-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل تسمع وزارة التربية صرخة الأولياء؟

هل تسمع وزارة التربية صرخة الأولياء؟

في هذا الأسبوع، تزامنًا مع فترة الامتحانات، ترتفع شكاوى القهر النفسي والعائلي وسط الأولياء من عبء المدرسة على أبنائهم، حتى صارت كابوسًا يؤرِّق حياة الكثيرين، دفعت في حالات كثيرة فلذات أكبادنا إلى الانحراف والهروب والانتحار تحت ضغط ممارسات خاطئة من المحيط القريب، ولو بنيّة الحرص على مستقبلهم.

بعيدا عن الجهود المادية للدولة، والتي نتفق جميعا أنها بذلت أموالا طائلة لتحسين التعليم، كما وضعت الخطط تلو الخطط، وبرامج تتبعها أخرى بتعاقب المسؤولين على القطاع، إلا أنّ الإشكال الرئيس الذي ينبغي مواجهته بكل شجاعة وصراحة، دون انتقاص من وُسْع أحدٍ: هل حققت الجزائر المرتجى من منظومتها التربوية؟

نحن اليوم في واقع يؤكد أن البيوت والمستودعات والمدارس القرآنية ومقرّات الجمعيات تحوّلت إلى مدارس غير نظامية، أو بالأحرى إلى قطاع تعليمي خاص مواز لمسمَّى المدرسة العمومية، يستنزف جيوب أرباب العائلات المثقلين أصلاً بأعباء المعيشة الاجتماعية.

وفي ظلّ الإصلاح التربوي الذي نسمع عنه منذ عقود ولا نرى أثره إلا تقهقرا مخيفا في مستوى التحصيل العامّ، صارت الأمّ على وجه الخصوص، رغم حمْلها المنزلي الكبير، معلّمة لأبنائها في كل المواد والأطوار، ليس بصفة المرافِقة الأسريّة التوجيهية، بل لتؤدي دور المدرِّس شرحًا وإفهامًا، لأنّ ما يحصّله ابنها في القسم لا يؤهِّله للاختبارات، وأولياء الأمور يدركون مغزى مثل هذا الكلام.

لا تغرنّكم الأرقام السنويّة عن نِسب الانتقال من مستوى إلى آخر ولا النجاح في نهاية أطوار التعليم الابتدائي والإكمالي والثانوي، لأنّ إدارة التربية في بلادنا خاضعة منذ سنوات لاعتبارات غير معياريّة، بل العبرة بحقيقة المكتسبات التعلُميّة التي يجنيها أبناؤُنا خاصة في المراحل المبكرة، ذلك المفهوم والمؤشر الغائب عمليّا في النقاش التربوي الرسمي والاجتماعي.

الكلّ يفرح بالعلامات المرتفعة، مثلما يلجأ آخرون بسببها إلى عقاب أبنائهم جسديا ومعنويّا، وأحيانًا من أجل فارق نقطة واحدة عن المعدّل الكامل أو قياسا بأقرانه في القسم وأقاربه، بدون أن نواجه أنفسنا بالحقيقة المرّة عن مستوى هؤلاء.

قد يختلف معنا آخرون في هذا التقييم ويرى فيه شططًا، لأنّنا من جيل تعلّم في الكتاتيب وحين وُلوجه إلى المدرسة وجد نفسه يحسن القراءة والكتابة وأساسيات الحساب سريعًا، ولم تنقضِ مرحلة التعليم الابتدائي حتى صار قادرًا على القراءة بطلاقة والتعبير عن أفكاره بسهولة، بينما تلامذة اليوم يُتوّجون بأعلى العلامات والمعدلات، لكن معارفهم الرئيسة تبقى متواضعة، حتى لا نقول إنها ضحلة، مقارنة بما هو مطلوبٌ منهم ومبذول لهم.

الآباء والمعلمون خاصة في الطور الابتدائي يكابدون مساوئ الحشو التعليمي على تلامذتهم، والذي لا طائل منه معرفيّا، لأنه مجرد مادة عابرة سرعان ما تُمحى من الذاكرة، لولا أنْ فرضها “خبراء” الوزارة باسم تنمية الحسّ العلمي والنقدي والتجريبي، قبل أن يزيد تدريس ثلاث لغات، منها اثنتان أجنبيتان، في سنة واحدة، من متاعب هؤلاء، مُحدثًا إرباكًا لغويّا كبيرا لديهم في مرحلة مبكّرة.

هذا الوضع المختلّ يحيل إلى تساؤل موضوعي يفرض نفسه بقوّة: من المسؤول عن انحراف المدرسة الجزائرية؟ وإلى متى ندسّ رؤوسنا في الرمل هروبًا من المكاشفة التربوية؟ وهل قدرُنا أن تضيع الأجيال في صمت من الفاعلين والمعنيين؟

ندرك أن الأزمة في أحد أبعادها كونيّة ضمن تداعيات الانفجار التكنولوجي العالمي وهيمنة استعمال الأدوات الرقمية وسيطرتها على عقول الناشئة وتفكيرهم وسلوكهم، حيث تعاني دولٌ متقدمة وعريقة التجربة التعليمية من تراجع مستوى أبنائها، إلى درجة أنّ علماء اليابان دقوا ناقوس الخطر منذ سنوات، محذرين من تقهقر الرياضيات في التعليم العامّ، لكن ذلك لا يبرّر وحده ما تعيشه الجزائر من “احتقان تربوي” يشكّل عبئًا على المدرسة والمكوِّن والإداري والأسرة على السواء، ما يعني أن الخلل في مستوى آخر ولن يكون سوى المناهج والمقررات العرجاء التي فرضتها إصلاحاتٌ أحادية خارج إرادة المجتمع.

من المؤكد أن هذه الصرخة ليست الأولى وقد لا تكون الأخيرة بشأن وضع المدرسة الجزائرية، غير أن ما نرجوه عاجلا أن تجد صداها لدى السلطات العمومية بفتح حوار واسع في كل الدوائر التربوية والمؤسساتية والأكاديمية لتقييم شفّاف لأداء التعليم ببلادنا، خاصة في طوره الأول، لأجل تقديم التصوُّرات الناضجة للخروج من المأزق العميق، لأن الأزمة لا تحتمل مزيدا من الوقت الضائع على حساب الأجيال ومستهدفات الدولة الجزائرية ذاتها.

لعلّ شروع رئيس الجمهورية في تنفيذ التزام تخفيف المحفظة المدرسية يكون دافعًا محفزا على النظر في الأسباب الجوهرية لثقلها، والتي تتجاوز حتما ثقل الكتب وكثرة الكراريس إلى عبء المقررات الزائدة عن اللزوم التعليمي، لنعيد في إطار تشاوري صريح ترتيب أولويات التدريس الابتدائي، بما يحقق أهداف هذه المرحلة من مكتسبات القراءة والكتابة والحساب.

قد نكون مخطئين في تقدير الأمور بحكم عدم التخصُّص التربوي، ولكنها قبل كل شيء رسالة من أولياء تلاميذ ومكوّنين في الميدان، ستظل بحاجة إلى آذان صاغية تجنح إلى قبول الرأي الآخر من عمق المجتمع، باعتباره منطلق العملية التربوية وهدفها النهائي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!