الرأي

هل استرجعت الدولة السورية سيادتها فعلا على حلب؟

حسان زهار
  • 7120
  • 23

يدور جدل ولغط كبيران في الأيام الأخيرة، داخل الجزائر وحتى خارجها، بعد تصريح وزير الخارجية رمطان لعمامرة باستعادة الدولة السورية سيادتها على حلب، وقد تجلى هذا اللغط، في حجم الانقسام الرهيب بين الجزائريين أنفسهم، من خلال مختلف مواقع التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض لهذه النظرة، الأمر الذي حول حلب إلى بؤرة خلاف خطيرة بين الجزائريين، يستوجب الوقوف عندها، ومناقشة مآلات الوضع فيها بروية وتعقل، بعيدا عن الانفعالات التي تفرضها الإيديولوجيات الضيقة، أو المصالح الآنية غير الأخلاقية.

غير أنه قبل استعراض القضية، من المهم الإشارة إلى أن الأمر يتعلق بمصير شعب عربي يباد الآن عن بكرة أبيه، قتلا وتهجيرا، وليس مجرد مقابلة في كرة القدم يتنافس فيه أنصار الريال والبارصا، أو أنصار المولودية والشبيبة، وأن الاصطفاف في جهة من الجهات تتبعها مسؤوليات أخلاقية وتاريخية خطيرة وجب التنويه إليها، لأن ما شهدته ثورة الشعب السوري لا مثيل له في العصر الحديث من حيث الوحشية والبطش، إلى درجة أن تغريبة السوريين اليوم وهم يهيمون على وجوههم في كل أصقاع الدنيا قد تجاوزت بمراحل التغريبة الفلسطينية عقب احتلال عصابات الهجانا للأرض المقدسة وتشريد أهلها، وهو المعطى الذي يتغافل عنه الكثيرون عمدا ولا يريدون رؤيته لكونه سيؤشر بكل وضوح على أن المسؤولية الكبرى في هذه الكارثة الإنسانية غير المسبوقة هو نظام طائفي مستبد، وليس الشعب الذي طالب بحقه في الحرية قبل أن يوصم بالإرهاب.

وبالعودة إلى حكاية الدولة السورية استعادت سيادتها على حلب، من المهم تحديد المصطلحات الفضفاضة، ونتساءل عن أي دولة سورية يتم الحديث اليوم؟ وقد انهار الجيش النظامي السوري بشكل شبه كامل، ودخلت عشرات القوى الأجنبية بترسانة من الأسلحة إلى المعادلة السورية، لتقاتل في صف النظام حتى لا يسقط؟ وإذا كانت سيادة الدولة هي سيادة نسبية كما زعم بشار الأسد في أحد حواراته، فما موقع القوات الروسية الضاربة اليوم هناك، وما موقع القوة العسكرية الإيرانية الرسمية والمبليشياوية ؟ وكيف أصبحت حواجز الدولة السيدة هذه ترفع إلى جانب العلم السوري، العلمين الإيراني والروسي، إلى جانب أعلام طائفية لها أول وليس لها آخر؟.

أما تهمة الإرهاب فهي مردودة ولا تقف على قدم، لاعتبارات كثيرة، أقلها أن استخدام القوة المفرطة ضد المظاهرات كان سابقا لظهور حتى داعش والنصرة، ثم أن الجهد العسكري الأكبر لما يسمى مجازا بالجيش السوري، وكذا القوات المحتلة الروسية والإيرانية، ليست ضد القوى الإرهابية مثل داعش والقاعدة، بل هي كما الحال مع ما جرى في حلب، موجهة بالأساس ضد قوى المعارضة المعتدلة وفصائل الجيش الحر، بدليل تركيز كل قوى النخبة للنظام وروسيا وإيران لتدمير المقاومة الشعبية في حلب، وترك مناطق أخرى نهبا للإرهابيين الحقيقيين، كما حصل مع مدينة تدمر التاريخية التي سقطت في ساعات بيد قوات داعش وهروب الروس والإيرانيين منها.

في بحث خطير قدمه الباحث البريطاني شارلز ليستر، من معهد بروكينغ الدوحة، كشف فيه أن ما لا يقل عن 66 ميليشيا من خارج سوريا تقاتل إلى جانب نظام الأسد، جاءت من العراق، وإيران، ولبنان، وفلسطين، ومصر، واليمن، والبحرين، وباكستان، وأفغانستان، إضافة إلى القوات الروسية بمختلف أنواعها الجوية والبحرية والبرية، والقوات الإيرانية من قوات الباسيج والكتيبة 65 من أصحاب القبعات الخضراء والحرس الثوري وفيلق القدس، إضافة إلى 49 جنسية تدافع عن نظام الأسد أبرزهم ميليشيات حزب الله وزينبيون وفاطميون وغيرهم من الميلشيات المتعددة الجنسيات، وهي قوات لا تقارن بأي شكل مع ما يدعيه النظام من أن 90 جنسية تقاتل إلى جانب المعارضة، لكون المقاتلين الأجانب المعارضين للأسد يصلون إلى سوريا فرادى وليسوا تنظيمات منظمة من طرف دول داعمة، ولا هم ميليشيات، كما أن هؤلاء الأجانب أعدادهم محدودة مقارنة بمن يقاتلون إلى جانب النظام من المرتزقة، كما أنهم يقاتلون في غالبيتهم المطلقة مع داعش وقليل منهم مع النصرة، بينما كل الفصائل السورية المعتدلة تكاد تخلو من العنصر الأجنبي، أي أن قوى المعارضة المعتدلة هم سوريون أبناء الأرض، وحربهم اليوم تحولت من حرب ضد طاغية، بعد التدخل الأجنبي، إلى حرب تحرير وطنية.

وهنا من حقنا أن نتساءل أين سيادة الدولة السورية هنا ؟ وهل كانت هذه الدولة التي كادت أن تنهار بالكامل قبل التدخل الروسي قادرة على دخول أحياء حلب لولا أكثر من 18 ألف غارة جوية لطائرات السوخوي والقنابل الاراتجاجية ؟ ولولا أن روسيا على لسان وزير دفاعها نفسه قد جربت أكثر من 160 سلاح جديد في هذه المواجهة، ولولا عشرات الآلاف من المرتزقة الشيعة من مختلف بقاع الأرض؟.

لقد كنا وما نزال نندد ونرفض أي شكل من أشكال الاحتلال للأرض العربية، وبسبب هذه الاحتلالات ظلت أمريكا وربيبتها إسرائيل في العقل الجمعي العربي، عدوتين لا يمكن الوثوق بهما، بل إن تصنيف الناس بين الوطني والخائن، ظل طوال العقود الماضية، منذ احتلال فلسطين إلى يومنا هذا، مرتبطا بمعاداة هذه القوى الاستعمارية الإمبريالية أو موالاتهما، فكيف يكون الاحتلال الروسي والإيراني اليوم للأرض العربية في العراق والشام، احتلالا مقبولا أو “مفيدا” ؟ بل وكيف يوصف التدمير الذي تقوم به هذه القوى الاستعمارية الجديدة، للمدن العربية مثل حلب الشهيدة، بأنه تحرير وإعادة للسيادة السورية؟ ألهذه الدرجة اختلطت المفاهيم ؟ ثم ماذا لو تدخلت روسيا أو إيران غدا وفقا لهذه النظرة لقمع أي ثورة شعبية أخرى في أي بلد عربي وليكن بلدا من بلدان المغرب العربي، هل سيكون الأمر أيضا تحريرا ودحرا للإرهاب وليس أبدا استعمارا؟

لقد ظلت الثورة الليبية مثلا ضد حكم القذافي تعاني منذ نجاحها في الإطاحة بالنظام “الجماهيري”، تعاني إشكالية المشروعية في الداخل والخارج، وخاصة لدينا نحن في الجزائر، لأن الثورة استعانت بطائرات الحلف الأطلسي .. وقد تم تصنيف ثوار ليبيا على أنهم عملاء وخونة للناتو لهذا السبب تحديدا، رغم أن الحلف الأطلسي لم ينزل جنديا واحدا تقريبا ما عدا الجواسيس على الأرض الليبية، فكيف يتم اعتبار التدخل الروسي والإيراني المسنود ميليشياويا بأنه تحرير وليس استعمارا ؟ وهل القواعد الروسية والإيرانية في سوريا والعراق تختلف عن القواعد الأمريكية مثلا في بعض دول الخليج التي طالما تم اعتبارها دليل خيانة موثقا ضد هذه الدول وحكامها؟.

الجزائر كانت دائما مع مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وهو مبدأ جيد ساهم كثيرا في إبعاد البلاد عن انزلا قات كبيرة كان يمكن أن تحدث لو أن الجزائر قبلت التدخل رغم الإغراءات في عدد من الصراعات الإقليمية، غير أن المثير أنه وكما شاهدنا غض الطرف الجزائري عن التدخل العسكري الفرنسي في مالي، الذي كان ضد هذه السياسة بالطبع، نشاهد اليوم قبولا واضحا بالتدخل الروسي والإيراني الرسمي والعلني الكامل والشامل في الحرب السورية؟ فهل التدخل الروسي والإيراني ليس تدخلا في الشأن الداخلي السوري، وهل التدخلات الأجنبية في منطقتنا تتفاوت بين تدخل حميد وآخر “خبيث”؟.

المبادئ لا تتجزأ في تصوري، وأعتقد أن عدم تسمية التدخل الروسي والإيراني في سوريا بمثل هذه الكثافة، على أنه احتلال واضح المعالم، والذي من مظاهره نصب قواعد عسكرية دائمة وأخرى لأكثر من مائة سنة، مثل قاعدتي طرطوس واللاذيقية ومحمية “حميميم”، من دون الحديث عن المراقد الشيعية التي صارت وقفا إيرانيا خالصا، وشراء العقارات بحيث تكاد دمشق الأمويين اليوم تتحول إلى مدينة للشيعة، هو نوع من النفاق السياسي الذي ينبغي إدانته، وعدم الموافقة عليه.

إننا في الجزائر عانينا كثيرا من الإرهاب، مع الفرق الشاسع في الحالتين الجزائرية والسورية، لكن أبدا لم تستعمل الدولة القوة المفرطة ضد شعبها، ولم تدمر حيا واحدا، علاوة على مدينة واحدة، لكن ما يحدث في سوريا هو أن طائفة بعينها سيطرت على الدولة ومؤسساتها، وعندما ثار الشعب على ظلم الأقلية، استعانت الأقلية بالقوى الخارجية لقمع الشعب، فكان أن حررت تلك القوى الاستعمارية حلب وغير حلب من أهلها، عبر محوها تماما من الخارطة، وأخرجت أبناءها من ديارهم إلى مخيمات التشرد، بدعوى أنهم إرهابيون، وتصوروا معي كيف يمكن أن يكون ملايين السكان نساء وأطفالا وشيوخا إرهابيين، وهم أهل الأرض ومن طينتها، بينما يكون الأجنبي المرتزق محررا حاميا لسيادة الدولة؟ ما لكم كيف تحكمون؟.

مقالات ذات صلة