-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وخطابُ التجريم.. هل يعالَج بتشريع قانون؟

محمد بوخطة
  • 239
  • 0
وخطابُ التجريم.. هل يعالَج بتشريع قانون؟
ح.م

شيءٌ جميل أن نرصد الظواهر السيئة في مجتمعنا لنبحث عن الدواء فنضمن لها العلاج، وحين يكون هذا الرصد وهذه المتابعة من مسئول أو من أعلى مسئول في البلد، فهو أمرٌ مبشِّر جداً، يستحق كل التقدير، غير أن ثمة محاذير لا يجوز إغفالها ونحن بصدد هذه المعالجة. أقول هذا وأنا أتابع الجدل الدائر حول “تجريم خطاب الكراهية” ومحاولة استصدار تشريع أو قانون يحقق ذلك.
إن خطاب الكراهية الذي انتشر بيننا ليس مجرد تجاوز لفظي يمكن أن يُعالَج بنص قانوني، إنه يعبِّر عن شعور وثقافة مرتبطة بعمق هويتنا الاجتماعية وحقيقة انتمائنا الحضاري، يستثمر في الإفساد بها الحاقدون:

1ـ إنه أحد التجليات لأزمة مشروع المجتمع التي لم نجرؤ على حسمها عملياً في تاريخنا وحاضرنا، وما لم تتوفر الإرادة السياسية لحسمها نهائيا وتضمينها مختلف منظوماتنا، فإنَّ معاناتنا ستستمرّ ووحدتنا ستبقى مهددة، يؤكد ذلك التباين المتزايد الذي نلاحظه يوماً بعد يوم في سلوكنا الاجتماعي بين من يغرينا بالغرب ومن يغرينا بالشرق دون أن تكون لنا القدرة على حسم اختيارنا عملياً بقطع النظر عن حديث النصوص والقوانين والمواثيق، تلك لا قيمة لها إن لم يصطبغ بها سلوكُنا ولم تحكم علاقاتِنا وهو ما لم يحصل بعد.

2ـ إن المبالغة في التقديس كالمبالغة في التدنيس، كلاهما تطرُّف، بل ظلمٌ وجور، حين نؤرِّخ لثورتنا ونصوِّر أبطالها ملائكة مكرَّمين لا يُتصوَّر منهم الخطأ ولا يُقبل منهم الجور، فنحن نظلم الحقيقة ونظلمهم معها، إنهم بشرٌ كالبشر تعتريهم أحوال البشر يصيبون مرة ويخطئون مرة، يتجرَّدون أحيانا وتغلبهم طموحاتهم الشخصية أحيانا ولا يقدح ذلك في إنسانيتهم ولا يحط من أقدارهم لأنهم بشر، يكفي هؤلاء البشر أنهم قضوا إلى ربهم لا ينفعهم مدحُنا لهم ولا يضرّهم قدحنا فيهم، كيف يقبل العاقل منا أن يصبح اختلافنا حول ماضينا سبباً للتشويش على حاضرنا وهدم مستقبلنا..

ثم إن حرصنا المبالَغ فيه على الوحدة قد يضيعها، ومنطق الإجماع الذي نبحث عنه قد يكون سببا للحيف والظلم، هل أجمع البشر على الإيمان بالله؟ أم أجمعوا على الايمان بالرسل حتى نرجو منهم أن يجمعوا على غيرهما؟

3ـ إن ما يُثار من جدل حول انتمائنا، حول تاريخنا بل وجغرافيتنا وإثارة الشبهات حول هويتنا يبدو محبوك الخطة، مقصود الهدف، خبيث النيّة، غايته ضرب مرجعيتنا والتشكيك في رموزنا ليسهل بعد ذلك التأثيرُ فينا وتفريقنا شيعاً وأحزاباً كل يدّعي أن كل الحق معه وأن كل الباطل ما عليه غيره، فنضيع ونُضيِّعَ الوطن معنا ما لم نقتنع بأننا جزائريون ونكتف بأننا جزائريون ونقتنع بأن الوطن يسعنا جميعا بوصف المواطنة فقط، وأن مجرد وجودنا يفرض علينا الاعتراف بوجود غيرِنا وحقِّه في الاختلاف عنا.

4ـ إن استدعاء التشريع أوقات الأزمات يُبعد عنه الموضوعية، بل ويجعل المواطن يشعر أن القانون سيفٌ بيد السلطة تسلطه على رقبته متى رأت، ذلك يُفقده الثقة فيه والرغبة في الامتثال له، خاصة إذا كان الأمر متعلقا بقضية عميقة ملتصقة بثقافة المجتمع وانتمائه، إنك عندما تغمض عينيك في وضح النهار لا يعني أن الشمس قد غربت، كل ما في الأمر أن عينيك لم تريا نورها، كذلك حين نلجم ألسنة الناس عن التعبير عن فكر أو معتقد غير سليم يعتقدونه، فهل يعني أننا قوّمناهم أو أصلحنا فكرهم؟ بالطبع لا.

إذن، نحن بحاجة إلى بيداغوجيا اجتماعية تقوم على قيم الصِّدق والإنصاف والصراحة واعتبار الآخر، والجرأة في تناول خلافاتنا في ظلِّ حوارٍ اجتماعي تؤطره القيم وترعاه مؤسساتُ الدولة وتصونه دون تحيُّز أو إجحاف… حين يكون القانون ثمرة هذه البيداغوجيا سيكون محل احترام وامتثال.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!