-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

… والقوامة تُحتضر!

سلطان بركاني
  • 837
  • 0
… والقوامة تُحتضر!

خلق الله -جلّ وعلا- بني آدم ذكرا وأنثى، وميّز بين الذّكر والأنثى: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾، وخصّ كلا منهما بما يكمّل الآخر وما يُحوجه إليه، ويؤهّله لأداء مهمّته في هذه الحياة. جعل الرّجل يميل إلى الخشونة في طبعه والمرأة تميل إلى الليونة والحنان، وقضى -سبحانه- أن تكون للرّجل درجة على المرأة وتكون له القوامة عليها، قال سبحانه: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وقال جلّت حكمته: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾.. وهذه القوامة التي خُصّ بها الرّجل ليست تفضيلا له ولا تشريفا، إنّما هي تكليف يتعيّن على الزّوج بموجبه أن يصون زوجته ويحوطها ويكفيها همّ دنياها ويحفظ دينها.

قوامة الرّجل على المرأة تقتضي أن يكون الرّجل هو الحجاب الأوّل والأهمّ للمرأة، يفديها بنفسه وكلّ ما يملك، ويكفيها كلّ همّ وكلّ شغل آخر يشغلها عن رسالتها النبيلة والعظيمة في الحياة، رسالة تربية ذرية صالحة تعبد الله وتصلح في الأرض، ويأخذ بيدها -أو عليها- بما تقتضيه الحال متى ما خالفت أمر ربّها وحادت عن رسالتها.. ولعلّنا لا نكون مبالغين إن قلنا إنّ من أفضل الأعمال الصّالحة التي يتقرّب بها الرّجل المسلم إلى ربّه أن يحرص على سلامة دين زوجته كما يحرص على سلامة دينه هو، ويكفي زوجته همّ دنياها، حتّى تطمئنّ وتهنأ نفسها ولا تخاف فقرا ولا حاجة، ولا تخشى من زوجها أن يتخلّى عنها أو يمنعها حقّا كتبه الله لها.

قد تضطرّ المرأة للعمل في بعض الأحوال، وقد تكون بها حاجة لقضاء حوائجها أحيانا، لكن أن تضطلع بمهام زوجها، وتكون هي من تنزل إلى الأسواق وتحمل الأثقال وتتعب وتقوم على شؤون البيت، في وقت يركن فيه الزّوج إلى الرّاحة؛ فما حاجة المرأة إلى رجل مثل هذا لا يعرف إلا الأكل والهاتف والتلفاز والنّوم؟ والطّامّة الكبرى أنّك ربّما تجد الرّجل بطالا والمرأة عاملة، وتجدها هي من تنفق على البيت، والرّجل يأخذ منها مصروفه، ويأكل ويلبس من مالها، لا شغل له إلا الهاتف، ثمّ فوق ذلك يقضي جلّ وقته في اللغو على مواقع التواصل وفي محادثة النّساء، ويخون الله قبل أن يخون زوجته، وقد تصل به النّذالة إلى أن يهدّد زوجته بأنّه سيتزوّج عليها!

وبإزاء هذا الوضع المزري، هناك من الرّجال من يتزوّج امرأة عاملة تشعر باستغنائها عن زوجها، فتتجاهله وتتجاهل حاجاته، وتقف له الندّ للندّ؛ ترفع صوتها في وجهه وربّما تسبّه وتعيّره وتتحدّاه، فيصبح ذليلا أمامها لا يكاد ينبس ببنت شفة.. لا يأمرها بمعروف ولا ينهاها عن منكر، وربّما يجدها تبسط الكلام مع الرّجال في مواقع التواصل، فيغضّ بصره عمّا تفعل ويدَلّي أذنيه، ولا يحرّك ساكنا.. ومن الوقائع التي تروى في هذا الصّدد أنّ أحد الأزواج وجد زوجته ترقص في مكان عملها أمام الرّجال والنّساء، فاتّصل بالمفتي يسأله إن كان يجب عليه أن يطلّقها، فردّ عليه المفتي قائلا: إن لم تطلّقها فارقص معها في مكان عملها!

الأنكى من هذا، أنّ هناك من أشباه الرّجال من لا كلمة له مسموعة في تربية أبنائه وبناته؛ الزّوجة هي من تتولّى التربية، وهي من تختار لباس بناتها وأبنائها، وإذا كانت امرأة لا همّ لها بدين ولا حلال ولا حرام، فإنّها تربّي بناتها على الموضة والبريستيج، وربّما تقتني لبناتها هواتف ذكية يدخلن بها عالم الماسينجر والتيكتوك والميوعة والانفتاح، والزّوج لا خبر ولا أثر!

واقع صعب يستدعي الحرص والمتابعة

واقعنا صعب، والمرأة مهما كانت أبيّة في أخلاقها، صارمة في تعاملها مع الرجال، فإنّها متى ما أكثرت من الخلطة والنزول إلى الأسواق والأماكن العامّة، ستعاني مع صنف من الرّجال يؤزّهم إبليس للبحث عن المبررات لكسر الواجز.. مرضى النفوس لا يفرّقون كثيرا بين متزوّجة وعزباء، ونفوسهم العليلة ومعها أعينهم الخائنة تتطلّع إلى المتزوّجة كما تتطلّع إلى العزباء، خاصّة في الأماكن التي تتكرّر فيها اللقاءات وترتفع فيها الكلفة وتذوب الحواجز شيئا فشيئا.. يحدث أن تدخل محلا من المحلات، فتجد امرأة متزوّجة تكلّم البائع وتأخذ معه في الكلام كما لو كانت تكلّم أخاها أو أحد محارمها، وهكذا شأنها مع سائق السيارة.. وأكثر نكارة منه الانفتاح الذي نراه ونسمع عنه في عيادات الأطبّاء، حيث تدخل المرأة على الطّبيب في غياب زوجها، وتأخذ معه في الكلام وتباسطه فيما لا حاجة إليه، والمبرّر الجاهز دائما: إنّه طبيبها!

الواقع صعب، والمرأة ضعيفة، تتعامل مع الواقع -في كثير من الأحيان- بأذنها وعاطفتها بمنأى عن عقلها، وكلمةُ لطف تسمعها من ذئب يتصنّع اللطف واللباقة قد تؤثّر فيها، كيف لو كانت الكلمة كلمات وأظهر معها الرّجل المتربّص بعض الاهتمام؟ أماكن العمل المختلطة فيها أبواب فتنة يُشرعها الشّيطان ويزيّنها للرّجال والنّساء ويسهّل لهم طرقها والدّخول منها.. أسر تفكّكت وخرّبت بسبب تساهل المرأة التي تعمل في الأماكن المختلطة في تعاملها مع الرّجال؛ تتساهل معهم، فتسمح لهم بأن يحدّثوها في غير ما يتعلّق بالعمل، ويخوضوا معها في الخصوصيات، ويحيّوها صباح مساء: “صباح الخير يا ما دام، مساء الخير يا ما دام.. كي راكي، واش صفا.. واش بيكي اليوم ما راكيش نورمال، واقيلا ديرونجاك راجلك؟…”!

الزّوجة المسلمة الحرة الأبية التي تضطرّ للعمل أو تحتاج إليه، لا يطمع “المتثعلبون” بأن يظفروا منها بابتسامة أو كلمة واحدة عن خصوصياتها؛ فهي إن اضطرّت للكلام مع رجل في مكان العمل أو في السّوق أو في وسائل النّقل، فإنّها تتكلّم بقدر الحاجة كلاما موزونا ليس فيه خضوع ولا لين، دستورها قول الله تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾، وقدوتها المرأة الصّالحة “علية بنت المهدي” أخت هارون الرشيد التي قالت: “نحن نساء مع رجالنا، رجال مع غيرهم”.

الجيل الجديد من الأزواج في حاجة لأن يتعلّموا أنّ الزّوجة أولى بالاهتمام من الهاتف ومن السيارة؛ تجد الواحد منهم ما أن يشتري هاتفا حتّى يقتني معه مانعا للكسر (incassable) يغطّي به شاشة هاتفه، ويقتني حافظة (pochette) تحفظ الهاتف عند السّقوط، لكنّه لا يشتري لزوجته حجابا فضفاضا يحفظها من الأعين المريضة، ولا يحفظها في بيتها ويكفيها همّ مزاحمة الخلائق خارجه! يشتري سيارة، فيبحث لها عن مستودع يركنها فيه في ليالي الشّتاء الباردة، ويبحث لها عن الظلّ كلّما أراد أن يركنها في أيام الصّيف، ويقيم الدّنيا ولا يقعدها لو تسبّب أحدهم بخدش سيارته خدشا صغيرا.. لكنّه لا يعامل زوجته كما يعامل سيارته، مع أنّ الزّوجة أولى بالحفظ والصّون من السيارة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!