الرأي

وفاء بوديسة ليست وحدها

حسين لقرع
  • 1073
  • 5
ح.م

من الطبيعي أن يثير موت الطبيبة وفاء بوديسة بمستشفى راس الواد ببرج بوعريريج بوباء كورونا، وهي حامل في شهرها الثامن، استهجانا واسعا لدى المواطنين الذين آلمهم أن يتعامل مدير المستشفى باستخفافٍ مع طلبها الخروج في عطلة حفاظا على جنينها ويرغمها على مواصلة العمل، ما أدَّى في النهاية إلى وفاتهما معاً، ليتحمَّل المدير مسؤولية هذه المأساة التي ترقى إلى أن تكون جريمة قتلٍ غير متعمّد.

غير أنّ وفاء ليست وحدها من ذهب ضحيّة الإهمال والتسيّب المفضي إلى الموت بسبب كورونا، فهناك 548 حالة وفاة، ونحو 11 ألف شخص يعالَجون منه في المستشفيات، أزيدُ من 7 آلاف منهم تأكّدت إصابتُهم بالفيروس الخطير، وكلهم ضحية أناس آخرين نقلوه إليهم، وفي مقدّمتهم أقرب الناس إليهم، لنتذكر فقط بداية ظهور الوباء وكيف نقل مغتربون عائدون من فرنسا الفيروس إلى أفراد عائلاتهم وأقاربهم في بوفاريك وتيزي وزو وبجاية والبرج وسطيف وقسنطينة وسكيكدة… ومدن أخرى، ومنهم انتقل الفيروس الآن إلى آلاف الجزائريين، وقد كان بالإمكان تفادي ذلك لو أخضِع كلُّ المغتربين العائدين إلى الوطن للحجر الصحي منذ الأيام الأولى لظهور المرض، بسبب ظهور بؤرٍ له في فرنسا، كما كان بإمكان هؤلاء المغتربين تفادي نقل العدوى إلى أقاربهم لو التزموا بالقواعد النبوية الخاصّة بالحجر الصحي، ولم يخرجوا من أرضٍ بها وباء، وهي القواعد الراسخة التي أشاد بها الإعلامُ الأمريكي والغربي اليوم وتناولها بكثيرٍ من الإعجاب والإكبار.

اليوم يتفشى المرض وتسجّل وزارة الصحة قرابة مائتي إصابة يوميا، ومع ذلك تستمرّ اللامبالاة ونجد ازدحاما كبيرا في الأسواق، وأمام المحلات لاقتناء لوازم حلويات العيد، كما يخرق الكثير من الشبان حظر التجوال ويخرجون للسهر جماعيا إلى غاية ساعات متأخرة من الليل ولو أمام عماراتهم، أليس هذا استخفافاً بالوباء القاتل الذي يمكن أن يلتقطوه وينقلوه إلى أفراد عائلاتهم ليتسبّبوا في هلاك بعضهم؟ ما الفرق إذن بين مدير مستشفى راس الواد الذي تسبّب في وفاة الطبيبة وفاء برفض منحها عطلة، وكلِّ من نقل الفيروس إلى والديه وإخوته وأقاربه وربّما جيرانه وكلّ من احتكّ بهم، باستخفافه وعدم احترامه تدابيرَ الحجر والتباعد، وتسبّب في وفاة المئات منهم وإصابة الآلاف؟

ما حدث في مستشفى راس الواد بالبرج، يحدث مثله إذن في كل لحظة في شتى أنحاء الوطن بأشكالٍ متباينة، لكنّها تنمّ كلها عن الاستخفاف بالروح البشرية وتعريض حياة الناس إلى الخطر، عن سوء تقدير أو عن جهل وعدم وعي.. المهمّ أنّ النتيجة واحدة وتُنذر بعواقب وخيمة إن لم نتحلَّ بالحذر واليقظة لاسيما في أيّام العيد. ينبغي أن نتذكّر دائما أن الكثير من الدول التي تعدّ إصاباتها بمئات الآلاف اليوم، بدأت كلها بإصاباتٍ قليلة، ثم انتقلت العدوى إلى المئات بسبب التهوين من شأنها وعدم احترام إجراءات الحجر، ثم إلى الآلاف فمئات الآلاف، إلى أن خرجت الجائحة عن حدود السيطرة وألحقت بها أضرارا بشرية واقتصادية ضخمة؛ فقتلت عشرات الآلاف من أبنائها وشلّت إنتاجها وأفقدت ملايين العمال وظائفهم، وأصبحت هذه الدول تتخبّط: هل تواصل الحجر لتجنّب الأسوإ، أم ترفعه لإنقاذ اقتصادياتها من الانهيار، فتزيد المرضَ استفحالا وانتشارا؟

يقال إن العاقل هو من اتّعظ بغيره، ولا نعتقد –للأسف الشديد- أنّ هذه الحكمة قد وجدت طريقها إلينا. اللهم ارفع عنّا هذا الوباء.

مقالات ذات صلة