الرأي

..و”الإمام” ديفال!!

لم يمض إلا قريب من أسبوعين على كلمة كنت قد نشرتها في هذا الركن من هذه الجريدة تحت عنوان: “المجاهد” پبيير شولي، نبّهت فيها إلى خطر الخلط الذي يقع فيه بعضنا عن غفلة أو عن قصد باستعمال كلمات ومصطلحات في غير موضعها، خاصة إن كانت هذه الكلمات أو المصطلحات ذات بعد ديني، ودلالة شرعية، وضربت مثلا كذلك بالدكتور پيير شولي الذي وصف بـ”المجاهد” وآني ستاينير التي وصفت بـ”المجاهدة” بالرغم من أن من وصفتها بالجهاد هي نفسها التي وصفتها بـ”الكاثوليكية وجعلتها عقيدتها”.

لقد أخبرت أن نقاشا وقع في قسم التاريخ بجامعة الجزائر بين من وافقني الرأي في احترام هذه المصطلحات والكلمات وعدم إطلاقها إلا على مستحقيها، وعدم استعمالها إلا في مواقعها، وبين الذين لا يرون في ذلك بأسا ولا خطأ، وهم ممن نعرفهم بسيماهم في وجوههم، وفي لحن القول، ولا حرج عندهم في الترضي حتى عن الشيطان الرجيم، فهم يعيشون في “دولتهم” الخاصة، التي تخيلها الفيلسوف المصري عثمان أمين، رحمه الله، ووصفها قائلا:

.

إذا كنت في دولة النفاق فاعدل بساق ومل بساق

.

ولا تحقّق ولا تدقّق وانسب شآما إلى عراق

.

ولا تخاصم ولا تصادق وقابل الكل بالعناق

.

فأيّ شيء كأيّ شيء بلا اختلاف ولا اتفاق”1″

.

وقد استنتجت أن مسؤولا استاء من تنبيهي وملاحظتي على ما ورد في كتاب أشرت إليه في المقال الآنف الذكر، فكلمني مرتين في يومين وعندما أرد عليه في الهاتف يتركه مفتوحا ولكنه لا يجيب كرصيف مالك حداد – رحمه الله، وقد طلبتُه مرتين ولكنه لا يرد!!

لقط ظن هذا المسؤول أنني شهّرت بالكتاب وبالمؤسسة التي تولّت نشرته، وهو من إطاراتها، ويعلم الله أنني لم استهدفه شخصيا، وما قصدتُ بما عملت التشهير، ولكن هدفي كان هو تعميم التنبيه ليحذر الناس، وتنتبه تلك المؤسسة وغيرها إلى تلك المصطلحات فيما تنشره من أعمال في قابل الأيام.

وقد ظننت أنني ناديت أحياء، وأنني أسمعت أيقاظا؛ ولكن تبين لي أنني نفخت في رماد وصحتُ في واد، إذ بعد أقل من أسبوعين توفّى الله – “الذي يتوفّى الأنفس” – الطبيب پيير شولي، فإذا نشرات الأخبار التي سمعتها تكرر وصفه بـ”المجاهد”، كأن معدّي تلك النشرات الإخبارية وقارئيها يتحدون الله – عز وجل، وإذا بجرائد كثيرة – كبيرة وصغيرة – تكتب في صفحاتها الأولى والداخلية والأخيرة نبأ وفاة شولي ودفنه واصفة إياه بالمجاهد پيار شولي، مع خطإ بعضها في ذكر مكان وفاته، حيث ذكرت أنه توفي “بالجزائر العاصمة”، وما كانت وفاته إلا في فرنسا.. ثم نقلته طائرة جزائرية خاصة إلى الجزائر…

تصوروا يا من تستهينون بهذه المصطلحات، خاصة الدينية، ولا تراعون مواضع الكلمات؛ تصوروا طفلا جالسا مع أبويه أمام التلفزة فيسمع في هذا الأسبوع إسمين يترددان في نشرات الأخبار أحدهما مسلم “الشاذلي ابن جديد”، وثانيهما نصراني “پيير شولي”، ولكن الإسمين مسبوقان بصفة واحدة هي “المجاهد”.. وتصوروا هذا الطفل يقرأ ما سمعه مسطورا في الجرائد؛ تصوروا الاضطراب الفكري والنفسي والديني الذي سيقع فيه.. خاصة إن أطلق اسمه على مدرسة أو متوسطة أو ثانوية مسبوقا بصفة “المجاهد”.

سيقول… الذين لا يرون حرجا في إطلاق صفة مجاهد على پيير شولي وآني ستاينير وأمثالهما: إنكم تضخمون الأمور، وتحملونها أكثر مما تحتمل، وإن القضية لاتستدعي هذا “التهويل”.

ولهؤلاء القائلين نقول: إنكم تستهينون بما حقه التعظيم، وتستصغرون ما حقه الإكبار.. ومادام الأمر عندكم بهذا الهوان فغير بعيد أن تطلقوا كلمة “الإمام” على الكاردينال الأسبق في الجزائر “ديفال”، وغير بعيد أن تطلقوا على الجامع الأعظم إسم “كاتدرائية”، وأن تسموه باسم “الإمام لافيجري”، خاصة أنه يقع في الحي الذي كان يسمى لافيجري، وفي جدار قبتله مؤسسة الآباء البيض “الخيرية” التي أسسها “الإمام” لافيجري لتنصير الجزائريين، وإبدالهم الفادي بالهادي.. وغير بعيد أيضا أن تطلقوا صفة كاردينال، أو قسيس على أي إمام من أئمتنا، مادام الأمر عندكم هو كما قال عثمان أمين:

فأي شيء كأي شيء بلا اختلاف ولا اتفاق.

.

هوامش:

للأديب الكبير الأصيل مالك حداد كتاب عنوانه “رصيف الأزهار لم يعد يجيب”.

“1” مولود قاسم، نايت بلقاسم: إنية وصالة. ص 468.

مقالات ذات صلة