الرأي

هل تكون المظاهرات بديلا عن الصندوق؟

حسان زهار
  • 1060
  • 8
ح.م

من يراهن على الشارع فقط، من المؤكد أنه لن ينتبه للصندوق، ولا يقيم له وزنا أصلا في حساباته.

لدينا مثالان أكثر من رائعين، حول ديمقراطية الشارع التي لا علاقة لها بديمقراطية الصندوق، التي توافق عليها العالم المتحضر، على أنها الوسيلة الوحيدة والمعترف بها للتغيير والحكم العادل (بعد سقوط نظام البيعة).

في العام 1991، أخرج الراحل حسين أحمد أنصاره إلى شوارع العاصمة، كان هنالك قرابة نصف مليون متظاهر، من أجل إنقاذ الديمقراطية من خطر الدولة الدينية كما قالوا بعد فوز الفيس المحل بالتشريعيات، وكانت تلك الحشود الضخمة التي قدمت نفسها على أنها “البديل الديمقراطي” في وسط العاصمة، تحمل الكثير من الشعارات التي تشابه شعارات البريد المركزي اليوم.. “جزاير حرة ديمقراطية، لا للدولة الدينية والبوليسية، ونعم للمجلس التأسيسي”.

اتخذ جنرالات تلك المرحلة تلك المظاهرة الكبيرة، وشعاراتها الديمقراطية، “قميص عثمان” ديمقراطي، للانقلاب على نتائج الانتخابات.. فكان ذلك أول انقلاب ينتصر لديمقراطية الشارع، على حساب ديمقراطية الصندوق.

 في مصر حدث شيء مشابه، فبعد أن فاز مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي بمنصب رئاسة الجمهورية قبل 8 سنوات، خرجت القوى المعادية، من علمانيين ومسيحيين وغيرهم، في مظاهرات ما يسمى 30 يونيو، ليشرع معها جهابذة التنظير للانقلابات، في إحصاء المتظاهرين من السماء، عبر الطائرات العمودية، وعندما وصولوا إلى نقطة الترويج إلى أكذوبة أن 20 مليون مصري خرجوا ضد حكم الإخوان، أعلنوا الانقلاب على أول رئيس شرعي في مصر منذ 5 آلاف سنة، جاء بإرادة الصندوق.

وقتها قالوا إن الشارع الذي أسقط مبارك، من حقه أن يسقط مرسي، لكنهم لم يكملوا بقية الصورة المبتورة، ويعترفوا بأن الفرق بين مبارك ومرسي، هي شرعية الصندوق الذي يجسد إرادة الشعب.

في كلتا الحالتين، لم يكن هناك منطق غير منطق “عد الرؤوس” في الشوارع، واعتبار ذلك أنه نظرية عربية جديدة في الحكم، ولا يهم بعد ذلك إن كانت عمليات العد هذه، مرتبطة بالفوتوشوب، أو بالفيديوهات المفبركة، أو بالحساب الهندسي، الذي يضرب كل شيء في بعضه، فتخرج لنا نتاج مليونية غير متوقعة.

الخدع البصرية، هي أول سلاح لهذه الديمقراطية المزيفة، فالآلاف يصبحون مئات الآلاف ولا من يعترض، وعشرات الآلاف يصبحون ملايين ولا من يدقق.. بالنهاية هذه ديمقراطية لا تحتاج إلى لجان مراقبة، ولا إلى سلطة عليا للانتخابات، ولا إلى لجان مختصة في الإحصاء.. يكفي أن تكلف وسيلة إعلامية أو اثنتان بنشر الأرقام الافتراضية حتى تصبح واقعا، وبعدها تأتي حسابات مواقع التواصل لتكمل المهمة.

اليوم، هناك ملامح لهذا التوجه المريب، ولأول مرة منذ انطلاق الحراك الوطني، سمعنا أصواتا في الجمعة 31، تتحدث عن عودة الزخم الشعبي إلى الشارع، بعد سبات الصيف، ليكون بنفس معاد للانتخابات، وأن هناك في العاصمة نحو مليون متظاهر يصرخون “لا انتخابات مع العصابات”.

طبعا، الذين يحملون في أيديهم الآلة الحاسبة للرؤوس المتحركة في الشوارع، لم يحسبوا لنا الملايين التي عادت إلى البيوت منذ الجمعة 12.. لم يكلفوا أنفسهم عناء سبر آراء الملايين الساكنة المكونة لهذا الشعب، من غير هذا “المليون” المتحرك.

الهدف واضح، فرض قواعد لعبة جديدة تماما، واعتماد نوع خاص من الديمقراطية ما أنزل الله بها ولا المجتمعات المتحضرة من سلطان.

فهل ستفرض الأقلية الفاعلة، حتى وإن كانت لا تمتلك الحق، منطقها في النهاية وتنتصر، ويتم تعطيل الانتخابات مرة أخرى، عبر فرض الصوت العالي، على حساب الصوت الانتخابي، لتدخل البلاد في دوامة المجهول والخطر؟

أم ستستيقظ الأغلبية التي ظلت دائما مفعولا بها، حين تحول حراكها من الشارع إلى حراك الصناديق.. فتفرض إرادتها وتحمي صوتها، وتبني دولة الحق والقانون؟.

الجواب والمعنى في بطن الشاعر كما يقال.

مقالات ذات صلة