الرأي

هل‮ ‬تنتفض‮ ‬النخبة؟

محمد سليم قلالة
  • 3131
  • 7

هناك رأي يفسّر عجزنا عن حل المشكلات التي نعيش، وبقائنا ضمن دوامة الأزمات المتكررة سواء أكانت سياسية أو اقتصادية، رغم توفر الشروط الموضوعية لذلك، إلى غياب من يفكر للبلاد في كافة المستويات سواء أكان ذلك على مستوى البرلمان أو الحكومة أو الجامعة أو مراكز البحث‮ ‬على‮ ‬قلّتها،‮ ‬ويجادل‮ ‬أصحاب‮ ‬هذا‮ ‬الرأي‮ ‬بطرح‮ ‬سؤال‮ ‬أساسي‮ ‬يقول‮: ‬ما‮ ‬هي‮ ‬مخرجات‮ ‬هذا‮ ‬التفكير‮ ‬إن‮ ‬وجدت‮ ‬وفيما‮ ‬تجلّت؟‮.‬

وبالرغم‮ ‬مما‮ ‬يبدو‮ ‬من‮ ‬واقعية‮ ‬لهذا‮ ‬الطرح‮ ‬إلا‮ ‬أننا‮ ‬نرى‮ ‬أنه‮ ‬ينبغي‮ ‬أن‮ ‬يدقق‮ ‬بكيفية‮ ‬أفضل‮.‬

 

المشكلة ليست في غياب من يفكر، إنما في عدم وجود انسجام وتناغم بين من يفكر ومن يتخذ القرارات ومن ينفذها. المشكلة هي في كون المسار المنطقي الذي ينبغي أن يحكم معادلة الفكر والعمل عادة ما نجده معكوسا في بلادنا، بدل أن يوجّه المفكر صانع القرار ويراقب تنفيذه يحدث‮ ‬العكس،‮ ‬يملي‮ ‬المنفّذ‮ ‬محتوى‮ ‬القرار‮ ‬ويفرض‮ ‬صاحب‮ ‬هذا‮ ‬الأخير‮ ‬على‮ ‬من‮ ‬يفكر‮ ‬تبريره‮. ‬ويتم‮ ‬تقديم‮ ‬العملية‮ ‬على‮ ‬أساس‮ ‬أنها‮ ‬سياسة‮ ‬مدروسة‮ ‬وما‮ ‬هي‮ ‬كذلك‮.‬

أي أن الأمر لا يتعلق بعجز النخبة عن التفكير، إنما بفرض منطق معكوس على هذه النخبة تارة بقوة السلطة وأخرى بقوة المال. وهكذا تضيع قدرتنا على التفكير ضمن هذا المنطق المعكوس، وتبدو قدرتنا على التحليل ضعيفة، ويبدو بلدنا وكأنه عجز عن أن يجد من يفكر له.

فتخرج سياسات الإسكان، والتعليم، والتجارة، والصحة وغيرها وكأنها لا تخضع لأي منطق، تُكرِر ذات الأخطاء ولا تستطيع تحقيق أي من الغايات التي تبدو لعامة الناس في المتناول. وقليل ما ننتبه أن المشكلة ليست في عقم المجتمع الجزائري في إيجاد من يفكر لعلاج مشكلاته، إنما‮ ‬في‮ ‬من‮ ‬يمنع‮ ‬ذلك‮ ‬بقوة‮ ‬السلطة‮ ‬أو‮ ‬بقوة‮ ‬المال‮.‬

وليس‮ ‬أمامنا‮ ‬من‮ ‬أمل‮ ‬سوى‮ ‬تغيير‮ ‬هذه‮ ‬المعادلة‮: ‬أن‮ ‬يتحول‮ ‬الفكر‮ ‬إلى‮ ‬محدد‮ ‬لطبيعة‮ ‬العمل‮ ‬وقائد‮ ‬أثناء‮ ‬التنفيذ‮ ‬وليس‮ ‬العكس‮.‬

كيف‮ ‬ومتى‮ ‬نصل‮ ‬إلى‮ ‬ذلك؟

يبدو أننا لن نصل ما دام من يملك قوة الفكر مازال يقبل الخضوع لقوة العصا أو سلطة المال، ولن نصل ما دامت نخبة الفكر لم تنتفض وتضطلع بالدور الحيوي الذي ينبغي أن تقوم به في كل مستوى من المستويات، لن نصل ما دامت هذه النخبة لم تفرض أولويتها على سلطتي القوة والمال… وإذا لم تقم بذلك… حقّ على الناس القول أنها أصل كل بليّة، بل حقّ لهم اتهامها بأنها أم الكوارث التي عرفتها أو ستعرفها البلاد. فهل سينفض كل من ادّعى امتلاكه قدرة على التفكير  الغبار عن نفسه؟ أم سنستمر لسنوات في الخضوع للمنطق المعكوس؟ ذلك هو سؤال المرحلة‮.‬‭ ‬

مقالات ذات صلة