الرأي

هل يوجد طب حتى يكون مجانيا؟

محمد سليم قلالة
  • 1659
  • 9

الحالة التي وصلها قطاع الصحة اليوم لا تحتاج إلى قرارات استعجالية أو إلى برنامج خاص أو إلى اجراءات جديدة كما يُقال عادة، إنما إلى مراجعة الخيار الاستراتيجي ذاته في هذا القطاع. والأمر لا يتعلق أبدا بما تعرف الحالة الصحية في البلاد في المدة الأخيرة من صعوبات جمة في مواجهة حالات الكوليرا المسجلة في أكثر من ولاية، ولا بأي مشكلات معروفة في التسيير أو في توفير الوسائل اللازمة لعلاج… إنما بمرض هيكلي أصابها منذ عقود من الزمن يتعلق بالمفهوم المركزي الذي حملته السياسة العامة لهذا القطاع، المعروفة بمجانية العلاج.
لقد بدا هذا المفهوم الذي حملته كشعار في السنوات الأولى للاستقلال صالحا وصحيحا، ثم ما لبث أن تَحوَّل إلى عنوان فارغ المحتوى، عندما بدأت نوعية العلاج ذاتها تتقهقر إلى درجة أن أصبح حديثنا بلا معنى عن “الطب المجاني”، وقد أصبحنا بلا طب أساسا فكيف نتحدث عن كونه مجانيا…
جميع مستشفياتنا اليوم، لم يعد بإمكانها تقديم العلاج للمرضى في ظروف عادية، سواء أكانت مجانية أو غير مجانية. الكل يشتكي: المرضى والهيئة الطبية والإدارة. جميعهم يدفعون اليوم ثمن سياسة صحية عامة غير سليمة مازالت تقتات على شعار تم ضرب أحد أجزائه بالآخر، حيث قتلت المجانية الطب، واللاّطب المجانية، أي بدل أن يكون لدينا طب ومجاني أصبح لدينا لاطب مجاني، فخسرنا كلاهما، ذلك أن لا فائدة من مجانية خدمة غير موجودة.
وعليه فإنه علينا مراجعة هذا الاختيار بخيار استراتيجي آخر يأخذ بعين الاعتبار التطورات الحاصلة في الميدان الصحي في العالم وتجارب مختلف الأمم في هذا المجال، خاصة تجارب الدول التي باتت تعرف نظاما صحيا متقدما في المدة الأخيرة رغم أنها لم تكن مُصنَّفة ضمن الدول المتقدمة (تركيا، الأردن، تونس…).
الدول الرأسمالية المتقدمة برغم أنها لا ترفع شعار مجانية العلاج، إلا أننا لم نسمع، أَنَّ أحدا من مواطنيها فقيرا كان أم غنيا لم يتمكن من العلاج، بل أكثر من ذلك لم نسمع أن أي “أجنبي” غير مقيم أو حتى بلا وثائق لم يتمكن من العلاج مجانا ولو عن طريق “أطباء العالم”، والدول التي ما زالت شيوعية مثل الصين، لسنا في حاجة للتذكير بمدى تطور العلاج بها، والدول القريبة مِنَّا التي لم تلغ نهائيا القطاع العام، تمكَّنت من تطوير منظومتها الصحية الخاصة إلى درجة أن أصبح القطاعان مكملبن لبعضهما البعض… أما نحن فما زلنا لم نتمكن من أن يكون لدينا طب فما بالك أن يكون مجانيا… لنخرج من مرحلة الشعار إلى مرحلة الفعل والعمل لعلنا نعيد بعض الأمل للناس.

مقالات ذات صلة