-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هكذا ينبغي أن تُعامَل أدمغتنا المفكِّرة…

هكذا ينبغي أن تُعامَل أدمغتنا المفكِّرة…

كثيرة هي الأدمغة التي ما زالت مُرابِطة بداخل الوطن رغم الإغراءات الخارجية الكثيرة، وبفضلها مازالت عدة قطاعات ومؤسسات واقفة، ينبغي أن نوجه لها التحية والعرفان، وأنْ نَرفَع النداء عاليا للسلطات العمومية لتمنحها التقدير الواسع والاعتراف الكامل، ولترعاها حق الرعاية معنويا وماديا.

تم السبت، الإطلاق الرسمي لخدمات التصديق الإلكتروني ببلادنا، وهي خدمات تتطلب التحكم في أرقى ما توصَّلت إليه المعلوماتية وبخاصة التشفير الإلكتروني من تقدم.

وقد أشرف على هذه المهمة لسنوات خبراء جزائريون من خيرة كفاءات هذا الوطن. ورغم الصعوبات الجمة التي يعرفونها أولا ككافة المواطنين، وثانيا ككفاءات عليا، إلا أنهم أصروا على البقاء والاستمرار في البذل والتضحية إلى أنْ أنجزوا المهمة كاملة غير منقوصة.

لقد كان بإمكان أي منهم، وبمجرد اتصال بسيط، أن يجد نفسه في أكبر الشركات العالمية التي تشتغل في مجال التشفير والمعلوماتية في آسيا وأمريكا وأوروبا، خاصة أن جميعهم من المتفوقين في هذا المجال. وكان بإمكانهم أن يفوزوا بأجور تفوق عشرات المرات ما يتقاضونه في الجزائر، فضلا عن التقدير الكبير والمحيط الاجتماعي الملائم من سكن ونقل ووسائل راحة وترفيه…الخ. وما كان أحد ليلومهم على ذلك، نظرا للصعوبات الجمة وأحيانا التي لا تُطاق التي تعترضهم داخل وطنهم، إلا أنهم فَضَّلوا الصبر والإصرار على إتمام مهمتهم على أحسن وجه خدمة لمواطنيهم وبلدهم واقتصاد بلدهم، وبعدها لكل حدث حديث…

كم سَمِع هؤلاء للعبارات المُثَبِّطة التي تُلاحقهم في كل مكان، وأحيانا من مسؤوليهم المباشرين: “لو كنت مكانك لغادرت هذه البلاد”! “ما الذي تفعله في هذا البلد؟”! “مكانك ليس هنا”!، “تظلم نفسك بالبقاء هنا”!… بل تَحَلُّوا بالثَّبات، وأصَرُّوا على رفع التحدي، ولعلهم اليوم يكونون قد أنجزوا مُهمتهم على أحسن وجه.

هل يكفي أن نوجِّه لهم خالص التحية والعرفان؟ أم أنه علينا أن نطرح على أنفسنا السؤال الأهم: كيف نجعل منهم قدوة للآخرين لكي لا يغادروا ومثالا يحتذى به لمن اضطروا اضطرارا للمغادرة ليتعاون الجميع من أجل الانتقال العلمي والتكنولوجي والصناعي والاقتصادي لهذا البلد؟

يبدو لي أنه ينبغي على الدولة الجزائرية، ألا تكتفي اليوم بواجب التحية والعرفان، بل أن تُسارع إلى إصدار قانون يحمي هؤلاء ويُمكِّنهم من الحياة الكريمة بالنظر إلى الخدمات الجليلة التي يقدمونها للوطن، ليس فقط في هذا المجال المعلوماتي الحسّاس، بل في جميع المجالات التي تتطلب خبرات رفيعة المستوى، بل إني أرى أنه من واجب الدولة أن تُنشئ لهؤلاء إقامات خاصة، وتُمكِّنهم من كافة الشروط المادية والمعنوية التي توفر لهم المُحيط المناسب للبقاء.

إن الذين يحتلون مناصب مرموقة في الدولة باسم السياسة أو المسؤوليات العليا، ليسوا أبدا أفضل منهم حتى يحظوا بامتيازات عدة، بل إن الأولوية ينبغي أن تكون لهذه الكفاءات قبل غيرها، وأن يُمكَّنوا من الحصانة اللازمة لأداء عملهم، من أي تحرش من مسؤوليهم الإداريين، أو غيرهم من المسؤولين.

إنه لمن الأولوية بمكان أن تُسارع الجهات المعنية باتخاذ إجراءات فَعَّالة واستباقية للحفاظ على هذا الرأسمال البشري الذي لا تُقَدَّر قيمته بثمن، قبل فوات الأوان. ومهما كانت الميزانية التي ستُخصَّص لذلك فإنها ستعود على المجتمع بالخير العميم، ذلك أنها لن تساهم في تطوير بناء الاقتصاد الوطني فحسب بل ستوفر بمثل هذا الاهتمام بالداخل الشروط اللازمة لكي تضع الكفاءات الجزائرية في الخارج، بما اكتسبت من خبرات جديدة، يدها في يد كفاءات الداخل، ومنه تحدث الانطلاقة النوعية التي طال انتظارها وفي جميع المجالات…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • ابن البلاد الجزائري

    هذه المسألة جوانبها متعددة فمنها السياسي وموقف منظومة الحكم من الكفاءات الوطنية داخل الجزائر بنسبة كبيرة وهنالك معضلة أخرى وهي اقتصادية : ضعف الاقتصاد الوطني وارتكازه على الاستراد مع كل مآسيه في اضعاف القدرة الشرائية للعملة الوطنية فمثلا الأجر الأدنى في فرنسا هو 1500 أورو ما يعادل بالدينار على الأقل 28 مليون سنتيم ... فهل يعقل أن تعطي الدول لإلجميع اطاراتها 28 مليون سنتيم ليكن مستوى معيشتهم على الأقل كمحدودي الدخل في فرنسا !!! يجب أن نتفاني في بناء اقتصاد متكامل بقدرات ادماج كبيرة ليصبح لعلماتنا قدرة شرائية توافق واقعنا الداخلي... وهذا الملف هام وواسع .

  • ابن الجبل

    هذا الموضوع الذي طرحته تكرر عشرات المرات .. وربما تطرقت أنت خلال السبعينات او الثمانينات من القرن الماضي .ولكن لا أذن سمعت ، ولا قرار اتخذ في هذا الشان ...!! كلما تمر الأيام تزداد الأزمة اتساعا ... كل شيء موجود في هذه البلاد الا الحلول ، والدليل على ذلك استمرار هروب الأدمغة وغير الأدمغة ، لأن الأمل أضحى مسدودافي وجه شبابنا الذين لا يطلبون الا العيش الكريم...!!

  • العربي

    لا يا أستاذ لست مع فكرة أن تعاملهم الدولة معاملة خاصة وتخصص كذا وكذا من الامتيازات، يكفي أن تطبق الدولة القوانين وتعدل بين الناس وتحارب الفسادوالإفساد. الإطار الكفئ يجب أن يتقاضى ما يكافئ جهده في خدمة وطنه في مجال اخصاصه. عموما في بلاد الغرب المتطورة الإطارات يحسنون التفاوض حول الأجور والامتيازات التي تحقق لهم عيش هنيئ.، العقلية ينبغي أن تأخذ هذا المنحى. وهجر البلد من أجل حياة مادية أفضل قبل أن تكون دوافعها اقتصادية فهي أخلاقية قبل كل شيئ والبلد الذي لا يحبه أبناءه ويهجرونه لن يتطور والحياة نظال وكفاح ومبادئ ومواقف وليس أموال وحياة الترف فحسب.