الرأي

هل ينبغي إخفاءُ بعض حقائق التاريخ؟

حسين لقرع
  • 2209
  • 0

ارتفعت في الآونة الأخيرة أصواتٌ عديدة تدعو إلى التوقف عن “نشر غسيل” بعض كبار المجاهدين، والكفّ عن السجالات والتراشق اللفظي وكيل الاتهامات لهم، حرصاً على صورة الثورة في نظر الأجيال الجديدة وشعوب العالم معاً.

والواقع أن هذه الدعوات تنطوي على خلطٍ قد يكون متعمّداً بين الثورة وصانعيها لمنع الاقتراب من بعض الحقائق مع أن كشفها لن يشوّه عظمة الثورة الجزائرية في شيء، فهي أعظم ثورة في القرن العشرين، وستبقى كذلك، وعلى الأجيال الفخرُ بذلك، ولكن من حقها أيضاً معرفة حقائقها كاملة غير مبتورة أو منتقاة.

لا يُعقل أن تصدر دعواتٌ ملحّة ومنذ سنوات طويلة لكتابة تاريخ الثورة التحريرية، ثم نجد من يثير ضجة كبرى حينما يقوم واحدٌ من كبار المجاهدين بكتابة مذكراته، أو إصدار تصريح ينتقد فيه سلوكات بعض المشاركين في الثورة أو الذين التحقوا بها متأخرين كـ”ضباط فرنسا” مثلاً، أو ينتقد السلوكات الاستعلائية والنزعة الفردية في تسيير شؤونها لدى بعض قادة الثورة، فكيف يمكن إذن كتابة تاريخ الثورة إذا كانت هناك أطرافٌ تقيم الدنيا ولا تُقعدها إذا كُشف جزءٌ بسيط من الحقائق المتعلقة بسلوكيات بعض كبار قادتها أو المنتمين إليها؟

يبدو أن الثورة التحريرية عندنا لاتزال سياسة، ولم تتحوّل بعد إلى تاريخ، برغم مرور 61 سنة كاملة على اندلاعها و53 سنة على الاستقلال، وربما يتحتّم على الأجيال الجديدة أن تنتظر عقودا أخرى حتى تخرج الثورة من حلقة السياسة الضيّقة إلى دائرة التاريخ الواسعة ليمكنه حينئذ الاطّلاع عليها كاملة، ولكن الإشكالية: كيف يمكنها أن تطلع عليها كما وقعت فعلاً، والحالُ أن البعض لايزال يصرّ على إبقاء طابع القداسة، مَضفيّا على صانعيها كما كان الأمر منذ الاستقلال؟

المجاهدون بشرٌ، ووقوعهم في أخطاء خلال الثورة أمرٌ طبيعي تماماً، فلماذا يقيم البعض الدنيا ولا يقعدوها إذا ذكر أحد كبار المجاهدين أن قائدا كبيرا كان ذا نظرة متعالية على رفاقه في الثورة، ويحتقرهم، ويريد تسيير الثورة وحده؟

ما هو غير مقبول هو اتهام أحدٍ بالخيانة أو “الاتصال بالعدوّ” إذا لم يكن ذلك صحيحاً، أما أن تُذكر هذه الصفات البشرية، وتُقدّم للأجيال كحقيقةٍ تاريخية، فما الضيرُ في ذلك؟

الكثير من المجاهدين الآن بلغوا من العُمر عتيا ومن حق الأجيال عليهم أن يكشفوا لها ما يعرفونه من حقائق عن الثورة، وتقديم شهاداتهم للتاريخ وللجزائر وأبنائها وعدم كتمانها، ودون تعتيم أو خوف، وهل يُعقل أن من لم يكن يخاف رصاص فرنسا ومدافعها وطائراتها.. يخاف الآن من ردود أفعال الناس على شهادته؟

نريد أن نعرف تاريخ ثورتنا كما حدثت، ودون تزويق أو “قصّ” أو انتقاء.. نريد الحقائق كاملة، والمزيدَ من الشهادات من المجاهدين الذين لايزالون أحياء، والمزيدَ من المذكّرات منهم.. ما معنى أن تحجم مجاهدة كبيرة بثقل جميلة بوحيرد عن كتابة مذكراتها أو كشف أيّ حقيقة تاريخية؟ السؤال نفسه موجّه إلى آلاف المجاهدين الأحياء.

مقالات ذات صلة