الرأي

هل‮ ‬يكفي‮ ‬الإعدام؟

لو وضع النظام الجزائري، قانون تنفيذ حكم الإعدام في حق كبار المجرمين أمام الشعب للاقتراع عليه، فإن نسبة التصويت، ستتجاوز هذه المرة 99 بالمئة، حقيقة وليس على طريقة انتخاب رؤساء النظام الواحد في الزمن السابق، ولو أجرى سبرا للآراء، سأل فيه الشعب عن نسبة قناعته، إن كان تنفيذ حكم الإعدام وليس النطق به فقط، كما هو حاصل الآن، كفيل بحل مشكلة الإجرام، فإن نفس النسبة التي تقارب المئة بالمئة، ستؤكد بأن ذلك لا يكفي، وربما لن يزعزع هذا التمثال الإجرامي الذي تطاول حتى ناطح السحاب.

المواطنون البسطاء لم يتمكنوا من إعطاء سبب واحد، لهذه الجرائم التي ارتكب بعض مقترفيها الأثرياء والمتخرجين من الجامعات، وحتى الذين قضوا عشرات السنوات في التحصيل العلمي والديني، وكما يقال في عالم الطب، فإن جهل سبب الداء يبعدنا عن التشخيص، ويجعل من العلاج هدرا‮ ‬للمال‮ ‬وللوقت‮.‬

الذين قالوا إن الميوعة هي سبب الجرائم، يعلمون أن السويد والدانمارك هما أكبر البلاد أمنا، وسكانها لا يسبّون بعضهم البعض، فما بالك باغتصاب وقتل الأطفال، والذين قالوا إن الفقر هو الدافع الرئيسي لارتكاب المجازر، يعلمون أن بوركينافاسو، التي لا يكاد يشبع أهلها رغيف الخبز، لم تُرتكب على أرضها جريمة قتل منذ خمس سنوات، ويصبح بذلك المطالبة بتنفيذ الإعدام بالرغم، ما فيه من ردع، ما دام حكما شرعيا، قبل أن يكون وضعيا، مجرد “شفي غليل” لحرقة ما زالت تؤلم الجزائريين، وهم يرون ما فعله السفاحون في الأطفال الأبرياء من اغتصاب وتقتيل،‮ ‬ليس‮ ‬في‮ ‬القرى‮ ‬النائية‮ ‬والمناطق‮ ‬الجبلية‮ ‬فقط،‮ ‬بل‮ ‬أيضا‮ ‬في‮ ‬العواصم‮ ‬الجزائرية‮ ‬الكبرى،‮ ‬كما‮ ‬حدث‮ ‬لشيماء‮ ‬وهارون‮ ‬وإبراهيم‮.‬

قد يكون الخطأ الأكبر، أن تحول كل هاته الجرائم التي أبانت جرأة بعض الأفراد على المجتمع وعلى الدين وعلى الأعراف الإنسانية، نحو وجهة وزارة العدل، وكأن القاضي الذي سينطق حكم الإعدام، وحده من يُردع هذا الذي أمسك بعنقنا ورفض تركه، رغم أن الإسلام لم يقل أبدا أن قتل القاتل، سيقضي على الجريمة، والتاريخ يشهد أن الإعدامات الشعبية، التي طُبقت منذ قرون ومازالت لدى بعض الشعوب لم تزعزع هذا المارد أبدا، لأن المجرم قد يتأثر لمشهد حكم أو تنفيذ الإعدام لحظة المشاهدة التي لا تتعدى بضع دقائق، ولكن ما يشاهده طوال عمره أينما ولّى‮ ‬وجهه،‮ ‬سينسيه‮ ‬أقسى‮ ‬الأحكام‮.‬

 والقرآن الذي ذكر بعض الأحكام الشرعية في حق المجرمين في آيات قليلة، لا تكاد تخلو سورة منه في دفع الناس لبناء الأمة بالعلم والتربية، حيث يصبح دور القاضي ثانويا. وإذا كان وزير العدل قد اجتهد ولا ندري إن أصاب أو أخطأ في الدفع بقانون جديد للاختطاف والاغتصاب، فإن‮ ‬المحيّر‮ ‬هو‮ ‬صمت‮ ‬بقية‮ ‬المؤسسات‮ ‬الفاعلة‮ ‬ومنها‮ ‬وزارة‮ ‬الشؤون‮ ‬الدينية‮ ‬ووزارة‮ ‬التربية‮ ‬والتعليم،‮ ‬والأخطر‮ ‬الجمعيات‮ ‬المدنية‮ ‬والأسر‮ ‬التي‮ ‬استقالت‮ ‬من‮ ‬دورها‮ ‬في‮ ‬التربية،‮ ‬والأخرس‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الحالات‮ ‬هو‮….‬؟

مقالات ذات صلة