-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل الفلسطينيون بشر؟

حسين لقرع
  • 333
  • 0
هل الفلسطينيون بشر؟

في شريط فيديو قصير بثّته عدّة فضائيات عربية، طرح مجموعة من الطلبة سؤال بسيطا على جيري روزنبرغ، نائب رئيس جامعة كولومبيا الأمريكية، مفاده: “هل الفلسطينيون بشر؟” وبدل أن تكون إجابة هذا “المثقف النخبوي” بسيطة وبديهية أيضا، فقد تلكّأ ورفض الإجابة، وحينما ألحّ الطلبة، عدّ ذلك نوعا من “الترهيب”، وانصرف بدون أن يجيبهم!

ربّما لاحظ هؤلاء الطلبة مدى عنصرية نائب رئيس جامعتهم وحقده الشديد على الفلسطينيين وتحيّزه السافر للاحتلال الصهيوني وتبرير جرائمه النازية بحق الأطفال والنساء والمدنيين، فأرادوا إحراجه بهذا السؤال لمعرفة ما إذا كان ينظر إلى الفلسطينيين على أنهم بشر مثلهم أم مجرّد “حيوانات بشرية” كما صرّح وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت في الأيام الأولى للحرب، ويجوز أن تتعرّض للإبادة والتجويع الممنهج، وكشف السؤال فعلا حقيقة نائب رئيس جامعة كولومبيا الأمريكية الذي يمثّل “النخبة” الأكاديمية والمثقفة في بلده، ومدى عنصريته وكراهيته للفلسطينيين، إلى درجة أنّه لا يعدّهم بشرا ينبغي أن يحظوا بحقوق البشر جميعا وفي مقدّمتها الأمن والسلامة والمساواة مع بقية الخلق، فضلا عن الحق في الغذاء والماء والدواء وغيرها من أبسط حقوق الإنسان التي طالما صدّع الغرب رؤوسنا بالإدّعاء بأنه السبّاق إلى إقرارها، برغم أنّ الإسلام هو السبّاق إليها قبل 14 قرنا ونصف قرن بالإقرار بالمساواة بين بني آدم جميعا، وآدم من تراب.

خلال خمسة أشهر من حرب غزة، سقطت آخر الأقنعة عن الغرب، ورآه العالم كلّه على حقيقته المتوحشة الهمجية؛ فهذا الغرب الذي يتشدّق بأنّ البشر ولدوا أحرارا متساوين في الحقوق والواجبات، ويفخر بوضع ميثاق حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وقيم الديمقراطية… فقد قيمه كلّها يوم 7 أكتوبر وهو يرى بأم عينيه النموذج العملي لكيفية تحرير فلسطين مستقبلا وانهيار جيش الاحتلال ومن ثمّ، الكيان الصهيوني الذي فبركه ونصّبه في فلسطين للإبقاء على الأمة العربية الإسلامية ضعيفة مفكّكة، فارتاع واضطرب وتناسى مبادئه جميعا ومنح الضوء الأخضر للاحتلال ليرتكب ما يشاء من جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وتطهير عرقي ضد الفلسطينيين من دون أن يحاسبه، المهم أن يقضي عليهم بأي وسيلة قبل أن يقضوا عليه ويفكّكوا كيانه!

منذ أيام، سألت مواطنة أمريكية نائبا عن سر عدم شعور إدارة بايدن والنواب الأمريكيين بالقلق من هول المذابح بغزة والتي أودت بحياة قرابة 32 ألف فلسطيني وجرح 73 ألف آخر؟ فأجابها بأن “لإسرائيل الحقّ في الدفاع عن نفسها؟!” وحينما سألته عن التجويع الممنهج لأزيد من مليوني فلسطيني ومنهم الكثير من الأطفال؟ أجابها بكل صفاقة وغطرسة واحتقار “لإسرائيل أن تفعل ما تشاء”!

هذه هي حقيقة الغرب إذن؛ فما يحاول إظهاره من مظاهر التحضّر والتمدّن والإنسانية والأخوة والمساواة، هو مجرد غطاء زائف يخفي به حقيقته البشعة؛ فهو متوحش وهمجي وعنصري حتى النخاع إزاء العرب والمسلمين وبقية الشعوب الضعيفة التي لا يصنفها في خانة البشر مثل شعوبه، بل هم أدنى منهم بكثير.

وانطلاقا من هذه النظرة الاستعلائية الفوقية المتغطرسة، سمح لنفسه باحتلال أراضيها واستعبادها وإبادة عشرات الملايين من أبنائها الذين “تجرّأوا” على مقاومة جيوشه التي جلبت لهم “الحضارة”.. من هذا المنظور أباد الأوروبيون نحو 80 مليون إنسان من الهنود الحمر بالأمريكيتين، وأباد الفرنسيون نحو 6 ملايين جزائري طيلة 132 سنة من الاستعمار، وقتل الأمريكيون أكثر من مليوني شخص بفيتنام، وقائمة أعمال الإبادة طويلة ويصعب حصرها… وخلالها كان الاستعماريون الغربيون ينظرون إلى هذه الشعوب نظرات استعلاء واحتقار ولم يكونوا يصنّفونهم في خانة البشر، وكتب “مفكّريهم” شاهدة على هذه العنصرية ونظرة التفوّق والشعور المفرط بالعظمة.

لذلك، لا عجب أن يقابل الغربيون، منذ أزيد من خمسة أشهر، ما يجري في غزة من مذابح وتدمير وتجويع وجرائم تطهير عرقي، بالصمت والتواطؤ المخزي، ببساطة لأنهم يعدّون الفلسطينيين أدنى مرتبة منهم ومن الصهاينة أو حتى لا يعدّونهم بشرا. لكننا هنا نقصد الأنظمة الحاكمة في الغرب وبعض النّخب المثقفة تحديدا ولا نعمّم؛ فقد رأينا أيضا عشرات الآلاف من الشرفاء يملأون شوارع لندن ومدن أوروبية وأمريكية عديدة مندّدين بفاشية الاحتلال ودعم قادتهم ومثقفيهم لما يجري، ورأينا الاحتجاجات تبلغ ذروتها حتى في أمريكا إلى درجة أنّ طيّارا أقدم على حرق نفسه احتجاجا على مشاركة حكومته في مذابح الاحتلال وهو يصرخ “فلسطين حرّة”، ولا نامت أعين العنصريين الحاقدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!