-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وداع رمضان: مشاعر وهموم

سلطان بركاني
  • 246
  • 0
وداع رمضان: مشاعر وهموم

يوم أو يومان، ويرحل ضيفنا العزيز الذي قصّرنا في حقّه، لكنّه لم يقابل تقصيرنا في حسن ضيافته بالمثل، بل أحسن ضيافتنا وعلّمنا أنّ الحياة في كنف طاعة الله أحلى، وأنّ الأيام والليالي بالصيام والقيام وقراءة القرآن وبذل الصّدقات أهنأ وأسعد. وجعلنا نعيش مصداق قول الله تعالى: ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُون)). وقرع قلوبنا بأنّ أيامنا مثل أيامه؛ قصيرة وقليلة ومعدودة، وأنّ أعمارنا مثل هلاله؛ يبدأ صغيرا، ثمّ يكبر حتى يستوي بدرا، ثمّ يأخذ في النقصان مرّة أخرى حتّى يختفي.

علّمنا رمضان -كذلك- أنّ الدّنيا كلّها بمآكلها وشهواتها ومُتعها، ظلّ زائل، وذكّرنا بأنّ القيام أحلى من النّوم، وأنّ الجلوس مع القرآن هو أمتع وأنفع جلوس، وأنّ متعة البذل والعطاء أعظم بكثير من متعة الإمساك والجمع. ونبّهنا إلى أنّ الصيام ليس عملا شاقا كما كانت تصوّر لنا أنفسنا الأمّارة بالسّوء، وأنّ القيام ليس طاعة خاصّة بالشّيوخ والعجائز، وأنّ العطاء ليس خاصا بالأغنياء وأنّه لا يحتاج إلا إلى قرار وعزم.

أيام قليلة ويرحل رمضان الذي علّمنا -بإذن ربّه- هذا وغيره، لينقص رمضانُ آخر من أعمارنا، لا ندري لعلّه رمضان الأخير.. قد يكون رمضانَ العشرين أو الثلاثين، وقد يكون رمضان الستين أو حتى السبعين الذي عشناه في هذه الدّنيا.. لا نعلم كم رمضانَ منها كان شاهدا لنا عند الله، وكم منها كان شاهدا علينا؟ كم رمضان أثنى علينا خيرا عند الله، وكم رمضانَ شكا حالنا معه إلى الله؟ نحن لا ندري ولا نعلم، لكنّنا نستطيع أن ننظر: ما الذي غيّره رمضان في حياتنا؟ هل جعلنا نقترب أكثر إلى مولانا وخالقنا كلّ عام؟ أم إنّه كان في كلّ مرّة يأتي ويرحل ويترك قلوبنا وأحوالنا كما هي لم يتغيّر فيها شيء؟

أخي المؤمن: ربّما شعرت بالندم على ما فرطت في جنب الله، وبالتقصير في حقّ رمضان. عد الآن وتب من التفريط والتقصير.. اجعل الله يرى من قلبك النّدم والحسرة.. أظهر الذلّ والانكسار أمام مولاك.. أظهر له شكواك من نفسك الأمّارة بالسّوء التي حرمتك خيرات ورحمات رمضان.

ربما يأتي رمضان العام المقبل وأنت هناك في دارك تحت الأرض، تتمنّى أن تُردّ إلى الدّنيا لتعيش يوما واحدا من رمضان.. يقول الإمام ابن الجوزيّ -رحمه الله-: “تالله لو قيل لأهل القبور تمنوا لتمنوا يوما من رمضان”.. فاتخذ قرارك أن تحسن وداع رمضان ليشهد لك عند الله ولا يشهد عليك، وليثني عليك خيرا ولا يشكوك إلى خالقه.

بعد يومين أو ثلاثة، في يوم العيد، تكون قوائم الفائزين برمضان وقوائم الخاسرين قد أعدّت، ففي أيّ قائمة سيكون اسمك؟ هل ستفرح يوم العيد بتوفيق الله لك لحسن استغلال رمضان، أم إنّك ستفرح فقط بكسوة الأبناء وبالحلويات التي تزيّن المائدة في بيتك؟ هل ستفرح بأنّك صمت ثلاثين يوما إيمانا واحتسابا لم تفسد صيامك بكلمة زور أو غيبة أو إساءة أو نظرة محرّمة أو دينار من حرام أكلته في راتبك أو ربح تجارتك؟ هل ستفرح بأنّك قمت ثلاثين ليلة مع الإمام إلى آخر تسليمة، وصليت التهجّد 10 ليال، ودعوت الله وقلبك خاشع وروحك خاضعة؟ هل ستفرح بأنّك ختمت القرآن مرة واثنتين وثلاثا؟ هل ستفرح بأنّك تصدّقت وأنفقت وأفرحت قلوبا يعلم الله عددها؟

أيام معدودة ويرحل رمضان.. والهمّ الأكبر الذي ينبغي أن نحمله في هذه الأيام هو كيف نحسن وداع رمضان؟ وهل ترى تقبّل الله منّا رمضان؟ فالعبرة ليست بالأعمال، إنّما هي بالقبول، والله تعالى يقول: (إنّما يتقبّل الله من المتّقين)).

من أراد أن يعلم إن كان الله قد قبل صيامه وقيامه وتلاوته وصدقاته، فلينظر إلى حاله بعد رمضان، فإن رأى من نفسه الثّبات على طاعة الله، فليعلم أنّ الله قد تقبّل منه، وإن رأى أنّه قد ترك الطّاعات مع أوّل يوم من شوال، وعاد إلى الصلاة في بيته، وهجر المسجد مرّة أخرى، وعاد إلى هجر القرآن، وإلى النّوم عن صلاة الفجر، فليعلم أنّ الله قد ردّ عليه عمله؛ فمن علامات قبول الحسنة الحسنةُ بعدها، ومن علامات ردّ الحسنة السيّئة بعدها.

ليكن الهمّ في هذه الأيام الثّبات بعد رمضان.. أن يعاهد الواحد منّا رمضان على أن يثبت على الصّلاة وتلاوة القرآن والصّدقات، حتّى يعود رمضان مرّة أخرى بإذن الله فيجدَه على ما تركه عليه. أو يلقى الله وهو ثابت على العهد.. إذا كان رمضان سيرحل، فإنّ ربّ رمضان الذي نصلّي له ونعمر بيوته ونتلو كلامه حيّ قيوم لا يموت.. الملائكة التي تكتب أعمالنا في رمضان ستبقى تكتبها بعد رمضان.. وصحائفنا التي تكتب فيها الحسنات والسيئات ستبقى مفتوحة بعد رمضان.. المساجد لن تغلق أبوابها بعد رمضان، والمصاحف لن تُمحى حروفها بعد رمضان، والفقراء الذين كنّا نتصدّق عليهم في رمضان، سيظلّون ينتظرون إحساننا بعد رمضان.. أبواب التوبة لن تغلق بعد رمضان، وفرص المغفرة والعتق من النّار سيبقى كثير منها بعد رمضان. الطّريق التي تؤدّي إلى الجنّة لن تغلق بعد رمضان، وكذلك الطّريق التي تؤدّي إلى النّار.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!