-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل اعترفوا بذنبهم؟

هل اعترفوا بذنبهم؟

الاستعمار، هذا الشيطان الحرباوي، الأرقط، الذي يلبس، لكل حالة لبوسها، ويستعمل لكل عهدة قاموسها، هل يمكن أن يتوب من ذنبه، ويرعوىَ عن غيّه؟

والاستعمار الفرنسي بالذات، هل يمكن أن يصدق في الإعلان عن توبته؟ وهل يمكن أن تقبل توبته؟

لقد تعاقبت على الحكم الفرنسي، حكومات، وأحزاب، من ذات اليمين، وذات اليسار، فما رأينا منها إلا عزة بالإثم، وإصراراً على الجرم، فقد ظلت هذه الحكومات والأحزاب تتصامم آذان أصحابها، عن سماع نداءات شعبنا، بضرورة الاعتذار عن الجرم، والاستغفار من الإثم.

فما بال بعض ساستها اليوم، وقد ضاقت بهم السبل، فجفت ينابيع خزائنهم، وبارت منتوجات صنائعهم، ما بالهم، في حملة انتخابهم، يطيرون إلينا خفافاً وثقالا، يخطبون جهدنا وودنا، ويمسحون رأسنا وخدّنا، فيعلنون توبتهم عن الجرم الاستعماري الذي اقترفوه، وندمهم عن الدم الذي سفكوه؟

آ الآن وقد تمادوا من قبل في غيّهم، فكانوا لا يدعون أيّة فرصة، إلا واتخذوا فيها مواقف تزعج الجزائر بدءا من المضايقة على أبناء جاليتنا، وانتهاءً بتبني كل المواقف المعادية لقضايانا؟

فكيف نعلل هذا الموقف الحرباوي الانتخابي اليوم؟ هل هي صحوة ضمير، بعد طول تبلد؟ أم هل هي عودة وعي بعد ذُهال وطول تعقد؟ 

ليتنا ننسى! ولكن كيف ننسى؟ هل يمكن أن تُنسى الإعاقة الغائرة التي لا تزال تطبع معظم أجساد مواطنينا؟ وهل ننسى الجرح الفكري العميق الذي يطبع عقولنا، وقلوبنا، بعد العدوان الفرنسي على هويتنا، وعقيدتنا، ولغتنا؟ وبماذا نبرر هذا النسيان، لشهدائنا، وضحايانا، وفي كل بيت شهيد أو ضحية؟

لقد علّمنا، علماؤنا، أنّ الاستعمار شيطان، و”إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً”.

وعلّمنا الشاعر العراقي أحمد مطر:

ربما الماء يروب *** ربما يُحمل ماء في ثقوب

ربما تسطع شمس من غروب *** ربما الزاني يتوب

ربما يبرأ ابليس من الذنب *** فيعفو عنه غفّار الذنوب

إنما لا يبرأ [الاستعمار]  *** من ظلم الشعـــوب

لهذه العوامل كلها، قوبلت تصريحات السياسي الفرنسي “ماكرون” وبعده السياسي “كوشنير” قوبلت تصريحاتهما بالاستياء والغضب من الطبقة السياسية الفرنسية، لأن الاستعمار أرحام تتعاطف، ومصالح تتكاثف، فهم جميعا يصرّون على الحنث العظيم.

إنّ بيننا، نحن الجزائريين، وبين الاستعمار الفرنسي، هوة سحيقة، حفرتها جيوشه بعدوانيتها، وإدارته باستئصاليتها، وسياسته باستفزازيتها، وعنجهيتها. فكيف يمكن ردم هذه الهوة، وتجاوز هذه العدوانية، ومسح آثار السياسة الاستئصالية، الاستفزازية؟

إنّ الكرة، في الجواب عن كل هذه الأسئلة إنما تكمن في مرمى الجانب الفرنسي، وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين.

إنّ الجانب الفرنسي، مدعو إلى إعلان توبة نصوح، من كل الجرائم التي ارتكبها في بلادنا. وتتجسد هذه التوبة، في التعويض عن الأضرار التي لحقتنا، والاعتذار العملي، عما ارتكب، وذلك بالكف عن مناهضة ديننا وعن محاولة طمس هويتنا، وتصحيح كتب التاريخ من العدوان على عقول أطفالنا وأجيالنا.

ومن جانبنا نحن، ينبغي، أن يُقضى فينا على كل قابلية للعدوانية الاستعمارية على وجودنا، فنضع حدا للعمالة الفكرية للاستعمار، السائدة في عقول بعض مثقفينا، وإنهاء التمكين للاستعمار لبسط ثقافته على حساب ثقافتنا، والترويج للغته على حساب لغتنا، وتشجيع إنتاجنا بمختلف، أصنافه، للحد من غزو الاستعمار لاقتصادنا، وتصنيعنا.

إنّ هذه القابلية للاستعمار، كما وصفها مالك بن نبي، هي سبب امتداد الاستعمار بفكره، ومنهجه، فينا، بالرغم من مظاهر الاستقلال الوطني التي نعلنها.

نريد – إذن – من هؤلاء الحاملين لشعارات الاعتذار للجزائر، عما ارتكبه الاستعمار الفرنسي ضدنا، ضمانات عملية، يتضمنها دستورهم، ويقرّها سياسوهم، فتغدو ثقافة سائدة يتشبع بها شعبهم، فلا تزول بزوال الحملة الانتخابية، المهيّجة للمشاعر والعواطف.

أما موقفنا – نحن – من الانتخابات الفرنسية، فيجب أن يكون – على قدم المساواة – مع كل المرشحين، فلا نعتقد أنّ اليمين أو اليسار، قد يكون أقرب إلينا، فقد بلينا، في الفترة الاستعمارية من اليمين واليسار فوجدنا العداء منهم على حد سواء.

فلا تزال ذاكرتنا، مثقلة بما فعله فينا اليسار الفرنسي، بدءا بالجبهة الشعبية، وانتهاء بالحزب الاشتراكي الفرنسي.

ولا تزال ثقوب في ذاكرتنا مما أحدثه اليمين الفرنسي، من أقصى اليمين، إلى وسط اليمين أو أدناه، فقد لاقينا في عهدهم جميعا من التعذيب، والقمع، والتنكيل، ما يندى له جبين الإنسانية.

إنّ المقياس الذي نقيس به، مدى قرب أو بعد أي مرشح، وأي فائز في الانتخابات، هو مدى صدق وجدية، أي واحد في الاستجابة لمطالبنا التي نرفعها، وهي إعادة الكرامة التي أهدروها، وتعويض الدمار الذي أحدثوه، والإعلان عن الاستعداد للعمل معا، على قدم النّدية والمساواة، عكس ما ألفوه.

لقد سئمنا – والله- التدخل الفرنسي في أمور شعوبنا لتفتيت وحدتنا، ومساعدة العاقين لوحدتنا، ضدنا، وتشجيع كل ثقافة معادية لثقافتنا، وممالَئة كل سياسة، مناهضة لسياستنا.

فهل يمكن القول، بأنّ، بعض الفرنسيين قد أدركتهم، صحوة ضمير، وأنهم، أعلنوا التوبة من ماضيهم المخجل إزاء شعوبنا؟

لا نريد أن نلعن المستقبل، ولا نريد أن نوغل في التشاؤم، ونقول إن الحَكَم الفيصل في من سيفوز في الانتخابات القادمة، هو من سيتحلى بالشجاعة أكثر في الدوس على ماضيهم المخزي، ومحاولة فتح صفحة جديدة، تمكّن من بناء مستقبل أفضل سعيد، يجد فيه كل واحد من شعبنا، الحد المطلوب، من السيادة، والكرامة وتأمين حق المواطن، في العيش الكريم، داخل هويته، وسيادته، وثقافته، ووحدته الوطنية. ذلك ما نتوق إليه، وذلك ما نتمنى مخلصين، أن يساعدنا الفرنسيون على تحقيقه، وإنّ غداً لناظره قريب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • عبد الله الجزائري

    صحيح انت اليوم شابا يافعا ... لكنك ستصبح يوما ما رجلا لو اطال الله عمرك ... عندها فقط ستدرك انك لا تحمل أي ماض مثل بقية الناس ... وعندها يستطيع غيرك استعمالك فيما يريد ولو كان ذلك على حساب أهلك ودولتك ودينك وربك ... ستصبح مثل القشة في مهب الريح ... انسان بدون ذاكرة فردية أو جمعية ... أي ستصبح مع احترامي الشديد لشخصك مجرد حيوان يعيش حاضره فقط ... وعندها لا يمكنك التفكير في المستقبل وبالتالي سينطبق عليك قول القائل " انما هي ارحام تدفع وأرض تبلع" تحياتي الأخوية لك ايها الشاب.

  • بلقاسم

    ..على العرب الاعتذار وطلب التوبة والاعتراف.......بالذنب الذي اقترفوه.......في حقنا عبر التاريخ..بفرض التخلف والتأخر المستديم على الأمازيغ ,,,ولا يزالون.........

  • صالح بوققدير

    بقول المثل الشعبي:وصل الكذاب لباب الدار
    إن جعل المترشحين للرئآسيات الفرنسية على مسافة واحدة من موقفنا يعزز صف الممجدين للستعمار ويدفع الحركى وأبناءهم وعملاء فرنسا إلى المزيد من التجرإ والوقاحةلتزييف تاريخنا وطمس هويتنا وإذلال شعبنا.
    كان الاجدر بنا أن نقولها مدوية _لا. لمن يمجد الاستعمار_ وبذلك نبرهن أننا لانقبل الدنية في ديننا ولافي سيادتنا أما مسك العصى من الوسط فلا يزيدهم إلا طغيانا وعنجهية وكبرا.

  • Farid

    Dans quel pays tes enfants étudient? Assez de tartufferie s.v.p. On en a marre de cette vieille chanson. Je suis jeune, je pense à l'avenir et je ne veux pas qu'on m'emprisonne dans la passé.

  • كلام، فيه سرد للحقيقة و فيه أجمل تحية

    ترجمة هذا المقال للفرنسية و نشره، ليطلع عليه الجميع، و هو بمثابة المحور الرئيسي لما يجب أن يكون؟ بارك الله فيك يا أستاذ.

  • كلام، فيه سرد للحقيقة و فيه أجمل تحية

    نقول للكاتب و للجريدة أن تترجم هذا المقال للفرنسية و تنشره؟ شكرا للأستاذ على المقال.