-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هشاشة عظام القوى العظمى

عمار يزلي
  • 879
  • 0
هشاشة عظام القوى العظمى
ح.م

قبل نحو 13 سنة (2007)، جمعنا نقاش مع نخبة من أستاذة وباحثين في علوم الإعلام والاتصال بجامعة وهران حول “العولمة التي حولت العالم إلى قرية صغيرة” على رأي “مارشال ماكلوهان”، وكنت ساعتها رئيس قسم علوم الإعلام والاتصال بنفس الجامعة، وأذكر أن ذكرت في مداخلة بالمناسبة من ناحية سوسيولوجية الاتصال والتغير، أن العالم بقدر ما يتجه نحو التوسع، بقدر ما يوسع دائرة انكماشه، عبر آلية هشاشة لا يدركها وهي التداخل الاقتصادي بعنوان التبادل والتكامل الاقتصادي الذي تنادي به العولمة ومنظروها. كما أشرت بالمناسبة، إلى أن هشاشة العظام هذه في الجسم العالمي، قد تنبئ بخطورة انهيار الجسم العالمي فجأة أو بسرعة، بطريقة لا أحد يتصورها، كونها مبنية على الترابط التبعي، لا الاستقلالي بين الأمم، ويكفي أن تضرب هزة كونية الطاقة الكهربائية لقوى اقتصادية عظمى لفترة شهر، لكي ينقرض العالم المتطور بالكامل أو على الأقل الجزء الأعظم منه، وضربت بالحديث الشريف مثلا: اخشوشنوا فإن الحضارة لا تدوم.

أتذكر هذا، بل ذكرني به صديق وزميل في الجامعة حضر اللقاء، ذكرني به اليوم أمام ما يحدث مع جائحة كورونا.

بالفعل، لقد مثل هذا الوباء الكوني تحديا غير متوقع للعالم والعولمة، وبدا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن العولمة تتجه نحو الانحسار ما بعد حالة الحصار التي فضتها الجائحة، وأن الأمم والشعوب والدول ستتجه حتما إلى الانكفاء على الذات ضمن حدود القوميات والشوفينيات، كما كانت عليه أوروبا وبقية الأمم في القرون الوسطى والعصر الوسيط. فلقد أظهرت العولمة كم أن حفنة من المترفين والشركات العملاقة من تروستات وشركات متعددة الجنسيات، ونحو عشرة في المائة من المرابين العالميين من أصحاب البنوك الربوية والبورصات، هم من يتحكمون في اقتصاديات العالم بأسرة، وأنه يكفي أن تحدث هزة غير متوقعة في النظام الاقتصادي والمصرفي العالمي لينهار كله شيء جملة أو تفصيلا، دفعة واحدة أو بالتقسيط.

ما يحدث الآن، بل قد يحدث لاحقا، إن استمر الوضع القائم قائما قاتما على النحو الذي نراه ونعيشه، فإن العالم سيشهد تغيرا جوهريا في العلاقات الدولية وفي النظام الاقتصادي العالمي، وغير مستبعد أن تقوم اقتصاديات جديدة وتبرز كقوى جديدة من شأنها أن تعيد بناء المنظومة الاقتصادية والسياسة الهالكة والنافقة.. خاصة وأن هذا النفوق مرتبط بالنفاق الذي بدا واضحا اليوم في خضم المأساة التي تعيشها دول ضمن الاتحاد الأوروبي الموحد نظريا. وقد لاحظنا كيف أن إيطاليا واسبانيا وبعض الدول الضعيفة التي تأثرت بالجائحة، بدأت تشكك في فلسفة وجود الاتحاد الأوروبي أصلا، بما يعني أنها ترى في حالة ما إذا تواصل تجاهل معاناتها ولم تسارع الدول الحليفة، التي تصارع هي الأخرى الموت الاقتصادي والاجتماعي، إلى مساعدتها على الخروج من المحنة، فلن يكون هناك داع لأن تبقى الوحدة الصورية لاتحاد صوري لا يجدي نفعا. النفاق السياسي قد بدأ يظهر جليا في العلاقات الدولية، ليس بين الشمال والجنوب، لأن ذلك صار متجليا من زمان، بل داخل الكتل الغربية الرأسمالية العالمية، حتى ما بين أوروبا وأمريكا، ناهيك عن العلاقة ما بين أوروبا والصين وأمريكا وروسيا والصين.

إننا فعلا أمام آية الله في شأنه وخلقه وأمام الحديث النبوي الشريف نقف متأملين: اخشوشنوا فإن الحضارة لا تدوم. وتلك الأيام نداولها بين الناس. وكم أهلكنا قبلهم من قرون مكناهم في الأرض…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!