الرأي

هل سيتكرر خطأ المقاطعة مرة أخرى؟

محمد سليم قلالة
  • 1283
  • 6
أرشيف

سواء أكانت المقاطعة واسعة أو محدودة، تَحدَّثَ الناس عن التزوير أو لم يتحدثوا، نَدَّدت بذلك الأحزاب أو لم تُندِّد، كانت الانتخابات تجرى في الجزائر دوريا، ويتم ترسيمها، ويقضي المنتخبون عهداتهم ويسنون القوانين، ويُطبَّقُ ما صادقوا عليه على أرض الواقع… هذه هي الحقيقة التي عشناها منذ عقود.. ونحن نريدها أن تتغير اليوم.

كيف ينبغي أن تتغير؟

هل بالمقاطعة مرة أخرى، ونحن نعلم أنها أفضل ما يساعِد بقاء الوضع على حاله، وأفضل ما يُسهِّل مهمة المعتادين على التقدم لتمثيل الشعب على غير وجه حق؟ أم بالمشاركة ومحاولة تغيير الأوضاع القائمة تدريجيا؟

يبدو لي أن مشاركة فعلية وواسعة، أي جماهيرية وليست انتقائية ولا حزبية، يمكنها أن تَفتح لنا باب الأمل أفضل من غيرها، بل يُمكنها أن تستثمر وتُشجِّع وتحتوي ما بدأ يبرز اليوم من إرادة سياسية في التغيير.

أما المقاطعة وحتى المشاركة الضيقة أو المحصورة في بضعة أحزاب أو فئات، كما اعتدنا نراها، وأتمنى ألا نراها مرة أخرى، فلن تعطي النتيجة المثلى على مستوى الشرعية حتى وإن كانت الانتخابات نزيهة أو أفرزت بعض المنتخَبين النزهاء.. كما أن الإرادة السياسية وحدها لن تتمكن من اكتساب الفعالية اللازمة لإحداث التغيير المطلوب مهما كانت صادقة دون مشاركة جماهيرية واسعة، باعتبار أن الساحة لن تُفرز أبدا في حالة المقاطعة، أفضل المعبِّرين عن الإٍرادة الشعبية، وهو ما تسعى بعض القوى للوصول إليه، بل وعلى إبقائنا فيه، لأنه يخدمها وحدها، وقد فصَّلنا التعبير عنها في مقالات سابقة لمن أراد الاطلاع.

ما السبيل للخروج من هذه المعضلة؟

يبدو لي أن الخيار الأكثر عقلانية اليوم، هو الاستثمار في الزخم الجماهيري القوي والصادق الرافض للرداءة والفساد والمتطلع إلى التغيير بالطرق السلمية وتشجيعه على تقديم خيرة ممثليه لاحتلال المناصب المُنتَخَبة القادمة التي سيكون لها تأثيرٌ كبير على صناعة وتنفيذ القرار في السنوات القادمة على المستويين المحلي والمركزي. والأهمّ من ذلك الوقوف في وجه المعتادين على اصطياد المناصب، وتفويت الفرصة على بعض القوى الخفية التي ما فتئت تعرف كيف تُبعِد أبناء الشعب عن مصادر القرار، موهمة إياهم بأنها من رموز المعارضة الكبار.

لقد عشنا تجارب سابقة وينبغي ألا نكررها اليوم، علينا الخروج من منطق كل شيء أو لا شيء، الذي فوّت على بلادنا أكثر من فرصة لإيصال خيرة أبنائنا إلى مواقع المسؤولية التي تُمكِّنهم من بناء البلد بصدق وفعالية.

لقد أدت بعض الممارسات التَّمامية (تغيير كل شيء أو لا شيء) إلى إضعاف الزخم الجماهيري المُتَطلِّع إلى إعادة بناء بلده، بل إلى تقسيم هذا الزخم الجماهيري الواسع، وإلى التشكيك في قدراته وفي نزاهة بعض رموزه، ومن ثَم إلى تبديد طاقته ومنعها من أن تتحول إلى فعل إيجابي يبني ولا يندثر مع مرور الوقت.

لقد كانت فكرتي منذ البداية أن الجماهير تستطيع أن تفعل المستحيل وهي في قوة عنفوانها من خلال الانتخابات أفضل وسيلة سليمة للتغيير، حتى دون حاجة إلى ضمانات أو تغيير للقوانين القائمة، أو لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، إلا أن هذه الفكرة لم يُكتب لها النجاح، وأملي ألا يتكرر ذات الخطأ مرة أخرى.

مقالات ذات صلة