة.. إنّه ما ذلّت الأمّة وهانت وصارت ألعوبة في أيدي الصهاينة والصليبيين إلا بعد أن ضيّعت الصّلاة وهجرت المساجد وملئت المقاهي والملاعب.. إنّه ما اتّبِعت الشّهوات ولا فاحت المنكرات في البيوت والشوارع والمدارس والجامعات، إلا بعد أن ضيعت الصّلاة، وأصبحت أهون على بعض المسلمين من جلسة في مقهى أو ملعب أو أمام فلم أو مسلسل، ((أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَات)).

لا يكاد يخلو بيت من بيوت المسلمين من تارك للصّلاة أو مضيّع لأوقاتها متساهل في شأنها.. بل إنّ هناك أسرا مسلمة لا يوجد بين أفرادها من يصلّي صلاة الصّبح لوقتها.. ليس في برنامج تلك الأسر شيء اسمه صلاة الصّبح!، ثمّ نتساءل بعد كلّ هذا عن كثرة الأمراض والمصائب والنّوائب، وكثرة الخصومات والخلافات بين الأرحام والجيران والأقارب.

كم من بيوت في هذا الزّمان لا تكاد تفارقها الخصومات والمصائب؛ أفرادها بين منحرف ومهموم ومبتلى بالوساوس، والسّبب هو إضاعة الصّلاة.. لا يكاد يمرّ أسبوع إلا وقد نشبت بين أفرادها الخلافات وارتفعت الأصوات وسمع التسابّ والتلاعن وساد الهجر والقطيعة، والسّبب هو إضاعة الصّلاة.. أب لا يصلّي صلاة الصّبح لوقتها ثمّ تجده يشكو ابنته التي لا تريد أن تطيعه في لبس الحجاب، وأب آخر لا يصلّي إلا في البيت ولا يعرف للمسجد طريقا إلا يوم الجمعة ثمّ تجده يشكو عقوق أبنائه وذهاب البركة من ماله.. ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)).. نساء يخنّ أزواجهنّ وبنات يلطّخن أعراض آبائهنّ والسّبب أنّ أولئك الأزواج والآباء لا يصلّون صلاة الفجر إلا بعد طلوع الشّمس؛ فمَن حفظ حقّ الله حفظه الله في نفسه وأهله وماله، ومن ضيّع حقّه -جلّ في علاه- وكله إلى نفسه، ولا يظلم ربّك أحدا.

بالله عليك أخي المؤمن، يا من أعيتك خمس صلوات في اليوم، اسأل نفسك ما الذي جعلك تضيّع الصّلاة؟ هذه خمس صلوات، فكيف لو كانت خمسين؟ هل نسيت -أخي المؤمن- أنّك ما خلقت إلا لعبادة الله.. أنت لم تخلق لتقضي سِنِي عمرك لاهثا خلف المال لبناء مستقبلك الدنيويّ على حساب مستقبلك الأخرويّ.. إنّ الله لم يأمر الملائكة بالسّجود لأبيك آدم يوم خلقه لتأتي أنت بعد كلّ هذه القرون فتعبد الدّينار والدّرهم.. تأمّل –أخي- ما يقول ربّي وربّك ومولاي ومولاك: جاء في الحديث القدسيّ أنّ الله جلّ جلاله قال: (إنّا أنزلنا المال لإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة).. أنزل الله المال ليكون عونا لنا على عبادة الله وليس لنجعله صنما نعبده من دون الله.. طبعا إنّك لا تعبد المال، فبالله عليك، لو كنت تتقاضى 1000 دينار عن كلّ صلاة تصلّيها لوقتها أ كنت تؤخّر صلاة حتى يخرج وقتها؟ كن صادقا وأجب نفسك بنفسك.. لو كان وقت عملك يبدأ كلّ يوم السّاعة الرّابعة صباحا أ كنت تنام حتى تطلع الشّمس؟.. أ لهذا الحدّ هانت عليك الآخرة؟.. لتعلمْ أخي ولتكن على يقين أنّه ليس لك عند الله إلا ما لله عندك.. إذا كانت صلاة الفجر عندك لا تساوي ألف دينار، فلتعلم –أخي- أنّك ستكون أهون عند الله من جناح بعوضة.

الصّلاة -أخي المؤمن- عمود الدّين وأسّه المتين بعد توحيد ربّ العالمين. المحافظة عليها نور وفلاح وبركة في الدنيا، وفوز ونجاح في الآخرة، وإضاعتها كبيرة من أكبر الكبائر، بل هي أكبر الكبائر بعد الشّرك بالله تعالى.. تأخير الصّلاة -وبخاصّة صلاة الصّبح- حتى يخرج وقتها، أعظم في الإثم من شرب الخمر وأكل الرّبا وأخذ الربا ومقارفة الزّنا… أ لهذا الحدّ؟ نعم إلى هذا الحدّ يا عبد الله.. أما علمت أنّ إضاعة الصّلاة من علامات النّفاق؟ يقول الحقّ جلّ وعلا: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً))؛ فإذا كان من أمارات النّفاق أن يقوم العبد إلى الصّلاة متثاقلا، فكيف بمن يسمع النّداء ولا يقوم؟ كيف بمن يجمع الصّلوات الخمس في آخر اليوم؟ كيف بمن لا يصلّي سوى الجمعة والعيدين؟.

ما من شكّ في أنّك قرأت وسمعت قول الله –جلّ وعلا- في سورة الماعون ((فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُون))، وربّما علمتَ أنّ الويل وادٍ في جهنّم لو سيّرت فيه الجبال لصارت ترابا.. أ تدري -أخي المؤمن- معنى “الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُون”؟ ليس معناه أنّهم لا يصلّون، ولكن معناه أنّهم يؤخّرون الصّلاة عن وقتها كما قال حبر الأمّة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه.. فإلى متى يا عبد الله ونفسك الأمّارة بالسّوء تقودك إلى الرّدى؟ إلى متى وأنت مقيم على كبيرة إضاعة الصّلاة؟.. هل نسيت وصية حبيبك وشفيعك المصطفى صلّى الله عليه وآله وسلّم حينما قال: “اتّقوا الله في الصّلاة وما ملكت أيمانكم”؟. إنّ أقلّ ما يرجى منك -أخي المؤمن- أن تصلّي الصّلوات الخمس في وقتها، وإن زدت على ذلك وكنت حريصا على إقامتها في بيت الله مع عباد الله فهو أنفع وأرفع وأشفع، وإن زدت على ذلك الحرص على إدراك تكبيرة الإحرام فهو خير لك في دنياك وأخراك، وإن زدت المنافسة على الصفّ الأوّل فهو أرضى لربّك ومولاك.. جاهد نفسك أخي ولا تستسلم، حتّى يتعلّق قلبك بالصّلاة وببيت الله، ولعلّه يأتي عليك يوم من عمرك تكون كذلك الزّاهد العابد، ثابت البناني عليه رحمة الله، الذي كان من شدّة محبّته للصّلاة أنّه كان يدعو الله ويقول: “اللهمّ إن كنت أعطيت أحدا الصّلاة في قبره فأعطني الصّلاة في قبري”.. جاهد نفسك وادع الله أن يجعلك من عباده المحافظين على صلاتهم، واستحضر دائما وأبدا قوله جلّ شأنه: ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِين)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!