وزراء يرأفون بالشعب؟
مرة أخرى عادت وزارة الشؤون الدينية لتضع فوق الطاولة رسالة “أوامر” للمقرئين حتى لا يُطيلوا في صلاة التراويح، وتحت الطاولة رسالة للمصلين حتى يقدموا شكواهم بأي إمام يرتّل القرآن ترتيلا ويُعطي للآيات معناها اللغوي والروحي بتدبّر وبصيرة، خاصة إذا زاغ لسانه نحو القراءات غير الورشية ضمن اجتهادات وزارة الأوقاف التي قد تضمن لها أجر الاجتهاد ويبقى أجر التوفيق في علم الغيب..
-
ووزارة الشؤون الدينية التي لم يسبق لها وأن نصحت الجزائريين بأداء صلاة الجمعة الجامعة لكل الناس ولا الصلوات المفروضة جماعة وفي وقتها وفي المسجد رأفت هذه المرة بالملايين الذين جعلوا من صلاة التراويح أكبر ملتقى يجمع الجزائريين من كل الأعمار والمستويات فنافسوا وتغلبوا في عددهم وفي نوعيتهم بالتأكيد الجموع التي تؤمّ المهرجانات الفنية وملاعب الكرة، حيث لا قرآن ولا سنة ولا حتى الكلام العادي، وكانوا في زمن الإرهاب وحدهم من قاوموا عصابات الموت وتحدوهم بكسر حظر التجوال الذي كان مفروضا على أصحاب ربطات العنق وعلى الجزائريين عموما من سلطة وشعب فبقيت التراويح وحدها صامدة برجالها ونسائها الواقفين.
-
توفير المكيفات في المساجد والتغطية الصحية وتأمين سيارات المصلين هو مطلب الملايين الذين يلتقون من أجل أن يختموا كتاب الله في أكبر احتفالية وأصدقها تجمع الجزائريين لمدة زمنية طويلة من دون رفث ولا فسوق، وإذا كنا لم نسمع في حياتنا بأن وزارة الثقافة طلبت من مغنيي المهرجانات أن لا يطيلوا في وصلاتهم الغنائية حتى لا يُتعبوا “مسلان” الراقصين والراقصات، ولم نسمع أن وزارة الرياضة طالبت من حكام المباريات الكروية أن لا يمدّدوا في زمن المباريات حتى لا يرهقوا “حنجرة” الهاتفين باسم هذا النادي أو ذاك اللاعب، فإننا لا نفهم لماذا تجعل وزارة الأوقاف في كل رمضان محور اهتمامها إطالة بعض المقرئين التلاوة والترتيل وشدّ الناس في الاستماع لكتاب الله مرّة في السنة، رغم علمها وعلم الناس الذين رأفت بهم بأن التراويح سُنّة يمتلك مؤديها حرية الممارسة وكيفيتها ومكان الممارسة، كما أن المقرئ لا يقدّم كلاما من نُسج اجتهاده وإنما قرآنا خالصا منزّلا، والمصلي ليس في حاجة إلى أي نصيحة فهو من يختار كيفية الصلاة إن أتعبه المقرئ بين الجلوس أو اختيار جامع آخر وحتى أداءها بمفرده في البيت بالتلاوة والآيات التي يراها مناسبة لصحته.
-
الجزائريون الذين يقفون في طوابير البريد لتسلم مرتباتهم بالساعات، ويقفون في طوابير التشغيل طمعا في أن يبزغ في وجههم أمل العمل بالساعات، ويقفون في طوابير التأشيرة من أجل رحلة إلى دول الغرب والشرق بالساعات، ويقفون الآن أمام المحلات طلبا للحم 450 دج الذي عنه حدثتهم وزارة التجارة ولم يجدوه بالساعات، أشفقت عليهم وزارة الشؤون الدينية أن يقفوا ساعة زمن يسمعون لكتاب الله مع إخوانهم من الأثرياء والفقراء ومن الصغار والكبار في صف واحد يصوّر حقيقة أن الجزائريين فعلا كالبنيان المرصوص الذي حباه الله بهوية واحدة ودين واحد يشدّ بعضه بعضا منذ أن كان يصلي الأمير عبد القادر وهو في سن العاشرة بأهل معسكر التراويح عام 1818م بزاوية والده محي الدين، ومرورا بصلاة الإمام عبد الحميد بن باديس بأهل قسنطينة التراويح وعمره دون الثالثة عشرة عام 1902م بمسجد سيدي قموش، إلى أن أصبحت التراويح عام 2011 المهرجان الديني الكبير الذي حوّل المسجد إلى جامع لكل فئات الشعب من دون استثناء.
-
دعونا نصدق أن وزارة الشؤون الدينية رأفت بالملايين المؤدين لصلاة التراويح ودعونا نأمل في أن ترأف بنا بقية الوزارات من وقوف العمر كله وليس ساعة من الزمن بحثا عن مسكن لائق ووظيفة كريمة، بل عن حياة وكفى.