-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا تسرّبت عقيدة “الفداء” إلى بعض المسلمين

سلطان بركاني
  • 1463
  • 1
هكذا تسرّبت عقيدة “الفداء” إلى بعض المسلمين

قد يعجب المرء أحيانا ويتساءل: كيف يجنح بعض الشباب إلى تبنّي الأفكار العدمية واعتناق الأديان والعقائد الباطلة؛ كالإلحاد والنّصرانية والتشيّع، وحتى بعض المناهج التي تنقل معتنقيها من السّعة إلى الضيق، كالطرقية أو السلفية المدخلية، ويستعيضون بها عن رحابة الإسلام؟ ما الذي أغراهم بهذه الأفكار والأديان والعقائد والمذاهب، وهي التي تزري بالعقول في زمن تداعى فيه العقلاء لاعتناق الإسلام بشموله وأصوله الراسخة ومقاصده السامية؟
السرّ في هذا الجنوح، هو أنّ الإنسان بطبعه يحبّ أن يعمل قليلا ويكسب كثيرا، يريد تكاليف قليلة وسهلة تكون سببا في ضمان النجاة، بل ربّما يعجبه أن يسبح في بحار الشّهوات كلّها ويستمتع طولا وعرضا، وبين يديه سبب سهل يضمن له النّجاة في النهاية، لذلك تجد بعض المسلمين يتمنّى الواحد منهم عمرا طويلا، يوفّق في آخره لتوبة نصوح بعد حجّة مبرورة، لينهي حياته زاهدا عابدا ويدخل الجنّة بعد موته!
وعلى فكرة الكسب الكثير مقابل العمل القليل، تأسّست عقيدة “الفداء” التي غرسها الشيطان في كثير من الأديان والعقائد، وتسللت إلى بعض المسلمين مع كلّ أسف! مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ “المفدِّي” -بكسر الدّال- قد يكون إنسانا أو فكرة؛ فهو عند النّصارى إنسان تجسّد فيه الإله (!) وقدّم نفسه أمام الصّليب ليتحمّل خطايا أتباعه الذين أصبح في وسعهم أن يفعلوا ما يشاؤون ويضمنوا النّجاة بفضل إيمانهم بالمسيح المفدِّي! ففي سفر يوحنا مثلا، ورد هذا النصّ: “لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية”.. وهذه الدّعوى الكاذبة هي التي أغرت بعض جهلة المسلمين باعتناق النصرانية المحرّفة، لأنّ لغة الحدود والأوامر والنّواهي كانت ثقيلة على أنفسهم المخلِدة إلى الأرض، فاختاروا لغة الأماني والأحلام ليتخلّصوا من وخز الضّمير!
من جنحوا إلى الإلحاد، وجدوا صعوبة في العيش أو الانضباط على الأوامر والنواهي، فخشوا أن تكون النهاية عقوبة وخسرانا، فلم يجدوا حلا لا يكلفهم مجاهدة نفوسهم ومخالفة أهوائها أسهل من إنكار الآخرة وإنكار الخالق، وهذا هو الخلاص بالنسبة إليهم (!)
من جنحوا إلى التشيع، مهما حاولوا تبرير تشيعهم باعتناق ما يظنّونه “مذهب أهل البيت”، فإنّ الدافع الحقيقي هو ظنّهم بأن الولاء لأهل البيت واعتقاد أحقيتهم وإحياء مناسباتهم ولعن أعدائهم (!) كفيل بمحو كل خطاياهم، وجعلهم الفرقة الناجية التي تدخل الجنة بمحبة وشفاعة أهل البيت (!)، ولذلك كان أكثر ما يغري المتشيعين: الحديث المزعوم: “حبُّ عليّ حسنة لا تضرّ معها سيّئة”! وهكذا الحال مع الطرقية التي تربط الخلاص والنجاة بمحبّة الأولياء الصّالحين وزيارة قبورهم لنيل شفاعتهم.
عند الطائفة المدخلية؛ عقيدة الفداء تكمن في “لزوم التوحيد -في شقه المتعلق بالبراءة من شرك القبور- واتباع المنهج ولزوم غرز العلماء الكبار”، إضافة إلى تغيير المظهر؛ ما يجعل المتّبع من “الفرقة الناجية”.. والشعار الجاهز دائما هو: “قبور فسَّاق أهل السّنّة روضةٌ من رياض الجنّة، وقبور عبّاد أهل البدع حفرةٌ من حفر النّار”!
الحقّ أنّ هذه الدّعاوى كلها أماني من وحي الشّيطان ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾.. أمّا وحي الرّحمن فيقول: ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ [النساء: 123- 124].. من أراد الجنّة فليشمّر عن ساعدي العمل، وليتحرّ الإخلاص لله والعمل بما يحبّه الله ويرضاه واجتناب ما يسخطه جلّ في علاه، والتوبة من كلّ ذنب ألمّ به في حالة ضعف نفس أو غفلة.. من أراد النّجاة فليفد نفسه بعمله وصلاحه، ولا ينتظر من يفديه ويخلّصه، ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾، ﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ * يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ (الدخان: 40- 42).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بوزيدي

    بارك الله فيك .نحن في امس الحاجة لهذا الطرح السليم نقلا وعقلا.والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.