الرأي

هل لدينا خلفية تاريخية للتشاؤم؟

محمد سليم قلالة
  • 1040
  • 12
ح.م

لماذا نرى كافة المؤشرات بالأحمر: الاقتصادية، الاجتماعية، الثقافية، الأخلاقية، وحتى الروحية؟ هل نحن مُنهارون بالفعل إلى هذه الدَّرجة؟ أم هي الحالة الذهنية التي نحن عليها تدفعنا إلى الغرق في هذا التشاؤم المفرط؟ هل سبب ذلك هو الماضي الذي عرفناه والتجارب التاريخية التي عشناها منذ عصور الانحطاط إلى العهد الاستعماري إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، حتى أصبحنا لا نرى فيما نُحقِّقه سوى تراجع للوراء؟ أم هو تَخلِّينا عن الاقتداء بعصورنا الذهبية، الأول فالأول؟ أم هو الحاضر الذي نعيشه اليوم من دون قدرة على تصوُّر آفاقه المشرِقة؟ أم هو عَجزُنا المُزمِن أمام المستقبل وعدم قدرتنا على استباق مشكلاته باستمرار…؟ ما الذي يجعلنا نميل إلى تصديق عبارة “أن لا شيء تحقَّقَ لدينا في الخمسين سنة الماضية”؟ على حساب عبارة “أنَّ ما تَحقَّق هو دون طموحنا”، أو “أنَّه لم يكن بتوزيع عادل”؟ أو “هو دون إمكاناتنا وقُدراتنا”؟ بل ما الذي يجعلنا نميل إلى تصديق كون “القادم أسوأ” باستمرار، وبعضنا يستسلم لذلك وأحيانا يفرح لذلك، برغم أن فيه حُكْمًا واضحًا على أنفسنا بأننا فاقدو إرادة، وفاقدو حرية، وفاقدو قدرة على التغيير، ما دام مستقبلنا مُحدَّدا سلفا مِن قِبَلِ غيرنا، وهو فوق ذلك أسوأ؟ هل الخلل فينا عندما نُقِّر أن “القادم أسوأ” أم في الآخرين؟ هل نحن العاجزون عن جعله أفضل، أم الآخرون الذين سيجعلونه سيئا بالنسبة لنا هم الأقدر؟ ومَن هؤلاء؟ ولِمَ يستطيعوا ذلك ولا نستطيع؟

عشرات الأسئلة تُبيِّن أننا غالبا ما نتصرَّف تجاه المستقبل بإرث ثقيل من الماضي المُظلِم الذي لا يُعَدُّ بالسنوات ولا بالعقود إنما بالقرون، بدل الانطلاق مما في هذا الماضي من مراحل إشعاع رغم كثرتها من بدايتها ما قبل الميلاد وبعد الإسلام إلى آخر أيام سيادتنا على المتوسط يوم كانت “بريطانيا” و”هامبورغ” و”هولندا” و”السويد” و”الدانمارك” و”النمسا” و”إسبانيا” و”المجر” و”بوهيميا” و”البرتغال” و”صقلية” و”فرنسا” وآخرها “أمريكا” تتودَّد لنا وتدفع لنا الأموال الطائلة مُقابل حماية سفنها وفدية أسراها… أي بدل أن نتحرَّك ضمن روح أجدادنا ممن صَنعوا الأمجاد والحضارة، وآبائنا النوفمبريين الذين آمنوا بعمق، أن المستقبل سيكون أفضل، وكان لهم ذلك، سَكَنَتْنا روحٌ تشاؤمية لا ترى من التاريخ سوى الانتكاسات، ومن رجاله ونسائه سوى الجانب المظلم، ومن فُرَصِه سوى خيبات الأمل، حتى بتنا لا نستطيع الحركة، ونُحوِّل باستمرار كل أمل في التقدُّم، مهما كان ضئيلا، إلى عنوان فشل وتشاؤم ويأس ليس بعده سوى الانهيار والانتحار.

ألم يصل البعض إلى القول إن الثورة التحريرية لم تُحقِّق أي شيء، وأن تضحيات الشهداء ذهبت هباءً منثورا، ليقعوا بعدها في تمجيد الاستعمار والندم عليه، حتى قالوا متحسّرين: آه لو بقيت فرنسا لكان أفضل؟ ما الذي جَعَلَ الكثير يرون أن كافة نضالات الجزائريين الأخيرة كانت بلا جدوى؟ هل هذه حقيقة مُطلَقة؟ هل لم يتحقق أي شيء؟ أم هو مرض تشاؤمٍ تاريخي ينبغي لنا الانتصار عليه إذا أردنا الانتقال من تلك الحالة اللاشعورية والشعورية “بأن القادم أسوأ” إلى  الحالة الأمثل التي ترى أن القادم سيكون أفضل؟

أليست هذه معضلة نفسية عقلية وتاريخية؟

أَمَا حان الأوان للانتباه إليها، وقد بِتنا قاب قوسين أو أدنى من أن نجعلها مُسلَّمَة لدى أبنائنا وأحفادنا بكل ما في ذلك من مخاطر؟

مقالات ذات صلة