-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تدخل مصلحة مكافحة الاتجار غير الشرعي بالمخدرات

… هكذا يتصدّى الرجال للبارونات!

نوارة باشوش
  • 6447
  • 0
… هكذا يتصدّى الرجال للبارونات!

للجزائر صقور تأتي لها بالخبر اليقين.. ونسور تحلق وترصد.. وأسود تعمل في صمت وتعرض حياتها للخطر لبسط الأمن والأمان.. إنهم رجال “SCLTIS” التابعون للمصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير الشرعي للمخدرات، القلب النابض لجهاز الشرطة.

سيارات ودواب لتهريب “الزطلة” و”الجنات الضريبية” لتبييض الأموال

نعم، هؤلاء هم العيون الساهرة التي لا تنام.. يعملون بصمت وهم بعيدون عن الأضواء، لم يترددوا في أن يهبوا حياتهم للوطن مهما كانت الظروف والأحوال.. رجال قرروا أن يعيشوا حالة طوارئ دائمة باختيارهم وبمحض إرادتهم.. حياة قد تكون مليئة بالمخاطر.. وبعيدة عن الدفء الأسري الذي فضلوا عليه دفءا أروع هو حب الوطن.. يتحملون ما لا يمكن تحمله من مخاطر تصل إلى تقديم حياتهم فداء للوطن من أجل حماية الجزائر، لينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم “عَينانِ لا تمَسَّهما النَّارُ: عينٌ بكت من خشيةِ اللهِ، وعينٌ باتت تحرسُ في سبيل اللهِ”.

“بورش” و”ليموزين” و”هامر” لتضليل الأمن والعيون الساهرة بالمرصاد

عالم مثير ومحفوف بالمخاطر حقا اكتشفناه ونحن ندخل ولأول مرة المصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير الشرعي بالمخدرات التابعة لمديرية الشرطة القضائية، التي تم تدشينها في 15 جويلية 2021، وهي وحدة تتمتع باختصاص وطني في مكافحة الشبكات المنظمة للاتجار غير الشرعي بالمخدرات والمؤثرات العقلية وتنسِّق عملها مع مصالح الشرطة القضائية لـ58 ولاية من الوطن وكذا مع مختلف الشركاء الأمنيين تحت إشراف السلطات القضائية المختصة.

“الشروق” عاشت قرابة 6 ساعات في إمبراطورية الـ”SCLTIS” رفقة عناصرها، وهي المدة التي كانت كفيلة لتؤكد أن هذه “العلبة السوداء” التي تتصدى لأكبر بارونات وعصابات تهريب “الزطلة” و”الكوكايين” و”المهلوسات”، تكرس مبدأ حب الوطن والتضحية من أجله، متيقنة أنها كرست حياتها لآخرين رافعة شعار “الشرطة واجب والتزام وتضحية واستمرارية”.

القلب النابض للأمن

الساعة كانت تشير إلى التاسعة والنصف صباحا عندما وصلنا إلى مقر المصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير الشرعي للمخدرات التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني الواقعة بواد السمار بالجزائر العاصمة، حراسة أمنية مشددة حول مقر المصلحة، الكل كان في الموعد المحدد، والأروع فيه طاقمه الشاب المتميز بإتقان واحترافية عمله مما يجعل من هذه المصلحة مفخرة لجهاز الشرطة.. خاصة بعد النتائج المذهلة التي حققتها في أقل من أربعة أشهر في مجال مكافحة المخدرات بكل أنواعها.

“SCLTIS” هم رجال ينشطون في الظل، يرمقونك بنظرات ثاقبة، وهي النظرات التي لمحناها ونحن نعد هذا الروبورتاج.. فهم يتميزون بالانضباط والسرية وواجب التحفظ من أجل إنجاح كل عملية توكل إليهم، شريطة أن يكون العمل بروح الجماعة، فكل عنصر يكمل زميله وكل فرقة تحمي الأخرى عبر 3 خطوات معقدة وخطيرة تدخل فيها “المهمة المستحيلة”، عندما يتعلق الأمر باختراق بارونات “الزطلة”.

تم استقبالنا من طرف المسؤول الأول عن المصلحة، العميد الأول للشرطة لزهر بوصيدة، الذي تبين لنا بعد الحديث معه أنه من الضباط الأكفاء الذين يتمتعون بالذكاء الخارق والاحترافية والتجربة في ميدان حصر واختراق والإطاحة ببارونات وعصابات المخدرات، كيف لا وهو من تلقى تكوينا عاليا في الأجهزة الأمنية المعروفة عالميا على شاكلة “أف. بي. آي”، “FBI”، وكذا عميد الشرطة مختار مسيخ رئيس فرقة التدخل، والفرقة المركزية للتفويضات القضائية، وهناك تلقينا العديد من التفاصيل حول المصلحة عموما والمهمة المكلفة لأصحابها خصوصا، قبل أن ننقل تفاصيل تخص آخر طرق وحيل لتهريب المخدرات من طرف البارونات، والوسائل المستعملة من طرف عصابات “الزطلة” وتجار المهلوسات.

“الصاروخ”.. وشهادة الوفاة

تمكنت المصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير الشرعي للمخدرات، في ظرف قياسي لم يتعد 4 أشهر فقط، من تحقيق نتائج إيجابية ترجمتها الأرقام التي قدمها لنا رئيس المصلحة العميد الأول للشرطة لزهر بوصيدة الذي كشف لنا عن حجز أزيد من 3 قناطير ونصف من القنب الهندي و3 كلغ ونصف من الكوكايين وكذا مليون قرص مهلوس، من خلال معالجة 16 قضية أسفرت عن توقيف 44 شخصا وحجز 23 مركبة فاخرة وشاحنات وزن ثقيل و3 دراجات نارية بقيمة مالية تقدر بـ230 مليار سنتيم.

وأوضح الضابط الأمني بوصيدة، أن العملية الأخيرة التي قام بها عناصر المصلحة، تعدّ ضربة قاضية لشبكات المتاجرة بالمؤثرات العقلية التي حاولت إغراق الجزائر العاصمة بـ600 ألف قرص مهلوس من نوع “بريغابالين” 300 ملغ “دوبل سينيا تور”، والمعروف عند أوساط المدمنين والمروجين بـ”الصاروخ”، تم إدخالها من دول الجوار عبر ولاية تمنراست.

من جهته، أكد لنا عميد الشرطة مختار مسيخ، أن أكبر كميات من القنب الهندي المحجوزة من طرف مصالحهم تمت في الجهة الغربية للبلاد على غرار تلمسان وبالضبط في مغنية، وهران، بشار، البيض قادمة من المغرب، فيما سجلت الجهة الجنوبية الشرقية للبلاد أكبر عمليات حجز للمؤثرات العقلية قادمة من ليبيا ومالي والنيجر ، إذ تعتبر ولاية تمنراست من أكثر الولايات التي يسلكها المهربون.

وما توصلنا إليه من خلال دردشتنا مع عناصر المصلحة هو مخاطرة نخبة من فرق ضباط الشرطة الذين ينتمون إلى مصلحة “SCLTIS” بأرواحهم، إذ يقاتلون عصابات تجارة مخدرات وحشية ليس لديها ما تخسره.. نعم، المهمة صعبة جدا، لأن الأمر يتعلق بتحرير شهادة “وفاة” لهؤلاء البارونات، باعتبار أن توقيف شخص من هؤلاء يعني إدانته بـ20 سنة سجنا، ويصل الأمر إلى الحكم عليه بالسجن المؤبد، لكن بالمقابل يمكن في أي لحظة أن يفقد عنصر من عناصر مصلحة مكافحة الاتجار غير الشرعي للمخدرات حياته، نتيجة اشتباكات بالأسلحة تنتهي برصاصة تخترق جسده وتقتله، أو نتيجة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد عن طريق دهسه بسيارة أو شاحنة أو حتى دراجة نارية وهي بحد ذاتها وسيلة إجرامية لنقل المخدرات.

جزائريون يدخلون “سوق الموت الرخيص”

“الصاروخ” و”مدام كوراج” و”الحمراء” من فئة المهلوسات و”جاقوار” و”الليمونة” و”العربية” من فئة “القنب الهندي والكيف المعالج” هي أسماء أطلقها تجار وعصابات وبارونات المخدرات بكل أشكالها حسب النوعية، توجَّه للشباب والمراهقين وحتى الكهول والنساء الذين يرهنون حياتهم في إمبراطورية “الزطلة” ويقحمون عنوة في “سوق الموت الرخيص”، ليحرقوا أدمغتهم بأسعار تقل عن 100 دج في بعض الأحيان، تنسيهم زيف متاعب الحياة وهمومها بعد أن وجدوا البديل، يوفرها إما تجار “السموم” عمدا أو بغير عمد من طرف صيادلة يقعون في فخ شباب يتمارض للحصول على وصفة، وهذا ما كشفت عنه التحقيقات التي قامت بها عناصر الشرطة التابعة للمصلحة المركزية لمكافحة الاتجار غير الشرعي للمخدرات.

تحقيقات أسفرت أيضا عن ارتفاع قياسي لمعدلات الجريمة بالجزائر خلال الأشهر الأخيرة بشكل رهيب.. لتقف مذهولا أمام جرائم قتل أسبابها تافهة كثيرا ما يكون ضحيتها الأصول، وفي أحسن الأحوال شجارات واعتداءات في سهرات ماجنة يغيب فيها العقل وتحضر المسكرات والمهلوسات لتعيش العائلات الأمرِّين وتتحول أفراحها إلى أتراح وأعيادها إلى مآتم، والأخطر أن الآفة عمت، لأنها موجودة بكل مكان وبأسعار زهيدة بعد أن طوّر أباطرة المخدرات حيلهم الشيطانية واكتسحوا الأحياء الشعبية بكل أشكال المخدرات والأقراص المهلوسة التي تتناسب ومستواهم المعيشي وتحقق لهم أرباحا طائلة تفوق أحيانا أسعار باقي أرقى أنواع المخدرات على شاكلة “الكوكايين والهروين”.

“بورش” و”ليموزين” و”هامر” للتمويه

“بورش” و”ليموزين S3″و”ستايشن” و”هامر” وغيرها من سيارات فاخرة إلى جانب شاحنات الوزن الثقيل ذات ماركة عالمية ودراجات نارية من نوع “لمياكسي”، كلها وسائل تستعمل لنقل المخدرات لتمويه مصالح الأمن حسب ما كشف عنه عميد الشرطة مختار مسيخ، قائلا “لم تعد قوافل الدواب كافية لنقل “الزطلة” من الحدود الجزائرية، لأن هذه الأخيرة تستعمل فقط في حالة صعوبة التضاريس بمناطق تهريب هذه السموم انطلاقا من أراضي البلد المجاور نحو حدودنا.

ويقول الضابط الأمني إن هذه المخدرات أو المؤثرات العقلية حينما تدخل الأراضي الجزائرية، فإن بارونات هذه السموم، تلجأ إلى استعمال المرْكبات والدراجات النارية الفخمة لنقلها كخطة ممنهجة يلجأ إليها هؤلاء للإفلات والتخفي من مصالح الأمن، وهو ما أثبتته عمليات الحجز التي تتم في كل مرة.

من جهته، أكّد رئيس المصلحة عميد أول للشرطة، لزهر بوصيدة أن التحقيقات أسفرت عن وجود مخابر سرية في بعض دول الجوار وتحت أعين سلطتها، هي السبب وراء تزويد بارونات المؤثرات العقلية في الجزائر بهذه السموم، باعتبار أن هذه الدول لا يهمها أي شيء سوى مصلحتها الاقتصادية، كون أن العائدات الإجرامية من الأموال تدخل خزينتها، من دون النظر إلى ما تسبِّبه من أضرار للجزائر والجزائريين.

وأضاف ذات المسؤول الأمني، أن التحقيقات والإنابات القضائية، أثبتت أن مافيا وعصابات وبارونات المخدرات، متورِّطون في عمليات تبييض وغسل الأموال من خلال شراء عقارات وفيلات فاخرة وأملاك داخل الوطن وخارجه، خاصة في الدول المعروفة بـ”الجنات أو الملاذات الضريبية” التي تجذب أصحاب رؤوس الأموال غير المشروعة حول العالم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!