-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تدافع وطوابير وإغماءات بقصر الشعب.. مواطنون:

.. وداعا أيها القائد الصالح

الشروق أونلاين
  • 3542
  • 4

امتزجت فئات المجتمع وتوحدت حناجر آلاف الجزائريين، الذين تدفقوا على “قصر الشعب” بداية من الساعات الأولى ليوم الأربعاء، ترحما على روح فقيد الجزائر قائد الأركان أحمد قايد صالح، إذ تحول قصر الشعب إلى مزار لآلاف المواطنين، الذين قصدوا المكان من مختلف ربوع الوطن، لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد الذي وافته المنية صبيحة الاثنين، عن عمر ناهز الـ80 سنة إثر سكتة قلبية، والتي أعلن على إثرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الحداد لمدة ثلاثة أيام.

وحضرت عديد الشخصيات إلى “قصر الشعب” لتوديع “فقيد” الجزائر، تقدمهم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون ورئيس الدولة السابق عبد القادر بن صالح، إضافة إلى الرئيس الأسبق ورفيق درب المرحوم، اليامين زروال، وقيادات الأركان وكبار المسؤولين العسكريين، يتقدمهم قائد أركان الجيش الوطني الشعبي بالنيابة اللواء سعيد شنقريحة ورئيس الأمن العسكري اللواء محمد قايدي، ومدير الأمن الداخلي وقيادات عسكرية وضباط سامين في الدولة، ووزراء الحكومة ورؤساء منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والإقليمية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر، فضلا عن شخصيات وطنية وسياسية، على غرار رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش، ورئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، إلى جانب عائلة الفقيد التي تلقت التعازي من الحضور، ومن رئيس الجمهورية على وجه الخصوص.

رغم حرارة الجو الذي شهدته العاصمة أمس والقيود البروتوكولية التي فرضت على مدخل “قصر الشعب” منذ الساعات الأولى من صباح الأربعاء، لم يمنع الجزائريين باختلاف لهجاتهم وأعمارهم من “الحج” إلى “قصر الشعب” لإلقاء النظرة الأخيرة وتوديع “القائد الصالح”.

جثمان المرحوم وصل “قصر الشعب” باكرا

وصل جثمان الفقيد رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، نائب وزير الدفاع الوطني، أحمد قايد صالح، “قصر الشعب” في حدود الساعة الـ7 والنصف، قادما من المستشفى المركزي بعين النعجة، مسجى بالعلم الوطني ومحمولا على أكتاف ضباط من الجيش الوطني الشعبي، حيث كان جثمان الراحل مرفوقا برئيس الأركان بالنيابة سعيد شنقريحة، واللواء محمد قايدي، حيث وضع جثمان الفقيد في “قصر الشعب”، أين ترحم عليه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ومسؤولون سامون في الدولة وكذا أعضاء الحكومة وشخصيات تاريخية ووطنية وأقارب “الفقيد” وعائلته، فيما اصطف المواطنون على طول الرصيف المؤدي في اتجاه شارع ديدويش مراد.

الحزن يعصر قلوب عائلة الفقيد.. وأبناؤه يتلقون التعازي

ألقى أفراد عائلة “المرحوم” الفريق أحمد قايد صالح النظرة الأخيرة على فقيدهم وفقيد الجزائر، في قصر الشعب، حيث كان الحزن باديا على كافة أفراد العائلة، بمن فيهم أبناء الفقيد الذين تأثروا كثيرا وغلبتهم الدموع في توديع “الوالد”، حيث لم يتمالكوا أنفسهم لرؤية جثمان الراحل مسجى بالعلم الوطني، وانفجروا بالبكاء إلى جانب الجثمان، قبل أن يتلقوا التعازي والمواساة من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي عانق مطولا الابن الأكبر للراحل أحمد قايد صالح.

شنقريحة وكبار الضباط يلقون النظرة الأخيرة على الفقيد

ألقى كل من رئيس أركان الجيش الوطني بالنيابة، سعيد شنقريحة، إلى جانب كبار الضباط السامين، النظرة الأخيرة على جثمان الراحل قايد صالح، حيث قرأوا فاتحة الكتاب، قبل أن يغادر شنقريحة وقايدي “قصر الشعب”، وسط هتافات المواطنين “جيش شعب خاوة.. خاوة وقائد صالح مع الشهداء”، ليقترب عدد من المواطنين من الحافلة التي كانت تقل إطارات الجيش، قبل أن يدعوا إلى صون الأمانة التي تركها “المرحوم”.

تبون “يبكي” أمام جثمان الفقيد

كانت ملامح الحزن والتأثر بادية على وجه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، منذ دخوله القاعة التي كان يتواجد فيها جثمان “الفقيد” في “قصر الشعب”، حيث وقف المسؤول الأول في البلاد أمام جثمان الجزائر لإلقاء النظرة الأخيرة عليه، قبل أن يذرف الدموع عند تلاوة الفاتحة، وهو الذي كرمه بوسام “الاستحقاق” من مصف “الصدر”، قبل أقل من أسبوع، خلال تأدية تبون اليمين الدستورية رئيسا للجزائر، علما أن الرئيس تبون، كان قد قال في فقيد الجزائر، إنه كان حاميا للوطن وصان الأمانة وحفظ الوديعة وأوفى بالعهد في أصعب الفترات التي مرت بها الجزائر، كما لم يفوت رئيس الجمهورية الفرصة عند مغادرة “قصر الشعب” بتحية جموع المواطنين أمام المخرج الرئيسي، من خلال إلقاء التحية “العسكرية”.

وزير العدل من بين المودعين..

كان وزير العدل حافظ الأختام بلقاسم زغماني من بين المودعين للراحل أحمد قائد صالح، حيث ألقى النظرة الأخيرة على غرار كافة الوفد الحكومي الذي حضر، قبل أن يتجه خارج “قصر الشعب” لامتطاء سيارته للمغادرة، ليجد جموع من المواطنين في انتظاره، حيث حيوه مطولا وهتفوا بحياته، قبل أن يطلبوا منه المواصلة في إشهار “سيف الحجاج” في وجه كل من تسول له نفسه التلاعب بممتلكات الوطن، ومن ثم التصدي لكل أنواع الفساد والرشوة بأهازيج دوت “قصر الشعب” وبصوت واحد “زغماتي إلى الأمام الأمام”، مؤكدين له دعمهم له ومساندتهم له في كل القرارات التي يتخذها، والتي تهدف إلى إرساء كل قواعد العدل والعدالة ومحاربة الفساد، من أجل بناء جزائر جديدة وقوية، مثلما أراد “المرحوم” أحمد قائد صالح.

إغماءات وسط المواطنين عند خروج النعش من “قصر الشعب”

بمجرد أن هم أفراد من الجيش الوطني الشعبي في حمل النعش لمغادرة “قصر الشعب” صوب مقبرة “العالية” لدفن الراحل أحمد قائد صالح، وفور فتح البوابة الرئيسية، في حدود الساعة الـ 11 و 50 دقيقة وإخراج نعش المرحوم، بدأ عدد المواطنون في السقوط أرضا متأثرين لرؤية نعش الراحل، حتى أن أحدهم سقط مغشيا عليه وهو يقول “صح مات القائد صالح”، قبل أن يتبعه أخرون، وسط تدخل لرجال الحماية المدنية الذين كانوا في الوقت المناسب لتقديم الإسعافات الأولية لهم.

ميهوبي وبن قرينة: فقدان قائد صالح خسارة كبيرة للجزائر

ألقى الأمين العام بالنيابة للتجمع الوطني الديمقراطي، عز الدين ميهوبي، وعلى غرار منافسه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عبد القادر بن قرينة النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد، الفريق أحمد قائد صالح، حيث اعتبر ميهوبي أن فقدان الرجل خسارة كبيرة للجزائر وكل الجزائريين وفقدان لـ “قائد” بكل ما تحمله الكلمة من معاني، معتبرا أن القائد صالح يعد رجلا وطنيا، أكد ذلك خلال حمله السلاح في وجه الاستعمار الفرنسي وكذا في محافظته على الجزائر خلال الـ 9 أشهر الأخيرة.

وقال ميهوبي في هذا الصدد فور خروجه من “قصر الشعب” “الراحل كان وطنيا دافع دون هوادة عن الجزائر وفي أحلك الظروف، وخسارته كبيرة بالنسبة للجزائر، كان وطنيا حقا وعد بأنه سيحافظ على دماء الجزائريين من السيلان في الفترة الماضية فوفى رغم صعوبة الوضع، حرص على أن يكون الشعب هو صاحب السيادة، فكان له ذلك بنجاح في انتخابات الـ 12 من ديسمبر الفارط، والصور أصدق من كل تعبير، الجزائريون قدموا من كل أنحاء الوطن لتوديعه، وهذا ما يؤكد أن الرجل كان “قائدا صالحا”.

مصر حاضرة بوفد عسكري ممثلا للسيسي

كان الفريق أول صدقي صبحي مساعد رئيس الجمهورية المصرية لشؤون الدفاع، ممثلا للرئيس عبد الفتاح السيسي من بين المودعين لرئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قائد صالح، حيث رافقه 5 من كبار ضباط القوات المسلحة المصرية للمشاركة في تشييع جنازة الفقيد، حيث يعتبر المصريون أن المشاركة في الجنازة تقديرا للعلاقات الثنائية بين البلدين ولدور الفريق قائد أحمد صالح، الذي شارك في حرب أكتوبر 1973 إلى جانب القوات المصرية لاستعادة سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، فضلا عن تقدير مصر حكومة وشعبا للدور الجبار الذي لعبه الفقيد في تجنيب الجزائر من الأزمات في الفترة السابقة، ومن ثم العبور بالجزائر على بر الأمان بالوصول إلى الانتخابات الرئاسية، علما أن الرئيس المصري كان قد نعى الفريق أحمد قائد صالح، فور بلوغه الخبر، مؤكدا أنه كان جديرا بالاحترام والتقدير، لما بذله من جهد وعطاء لتحقيق الاستقرار في الجزائر.

السفير السعودي: قايد صالح قائد فذ ومجاهد كبير

حضر السفير السعودي عبد العزيز العميريني، مراسيم التأبين الرسمية للفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي بحضور رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون والمسؤولين الجزائريين ورؤساء منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية والإقليمية وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الجزائر.
ونشرت السفارة السعودية بالجزائر صورة عن التأبينية عبر صفحتها بتويتر، كما كتب السفير العميريني عبر صفحته بتويتر بأن قايد صالح “رجل دولة وقائد فذ ومجاهد كبير، أدى الأمانة وصان العهد وحافظ على الجزائر وشعبها الشقيق، وسيبقى ذكره خالدا وسيشهد التاريخ على مآثره الجليلة”، مضيفا “رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته”.
ويأتي ذلك في وقت سبق أن وجه السفير السعودي تعازيه عبر برقية تم نشرها في الصفحة الرسمية للسفارة بفيسبوك وتويتر للجزائريين رئيسا وحكومة وشعبا وكذا لعائلة الفقيد الفريق أحمد قايد صالح.

عائشة أحمد قائد ابنة شقيق الفقيد:
“ما زلت متأثرة لفقدان والدي.. وأشكر الجزائريين على وقفتهم”

قالت عائشة أحمد قائد، ابنة أخي المرحوم، إنها لا تزال متأثرة لوفاة والدها عبد المجيد في الـ 29 من نوفمبر الفارط، مؤكدة أنها لم تضمد جروحها من الفاجعة الأولى لتفجع بالثانية برحيل عمها “صالح” الذي توفي الإثنين في العاصمة، حيث اغتنمت عائشة، التي حضرت من ولاية عنابة لإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان عمها لتوجيه أسمى عبارات الشكر والامتنان لكل الذين وقفوا إلى جانب عائلة أحمد قائد في محنتهم، حيث خصت بالذكر أفراد وإطارات الجيش الوطني الشعبي والشعب الجزائري بصفة عامة.

مواطنون متأثرون بصوت واحد:
“القائد ارتاح ارتاح.. سنواصل نحن الكفاح”

بدا التأثر كبيرا على كل المواطنين الذي توافدوا على “قصر الشعب” لتوديع “أسد” الجزائر، فامتزج ذلك بين الدموع وزغاريد النساء اللواتي فضلن توديع أحمد قائد صالح على طريقتهن، معتبرين الرجل شهيد الوطن بالنظر لما قدمه لع منذ 1957، فيما فضل آخرون تأدية النشيد الوطني وبعض الأناشيد الثورية تعبيرا منهم لتأثرهم في فقدان رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي.

في وقت فضل آخرون توديع “القائد” بطمأنته على أنه ترك الجزائر في أياد آمنة، مثلما كان يطمح إليه منذ 9 أشهر، حيث رددوا مطولا “القائد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح”، كما لم يكتف الحضور أيضا بذلك، حيث نظموا شعارات عديدة ذكروا فيها مناقب الراحل كتلك التي قالوا فيها “قائد صالح يا مغوار حميت الشعب كبار صغار”، وأخرى “قائد صالح رحت علينا والجزائر راهي في غبينة”، إلى جانب “قائد صالح يا مكافح درت الواجب راك مسامح”، وكذا “قائد صالح ولد الثورة قائد صالح يا أسطورة”.

جنازة مليونية وطوفان بشري في تشييع الفريق بمقبرة العالية
“جيش شعب خاوة خاوة.. وقائد صالح مع الشهداء”
– المشيعون: “واصلوا المهمة.. حاربوا العصابة وعملاء فرنسا”
– “عمار البيري” ومئات العسكريين القدامي في مقدمة المشيعين
– رحل القائد وبقي 40 مليون قائد آخر للذود عن الجزائر

“جيش شعب خاوة خاوة… وقائد صالح مع الشهداء”، “يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح”، هكذا كان يردد ويهتف الآلاف من المشيعين عند مدخل مقبرة العالية، وهم يتابعون دخول الموكب الجنائزي لقائد أركان الجيش الوطني الشعبي الفريق أحمد قايد صالح، الذي وافته المنية فجر، الاثنين، عن عمر ناهز 80 سنة، إلى مثواه الأخير.
الحركة من شارع جيش التحرير بالعاصمة، وعلى امتداد الطريق السريع الشمالي (البحري)، وحتى مدخل مقبرة العالية، كانت حركة السير فيه قليلة صبيحة الأربعاء، باستثناء التواجد المكثف لأفراد الشرطة من مختلف التشكيلات، إضافة إلى نقاط مراقبة لأفراد الدرك، وبين التشكيلين الأمنيين، أفراد من الحماية المدنية إما بسيارات الإسعاف، أو الدراجات النارية للتدخل السريع.

طرق فارغة.. الكل في الجنازة

الترتيبات الاستثنائية والمشددة جدا، كانت معدة لتأمين الموكب الجنائزي للراحل الفريق أحمد قايد صالح، وكانت أكثر “صرامة” عند مدخل المقبرة، وعندها كان أفراد الأمن الرئاسيين يراقبون المكان، ويتم السماح بدخول “الرسميين” فقط، ففي الوقت الذي أرادت فيه السلطات أن تكون الجنازة “رسمية”، كان المواطنون الذين حضروا يريدونها شعبية.

وظهر الإصرار من المواطنين شبابا وكهولا وشيوخا وبعض النساء، التقدم أكثر فأكثر نحو المقبرة، وللحيلولة دون ذلك، تم وضع “حاجز بشري” من أفراد الشرطة، لكن دقائق بعد ذلك إنهار الحاجز، وتقدم المشيعون بالمئات تحت هتاف “جيش شعب خاوة خاوة… وقائد صالح مع الشهداء” و”يا شهيد ارتاح ارتاح سنواصل الكفاح”، مع ترديد النشيد الوطني “قسما” وأناشيد وطنية أخرى، وبين الفينة والأخرى كان الجميع ينصت لهتافات العسكريين القدماء الذين حضروا بقوة للجنازة ومن بينهم “عمار البيري” الذي اشتهر خلال احتجاجات العسكريين قبل أشهر، فكان كقائد الأوركسترا يصيح والجموع من ورائه تردد “وطني وطني غالي الثمن روحي مالي نفسي بدني وأنا الحامي لك في المحن لتعش حرا طول الزمن”.

وفي حدود العاشرة والنصف صباحا، زاد عدد الوافدين إلى مقبرة العالية، وفضل البعض صعود بعض البنايات القريبة، لمتابعة الجنازة، وحدث “بعض الانفلات”، حيث وصل طابور المشيعين قبالة المدخل الرئيسي للمقبرة، وخشية انزلاق الأمور، تم استدعاء وحدات إضافية من قوات التدخل السريع للدرك، الذي وضع حاجزا لمنع تقدم “الطوفان البشري”.

اجراءات استثنائية لتنظيم المشيعين

وفي محيط المقبرة، انتشر المئات من الأمنيين من مختلف الوحدات، بالزي الرسمي أو المدني، وكان يتولى عملية التنظيم رئيس أمن ولاية الجزائر مراقب الشرطة محمد بطاش، بمعية رئيس المجموعة الولائية للدرك العقيد عبد القادر بوخليدة، فيما اتخذ عناصر القناصة مواقعهم فوق المباني، خاصة مشروع انجاز مقر الغرفة الوطنية للفلاحة، وشوهد كذلك عناصر من الوحدات الخاصة للجيش برفقة قناصة المديرية العامة للأمن الوطني، كما تكفل أفراد شرطة بتأمين الجنازة من على سطوح المنازل القريبة جدا من المقبرة، فيما كانت حوامات الشرطة تراقب الوضع الميداني من الجو.

ولساعات ظلت الحشود تنتظر وصول الموكب الجنائزي، وهي لا تكل ولا تمل من ترديد التكبير “الله اكبر، والشهيد حبيب الله”، و”جيش شعب خاوة خاوة… وقايد صالح مع الشهداء”، مع رغبة متواصلة في كسر الطوق الأمني الذي تم وضعه لمنع تقدمهم، خاصة وأن المشيعين كانوا يتابعون دخول بعض الرسميين للمقبرة في سيارات معتمة لا يُعلم من بداخلها.

في حدود الواحدة زوالا، تبين أن الموكب الجنائزي بات قريبا، وحينها صار تحليق مروحيتي الشرطة، وثالثة للدرك، ورابعة للجيش على علو منخفض للغاية، حتى أن من كان بداخل مروحية وزارة الدفاع (مكتوب عليها بالأحمر إنقاذ) صار بالإمكان رؤيته وهو يحيي المشيعين في الأرض.

بعد نصف ساعة تقريبا، وصل الموكب الجنائزي، الذي كانت تتقدمه سيارات سوداء لأفراد البحث والتدخل “BRI”، وبعدها المركبة التي بها نعش الراحل، ويظهر فوقها الحارس الخاص للراحل المجاهد أسد الجزائر، احمد قايد صالح، والذي رافقه إلى مثواه الأخير، بعد سنوات من المرافقة المقربة جدا، وكان الموكب الجنائزي حينها يتقدم بصعوبة شديدة وسط الآلاف الذين أرادوا تقبيل النعش، ووجد أفراد الحماية المرافقين للنعش صعوبة في إبعاد المشيعين، ومن تعذر عليه تقبيل النعش، اكتفى بأخذ الورود الموضوعة على المدرعة التي نقلت النعش.

الآلاف صلوا في الشوارع

وفي الوقت الذي دخل فيه الموكب الجنائزي المقبرة، تسَمر الآلاف خارجها، أدى عدد منهم صلاة الجنازة على الطريق العام رغم الزحمة الكبيرة، وبعد الفراغ من الصلاة تم رفع الأيدي بالدعاء للراحل بأن يرحمه الله ويسكنه فسيح جنانه، فيما فضل آخرون الدعاء والتضرع لله بزوال “الكيان الصهيوني، وإقامة دولة فلسطين، وأن يحفظ الجزائر وشبعها”.
ولأن المشاعر كانت قوية وجياشة، كانت كاميرات التلفزيون المتنفس الوحيد للمشيعين، للتعبير عما يختلج في صدورهم، حيث اصطفوا أمام الصحفيين، ليؤكدوا على متانة العلاقة بين الجيش والشعب، والتذكير بمناقب الرجل والتأكيد أن هنالك 40 مليون “قايد صالح في الجزائر”، فقال أحدهم “كل أعطاه الله من اسمه شيء، وهذا الرجل الذي نودعه اليوم نشهد أمام الله انه كان صالحا”.
كما فضل آخرون تمرير رسائل سياسية للخارج عبر هتافات “قايد صالح قاهر فرنسا”، وإبلاغ خليفته بضرورة استمرار المهمة التي بدأها سلفه وهي “محاربة العصابة وأذنابها وعملاء فرنسا والخونة”.
وفي داخل المقبرة، تم الصلاة على الراحل، وتولى مدير الإيصال والإعلام والتوجيه لأركان الجيش الوطني الشعبي، اللواء بوعلام مادي، قراءة التأبينية.

استفتاء ناجح على خيارات المجاهد المرحوم
الجزائريون يردون الجميل لقائدهم في جنازة مهيبة

كشفت حجم الحشود التي نزلت إلى شوارع العاصمة لمرافقة جثمان الراحل نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أحمد قايد صالح، إلى مثواه الأخير، عن مدى العرفان الذي خبأه الجزائريون للرجل، الذي استطاع أن يحافظ على البلاد في واحدة من أصعب فتراتها.
المظاهر التي عاشتها العاصمة، الأربعاء، تشبه إلى حد بعيد، تلك التي عاشتها البلاد قبل نحو أربعين سنة، عندما فقدت أحد أبرز زعمائها منذ الاستقلال، وهو الرئيس الراحل هواري بومدين، الذي لا يزال الكثير من الجزائريين، يتذكرون خصال هذا الزعيم، الذي استطاع أن يؤسس لدولة وجدت لها مكانا بين الأمم وجلبت الاحترام لمواطنيها في العالم.
تنقل الآلاف من مختلف ولايات الوطن لحضور الجنازة، رغم مشاق السفر ووعثائه، يعتبر بمثابة استفتاء ليس فقط على شخصية الرجل فحسب، بل على سلامة الخيارات السياسية والقرارات الحاسمة التي انتهجها منذ أن أصبح نظام الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة في مواجهة غالبية الجزائريين في الشوارع، رفضا لعهدته الخامسة، التي اعتبرت احتقارا لذكاء الجزائريين واختبارا لصبرهم وخوفهم على استقرار بلادهم.
من تابع مسيرة الراحل طيلة العشرة أشهر الأخيرة ومواقفه الثابتة والصارمة، ليس فقط من الجزائريين، بل من الخارج أيضا ومن الأعداء قبل الأصدقاء، “رفع له القبعة” واقتنع بأن طينة فقيد الجزائر وجيشها، ليست عادية، بل من تلك التي تشكل منها الأبطال الذين عرفوا كيف يحافظون على استقرار دولهم وصيانة وحدتها في الأزمات الحالكات.
الرجل وعلى الرغم من أن خلفيته عسكرية، إلا أن ذلك لم يتعارض مع حرصه على صيانة الطابع الجمهوري للدولة، وقد تبين ذلك من خلال حرصه وإصراره على ضرورة تنظيم الانتخابات في آجالها الدستورية، لملء الفراغ الحاصل في أهم مؤسسة في البلاد وهي مؤسسة الرئاسة، وهو ما حصل بعد انتخاب الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، في استحقاق لم يشكك في نزاهته حتى أولئك الذين نافسوا الرئيس الفائز.
ويحسب للرجل، وفق الكثير من المراقبين، نجاحه الكبير في إعادة البلاد إلى سكة الحياة الدستورية، في ظرف جد حساس، بسبب الضغط الذي كان يمارسه الشارع من أجل عرقلة هذا المسعى، ومن محاسن الصدف، وربما من علامات صدقه وإخلاصه أن الأجل عاجله مباشرة بعد أن حقق هدفه وجنب البلاد هزات كان يمكن أن تهدد مؤسسات الدولة وأركانها.
ومهما قيل ويقال عن الراحل، فإن خياراته في إدارة الدولة، وقدرته الاستثنائية على فرض قبضته على البلاد في مرحلة تعتبر من أكثر المراحل حساسية وخطورة في تاريخ الجزائر، جنب كيان الدولة الانزلاق في المتاهات التي شهدتها بعض الدول العربية، والتي وصلت، كما هو معلوم، حد الحروب الأهلية، وهذا من دون أن تراق قطرة دم واحد، كما وعد المرحوم، بل إنه أوصل البلاد إلى وضع صارت بفضله تتلقى اليوم التهاني من مختلف دول العالم.

الملايين يُودّعون “عمّي صالح ” إلى مثواه الأخير
جنازة أبكت الجزائرييّن عبر الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي
صورة دموع الرئيس تبون كانت الأكثر تداولا

تجمهر الجزائريون بالشوارع المحاذية لقصر الشعب وسط العاصمة، منذ ساعات الفجر الأولى، من الأربعاء، غالبيتهم شباب وبينهم مسنون ونساء وأطفال… كانوا يتزاحمون لرؤية نعش المرحوم أحمد قايد صالح، الذي مرّ أمام أعينهم، ولأنهم لم يتمكّنوا من التّرحم عليه عن قرب، وجدوا في ترديد الشعارات المساندة للجيش، وتبادل التحيات العسكرية، خير عزاء لحزنهم العميق.
شباب بالملابس العسكرية، وكُهول بقبعات الجيش، وأطفال مُتوشِّحون العلم الوطني، ونساء وشيوخ، الجميع حضر لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على جثمان “عمّي صالح “… فكان المشهد رهيبا حقا ومؤثرا، أمس الأربعاء.
الجزائريُّون تدفقوا على العاصمة من 48 ولاية، منذ ساعات الصباح الأولى لنهار أمس، وبدأوا في التجمهر بالشوارع المحاذية لقصر الشعب بعد صلاة الفجر مباشرة.
ومع بزوغ ضوء الشمس، ازداد تدفق الجماهير، بعد ما التحقت النساء وكبار السن بالمكان، وحتى الأطفال، وشرع الجميع في ترديد الأغاني الثورية.. من جبالنا، والنشيد الوطني قسما، وكرّروا شعار “جيش شعب خاوة خاوة.. والقايد صالح مع الشهداء”… واللاّفت أن كثيرا من الشباب حضروا مُرتدين الزيّ العسكري، والقبعات العسكرية. فيما لم تغب عنهم التحية العسكرية، التي كانوا يكررونها كل مرة.

شيوخ وعجائز يزاحمون الشباب لتوديع القائد

وصنع الشّيوخ والعجائز الحدث وسط الجموع الحاشدة، رغم الحرارة المُرتفعة والتدافع وسط الزحام… ولأنّ شيخا يفوق سنه الثمانين، تعذّر عليه دخول قصر الشعب لتوديع القايد صالح، فالتقطته الكاميرات وهو يتسلق السياج المحيط بقصر الشعب بلحيته البيضاء وعباءته، في مشهد جد مؤثر، تناقلته منصات التواصل الاجتماعي.
أما النساء ممن تمكّن من إلقاء النظرة الأخيرة على نعش “عمي صالح” المسجى بالعلم الوطني، فلم يتمالكن أنفسهن من البكاء، وانهارت دموعهن، لدرجة اضطر الحراس ورجال الأمن مرافقتهن للخارج.
والغريب تواجد أطفال حضروا مع أوليائهم ومن ولايات بعيدة، وكانوا يبكون، وكأنّهم يعرفون قايد صالح.. وانتشرت كثير من الفيديوهات عبر “فايسبوك” لأطفال في حالة حزن وتأثر.
وبعد مرور الموكب الجنائزي عبر أكبر شوارع العاصمة، صنعت مشاهد ملاحقة المواطنين، موكب الجنازة، الحدث، فكانوا يجرون دون كلل أو ملل وعلى طول الطريق السريع خلف عربة المدفعية، في موقف رهيب جدا، وهم يكبرون ويهللون ويدعون بالرحمة لشهيد الوطن، لدرجة اضطرّ الموكب الجنائزي للتوقف أحيانا حتى يتم فسح الطريق.

مواطنون يلحقون الموكب الجنائزي مشيا على الأقدام

وتابع رُوّاد منصّات التواصل الاجتماعي، تشييع جثمان القايد صالح، دقيقة بدقيقة، فلم يتركوا مشهدا ولا صورة ولا تعليقا، إلا ونقلوه في لحظته، ما جعل كثيرا من الجزائريين، يُفضلون متابعة الجنازة مباشرة من “الفايسبوك”.
فمن لحظة وصول نعش المرحوم قايد صالح الى قصر الشعب، ووصول جحافل المعزين من الشخصيات السياسية والعامة، بدأت صور الشخصيات تنتشر على منصّات التواصل الاجتماعي، لتصنع صورة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبّون وهو يُذرف الدموع أمام نعش من وشحه يوما وسام الاستحقاق الوطني، الحدث على “فايسبوكّ”. فيما صوّر كثير من المواطنين أنفسهم وهم يؤدون التحية العسكرية، حتى أطفال وعجائز، نشروا الصور على الإنترنت.

وبعد ما كانت صورة القايد صالح بعد وفاته أكثر الصور تداولا منذ إنشاء منصة “الفايسبوك”، صنعت صور جنازته أمس بدورها سبقا عالميا، من كثرة تداولها على منصات التواصل الاجتماعي، الأربعاء.

أنسبُ ردٍّ على الحاقدين

الجنازة التاريخية التي أقامها الشعبُ الجزائري عفويا، الأربعاء، للفريق أحمد قايد صالح والتي سار فيها مئات الآلاف من المواطنين في شوارع الجزائر العاصمة لتوديع القائد وتشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، هي ردٌّ بليغ على كل الحاقدين الذين لم يتحلوا بأخلاق الإسلام، ولم يتورّعوا عن الشماتة في وفاة قايد صالح رحمه الله، وأطلقوا العنان لألسنتهم المليئة بالكراهية والبغضاء لتتناوله بكل سوء.. لا لشيء إلا لأنّ القايد رحمه الله حرم هذه الأقلية التغريبية من فرصة الحكم بلا انتخابات والذهاب إلى مرحلة انتقالية ومجلس تأسيسي تعيد فيه صياغة أسس الدولة الجزائرية وهويتها كما يحلو لها.
مئاتُ الآلاف من المواطنين ساروا في شوارع العاصمة مردّدين: “الجيش الشعب خاوة خاوة والقايد صالح مع الشهداء”.

ثاني جنازة ضخمة في تاريخ الجزائر

تُعدّ جنازة المرحوم أحمد قايد صالح، الأربعاء، هي ثاني أكبر جنازة ضخمة تُنظّم بالجزائر بعد جنازة الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله الذي توفي في 27 ديسمبر 1978 وحظي بوداع شعبي كبير؛ إذ توافد مئات الآلاف من الجزائريين على شوارع العاصمة لتشييعه آنذاك، وهو ما تكرّر الأربعاء.
يُذكر أن جنازة رائد النهضة الإسلامية عبد الحميد بن باديس قد حظيت أيضاً بتشييع شعبي كبير؛ إذ شيّعه عشرات الآلاف من سكان قسنطينة والولايات المجاورة إثر وفاته في أفريل 1940.

وزارة الدفاع تستقبل تعازي المواطنين بـ”صافكس”

فتحت وزارة الدفاع الوطني على مستوى جناحها بمعرض الإنتاج الجزائري في طبعته الـ28، بقصر المعارض “صافكس”، سجلَّ التعازي أمام المواطنين الذين يتهافتون بقوة منذ الاثنين الماضي على جناح المؤسسة العسكرية، حيث يتم استعراض أحدث ما توصّلت إليه صناعة الجيش، ويقوم الزائرون بكتابة تعازيهم في سجلٍّ خاص، فُتح إثر رحيل رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، نائب وزير الدفاع الوطني المرحوم الفريق أحمد قايد صالح، تزامنا مع اليوم الثالث للمعرض الذي سيستمر إلى غاية 30 ديسمبر الجاري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • guelmi

    يقول الله تعالى في كتابه العزيز "" ومن احياها كمن احيا الناس جميعا"" اي النفس ...فقد صان الجزائر و لم ترق قطرة دم واحدة فقد طبق قوله تعالى وحفظ ارواح الجزائريين .وقاد البلاد الى الامان باذن الله والاستقرار انشاء الله نكالا في الذين يحقدون على الجزائر و ارادوها فرقة وخرابا ..اللهم اجعل هذا البلد امنا وارزقه من الثمرات ....اللهم ارحم احمد قايد صالح والحقه بالصالحين امين يا رب العالمين ..

  • كمال

    هكذا هم الرجال العظماء يعيشون أبطالا ويمتون أبطالا ، بعد هذه المشاعر فلتخرس الألسن الحاقدة في لندن وباريس لقد شمتو في الأموات ووصل بهم الحد الى دعوة الناس الى عدم الترحم، انها قمة الخساسة والدناءة من شخص يدعي أنه دبلوماسي سابق يحمل حقد دفين ، لكن قد كشفه الله في هذه المصيبة التي ألمت بالشعب الجزائري ، لقد تجرد هذا المخلوق من كل قيم الانسانية والقيم الدينة التي تميز الانسان المسلم ونتوقع أن تكون نهايته أليمة وأشفق عليه من عذاب يوم عظيم ، اللهم ارحم هذا البطل واجلعه من أهل الفردوس الأعلى .

  • الطيور النادرة

    لعلّ هذه الجنازة المليونية لعمي صالح المصلح
    تعبر عن حديث القدسي التالي،
    ((إذا أحب الله العبد نادى جبريل:
    إن الله يحب فلانًا فأحببْه فيحبه جبريل،
    فينادي جبريل في أهل السماء:
    إن الله يحب فلانًا فأحبوه،
    فيحبه أهل السماء،
    ثم يوضع له القبول في الأرض))؛
    متفق عليه.
    جعله الله عمي صالح منهم وإيانا ووليدينا وولدي والديينا -- آمين،آمين...

  • محمد

    أخبروا الخونة
    أن هولاء أسود وليسوا ذباب
    اخبروهم أنهم لم يخرجوا طمعا في المناصب
    اخبروهم انهم لم يخرجوا لأجل الاحتكاك بالإناث
    اخبروهم أنهم لم يخرجوا للرقص والغناء
    اخبروهم أنهم لم يخرجوا لإسقاط_النظام
    اخبروهم أنهم لم يخرجوا خدمة للماسونية
    اخبروهم أننا لم يخرجوا لأجل الديمقراطية
    اخبروهم أنهم خرجوا لتشييع بطل قدم حياته للوطن
    اخبروهم أنهم خرجوا لتوديع رجل علمنا معنى الوطنية
    اخبروهم أنهم خرجوا للترحم على أسد صدق ما عاهد الله عليه
    اخبروهم أنهم خرجوا لنيل قيراط أو قيراطين
    اخبروهم أنهم لم يخرجوا لرفع شعارات سياسية أو رايات عنصرية
    بل رفعوا دعاءهم لرب السماوات بأن يغفر ويرحم قائدنا