-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

والمنتخبون يبعثهم الله!

عمار يزلي
  • 1581
  • 0
والمنتخبون يبعثهم الله!

عندما يصرح بن فليس من هران قبل أسابيع قليلة أن هناك 3 ملايين صوت انتخابي استغل إداريا لتصويت الأحياء باسم الأموات، فإن الرجل لا يقول إلا الحقيقة التي طالما تحدث عنها العام والخاص منذ توقف المسار الانتخابي في بداية التسعينيات. من ثم صارت كفة الأغلبية مباشرة إلى أحزاب السلطة وعلى رأسها حزب الإدارة “الأرندي”. وقتها، ثارت ثائرة المعارضة المتبقية بأن 3 ملاين صوت قد تم تزييفها إداريا من أجل تشكيل الأقلية لأغلبية بأصوات الأموات، غير أنه لا أحد في السلطة استمع إلى هذه الأصوات المبحوحة، واستمرت السلطة في الحكم بأغلبية مشبوهة وبأصوات مسروقة.. من الأموات! هذا ما دفع بالأوروبيين إلى مطالبة الجزائر بتصحيح السجلات الإدارية في الحالة المدنية. لكن، إلى حد الآن لا نعلم أين وصل هذا الإصلاح! ونتساءل كما يتساءل بن فليس (رغم أنه هو الآخر كان ضمن المعادلة التي افتكت السلطة من الأغلبية الحقيقية): إلى متى سيظل الشعب الحي تحكمه أقلية بأصوات الموتى؟

نمت، وهذا التساؤل الغبي يخدشني من الداخل ويهز أركاني العامة لأجد نفسي أعود في التاريخ إلى الانتخابات المحلية والتشريعية الأخيرة وأنا صحافي لقناة محلية أصف من خلال كاميرا خفية تعمل بالأشعة ما تحت الحمراء وأخرى بأشعة ما فوق البنفسجية والتي تضبط كل الحركات غير المنظورة بالعين المجردة.

رصدت كيف أن قوائم الموتى قد ضبطت بشكل دقيق في البلديات، وكيف تم تجاوز لجان المراقبة وتزوير المحاضر وتم الانتخاب في كل البلديات عن موتى البلدية والتوقيع باسمهم وهم أموات! سمعت أحدهم يقول للجميع: علاه الموتى مش جزائريين؟ من حقهم الإدلاء بواجبهم الانتخابي؟ والشهداء علاش ما ينتخبوش. هم اللي حقهم ينتخبوا مش احنا، نحن فقط نقوم بالواجب الوطني اللي ما قدرناش نقوموا به وقتهم! هم حملوا السلاح ونحن سلحنا الحملة (الانتخابية).. اليوم.. قط ما يفوتش! الأغلبية لنا باسم الشهداء الأبرار وموتانا رحمهم الله تعالى واسكنهم فسيح جنانه وألهم ذويهم الصبر والسلوان إنا لله راجعون وكل نفس ذائقة اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله “إكسيتيرا…  إكسيتيرا”.

علمت أن نفس العملية اتبعت في كل بلديات البلد وأن الأموات قد أعيد لهم الاعتبار في هذه الانتخابات! صغيرهم وكبيرهم ذكورهم وإناثهم، حتى من مات طفلا انتخب اليوم بدعوى أن الزمن بعد الموت لا يعادل زمن اليوم وأن الطفل الذي مات وعمره سنة هو اليوم أكبر. وحتى لو مات الأمس فقط، “فيوم عند ربك كألف سنة مما تعدون”! معناه أنه شيباني وأنه من حقه الانتخاب! على العكس، البعض من الأحياء هم من لا يحق لهم الانتخاب! تركناهم ينتخبون فقط لكي يرى الجميع أن حجم الإقبال على الصناديق كان كبيرا، لأن نسبة المشاركة المنظورة هي ما يهمنا! الأرقام الأخرى، مسألة داخلية ونعدلها ونضبطها كيفما شئنا ونعلن عنها كما نشاء! الريح ما يفوتش!.. قط ما يزغدش!

كنت شاهدا على تصويت الموتى باسم الأحياء، غير أن الكاميرات قد تم حجزها وتم إتلاف التسجيلات ومنعت من العمل لسنوات تحد التهديد بأنه “قد ينتخب أحد محلي في الانتخابات المقبلة إذا أصررت على الحديث عن الموضوع وكشفت المستور ولو في سطور”! سكت طويلا، قبل أن أتفاجأ مؤخرا من خلال كاميرا نيميرك تشتغل بأشعة ما فوق البنفسجية بقيام الأموات بمظاهرات خفيفة لا ترها العين المجردة!

كانوا أكثر من 3 ملايين! حتى الشهداء وكانوا مليونا ونصف مليون! كلهم تظاهروا في مختلف البلديات بأشكال متعددة! لكن لا أحد سمع “أصواتهم” المسروقة، ولا رأى أجسادهم المضيئة ولا صورهم البريئة! كانوا كنقطة تبرق في ليل داج كما لو كانت تتفرج على مدينة “لص ـ أنجلص” ليلا! كلها أضواء، لكن لا أحد يرى أو يسمع! الكل كان يطالب بعودة الشرعية إلى الشعب وإعادة الأصوات إلى أصحابها والكف عن التلاعب بأصوات الذين انتقلوا إلى العالم الآخر قتلا أو انتحارا أو موتا بمرض أو فجائي أو نتيجة الهرم أو المرض العضال أو قلة الدواء أو خطأ طبي في التشخيص أو في عيادة خاصة أو بسبب إهمال طبي وشبه طبي في المستشفيات العمومية! الكل كانوا هنا ينادون في صوت خفي أن أعيدوا إلى الشعب صوته وأعيدوا لنا حرمتنا وهناءنا الأبدي الذي لم نهنأ فيه أبدا!! 

أشهر من بعد ذلك، ويبدأ العمل التخريبي والإرهاب الأعمى والعنف غير المنطقي وحرق الأجساد غير المبرر! وأكتشف مرة أخرى من خلال كاميرا أشعة ما تحت الحمراء وفوق البنفسجية أن بعض الأموات، قلة منهم وكانوا في حدود المليون، قد تحولوا إلى “زومبي” وخرجوا عن بكرة أبيهم بأعدادهم الهائلة لينشروا الرعب في الأرض ويعيثوا في الأرض فسادا! دماء في كل واد وشارع وحي وجامع وساحة وحافلة ومطعم! إنهم يعتدون على الأبرياء من الأحياء ويهاجمونهم ليتحولوا بدورهم إلى “زومبي” بعد ساعة!

وجدت نفسي وسط هذه الجموع المتوحشة من الكائنات الفظيعة التي لا هي حية ولا هي ميتة وتعتدي على الأحياء وتسفك الدماء وتحول الأحياء إلى شبه أموات متوحشين متعطشين إلى الدم البشري واللحم الآدمي! صور فظيعة لم أر مثلها سابقا ولا لاحقا! كنت وسطهم ولا أملك إلا قلم رصاص! رحت أطعن هذا بهذا القلم، ذلك في رأسه، وذاك في قفاه وتلك في عينها والآخر في جنب جمجمته! كل هذا، والقلم لا ينكسر، بل يزداد صلابة وطولا حتى صار كما لو كان يعمل بأشعة ليزر فتاكة: من تصب تمته ومن تخطأ لا يعمر ولا يهرم!

كنت مسربلا بالدم، جسمي مطلي باللون الأحمر وقد ساعدني الكثير من أحرار البلد في محاولة اجتثاث هذه الغونغرينا من الجسد الوطني!

قضينا على الكثير منهم وبقي القليل، وخوفي الآن أن يتكاثر هؤلاء “الزومبيون” مع الوقت ومع تفاقم الأزمات وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمواطن في الوطن وفي العالم.

وأفيق بعد ما نمت على متابعة الحلقة السابعة من النسخة السادسة من مسلسل “وولكينغ داد”.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!