-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

وماذا بعد مسابقة ملك الجمال؟!

سلطان بركاني
  • 1785
  • 2
وماذا بعد مسابقة ملك الجمال؟!

خصال كثيرة كانت موجودة بيننا في سنوات وعقود مضت، فقدنا كثيرا منها في أيامنا هذه وانقرضت من بيننا ولم نعد نشمّ لها رائحة ولا نجد لها أثرا.. وخصال أخرى بدأنا نفقدها، وإذا استمرّ السّقوط والانحدار في واقعنا فربّما تصبح أندر من الكبريت الأحمر.. ولعلّ من أكثر هذه الخصال التي تبكي القلوب الحية ألما على انحسارها: الرّجولة في الرّجال، والحياء في النّساء.. نحن لا نعمّم؛ فبين شباب الأمّة رجال بحقّ، وبين نسائها حرائر أبيّات حييات قدوتهنّ خديجة وفاطمة وعائشة وحفصة.. ولكنّنا نتحدّث عن واقع كثير من شبابنا الذين ما عادت الرّجولة تعني لهم شيئا كبيرا، وعن كثير من فتياتنا اللاتي أصبح الحياء بالنّسبة إليهنّ موضة قديمة تدعو إلى السخرية والتهكّم وتدلّ على ضعف الشّخصية والتخلّف.
ما عدنا نبحث في واقعنا عن نماذج تذكّرنا بشباب الصّحابة الذين تربّوا أشبالا قبل أن يكونوا ليوثا؛ ما عدنا نطمع في وجود أمثال الحسين بن عليّ وعبد الله بن الزبير وأسامة بن زيد، إلا أن يهيّئ الله للأمّة من أمرها رشدا، إنّما أصبح غاية ما نتمنّاه أن يحتفظ شبابنا برجولتهم ونرى عليهم أماراتها..
لقد حُقّ لنا ونحن نرى حال كثير من شباب الأمّة في هذا الزّمان، أن نبكي عندما يمرّ بنا قول الله تعالى: ﴿مِنَ المُؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ فَمِنهُم مَن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبدِيلاً﴾ (الأحزاب)، وقوله سبحانه: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم﴾، وقوله جلّ وعلا: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.. حقّ لنا أن نذرف الدّموع حرّى ونحن نستذكر قول حبيبنا المصطفى -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيُجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه”، حقّ لنا أن نبكي هذا الحديث ونحن نسمع عن شبابنا بمن يترك منهم الصّلاة لأنّه لا يستطيع أن يغتسل من الجنابة عند صلاة الصّبح، ومن يترك الصّلاة لأجل فتاة عابثة ألهته عن دينه ودنياه، نسمع عن شباب يرفضون العمل حتّى لا ينشغلوا عن هواتفهم وعن تصفّح المنشورات والرّسائل، ومن يرفض الأشغال الشاقّة ويبحث عن الأعمال السّهلة!
أمّا في أوساط فتياتنا ونسائنا، فحُقّ لنا أن نذرف الدّموع حرّى ونحن نقرأ قول الله تعالى: ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾، ونستذكر قصّة تلك المرأة التي أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله! إني أُصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: “إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك”، فقالت: “أصبر، ولكنّي أتكشف، فادع الله لي ألا أتكشف”، فدعا لها؛ امرأة حييّة تصبر على الصّرع، ولكنّها لا تصبر على التكشّف، على الرّغم من أنّ ذلك ليس بيدها! نبكي هذا وذاك ونحن نرى كثيرا من فتيات ونساء المسلمين يزددن كلّ عام تكشّفا، ويرفعن أصواتهنّ عاليا في الشّوارع والأسواق ويضحكن بأصوات تصمّ الآذان، ويشاحنّ الرّجال ويمازحنهم، في الواقع وفي المواقع، وإذا ما وُعظت إحداهنّ في الحياء، سخِرت واستهزأت وأصرّت واستكبرت!
كنّا قبل سنوات نشكو إلى الله الاختلاط المبتذل في المدارس والجامعات والإدارات، ونتوجّس من نتائجه، ثمّ ها نحن الآن نشهد ابتذالا آخر أشدّ على الإنترنت ومواقع التواصل والمجموعات على الفايسبوك، تلك المجموعات التي قضت على ما بقي من رجولة عند كثير من شبابنا وذبحت ما بقي من حياء عند بعض فتياتنا!
شئنا أم أبينا فقد أصبحت الإنترنت واقعا آخر يعيشه كثير من شبابنا، أهمّ عندهم من الواقع الحقيقيّ، يعطونه وقتا أكثر من الوقت الذي يعطونه دراستَهم وأعمالهم، ويهتمّون به أكثر من اهتمامهم بواقعهم المعيش ومستقبلهم.. أصبح الهاتف لا يفارق يد الشابّ المسلم ويد الفتاة المسلمة إلا قليلا، ويظلّ ملتصقا براحة اليد تداعبه الأنامل إلى ساعات متأخّرة من اللّيل.
شباب تخلّوا عن كلّ قيم الرّجولة والمروءة في مجموعات الفايسبوك، وتدنّت هممهم إلى الأرض وما عاد يشغل الواحد منهم غير اصطياد الغافلات الفارغات، وغير إشاعة وتتبّع منشورات تافهة لا قيمة لها على المجموعات، يستجلبون بها الإعجابات والتعليقات والنقاشات التي كثيرا ما تبدأ على العامّ لتنتهي في الخاصّ! شباب لا همّ يشغلهم غير نشر صورهم لينالوا الإعجاب والإطراء ويُقال لهم: “بوقوص، شْباب، حبّة، آرتيست…”، ويا لنكبة الأمّة في شابّ محسوب على الرّجال يفرح حينما يقال له: “راك بوقوص، راك زين”.. قبل عقود من الزّمان كان الرّجال يتباهون بالخشونة، وها هم الآن يتباهون بجمال ونعومة الوجوه التي لا تختلف كثيرا عن وجوه النّساء.. ومع شيوع ثقافة “التنوعيم” كان متوقّعا أن نُفجع بمسابقةٍ لملك جمال الجزائر.. هذا ما كان متوقّعا حينما أصبح بعض شبابنا يقصدون محلات التجميل لتبييض وتلميع الوجوه، ويَؤمّون محلات الحلاقة لأجل تسريحات تكلّف آلاف الدنانير؟ هذه هي النّتيجة حينما أضحى بعض شبابنا يشترون موادّ التجميل مثلهم مثل النّساء! وغدَا بعض شبابنا يلبسون الضيّق ويتمايلون في مشيتهم وكلامهم.. ربّما لم يكن “براين سايكس” أستاذ علم الوراثة بجامعة أكسفورد البريطانية مخطئا حينما توقّع في كتابه “مستقبل بلا رجال” أنّ ضعف الرجال سيزداد شيئًا فشيئًا حتى يصبحوا عاجزين عن لعب أي دور مؤثر في الحياة، ولا حتى دورهم الأزلي في الإبقاء على النوع البشري.
كثير من شبابنا سقطت هممهم واستسلموا للواقع وأصبح حلم الواحد منهم أن يتزوّج امرأة عاملة بعد رحلة طويلة يقضيها مع العاطلات والفارغات، وأضحى قائلهم يقول من دون حياء: “ندّي امرأة تخدم عليّ، وأنا نقعد في الدار”.. تشير بعض الإحصاءات أنّ ثلث الأسر تعولها الآن نساء.. هناك زحف نسائيّ على مختلف مناحي الحياة، وبعض الرّجال بدل أن يصمدوا ويتشبّثوا برجولتهم، إذْ بهم يتخلّون عنها، ويميلون بطباعهم وسلوكهم وتصرّفاتهم إلى الأنوثة والتخنّث.
لقد انقلب الوضع رأسا على عقب؛ فبعد أن كانت الأنثى تقلد الرجل في ملبسه وتصرّفاته، تغير الحال وأصبح الشاب يقلد الأنثى ويزداد رقة وانكسارا عاما بعد عام.. شباب في الثلاثينات كأنّهم أطفال في الثانية عشر أو الخامسة عشر، بل إنّ بعضهم كأنّهم فتيات في تصرّفاتهم وطيشهم وعبثهم! أسماؤهم أسماء رجال، لكنّ صورهم وتصرّفاتهم صور وتصرّفات فتيات.. شباب بيض الوجوه، يطوّقون أعناقهم بالسلاسل والقلائد، ومنهم من يلبس إسورة حول معصمه، ومنهم من يضع الملمّع على شعره ووجهه ويضع الملوّن على شفتيه!
ما الذي أصاب هؤلاء الشّباب؟ هل أصبحت الرّجولة عيبا عندهم؟ آباؤهم فرحوا بولادتهم رجالا، وختنوهم وأقاموا لذلك الولائم، ثمّ إذا بهم بعد ذلك يتخلّون عن رجولتهم! يقول الأديب الإنجليزيّ “وِلْيَامْ شكسبير”: “أن تولد ذكرا فهذا قدرك، أما أن تكون رجلا فهذا صنع يداك”… يتبع بإذن الله.
هذا الذي نتحدّث عنه ويؤرّقنا، أصبح بلاءً عالميا، لكن أن يصل إلى أمّة الفتوحات، فتلك والله نكبة عظيمة.. الصين تخطّط حاليا لإضافة مادة عن “الرجولة” في المناهج الدراسية الأولى، بعد أن لاحظ المسؤولون أن فتيان هذا الجيل أصبحوا ناعمين وأنثويين وحساسين أكثر من اللازم.. هذا بلد شيوعيّ يخطّط للحفاظ على رجولة الرّجال، فلأيّ شيء نخطّط نحن في بلاد المسلمين؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ملاحظ

    والله انها مصيبة عظيمة..يعني المرء في هذا الزمان على 'ما اظن' اذا استطاع ان يربي من يعول تربية سليمة فقد ادى ما عليه وزيادة..اللهم يا رب وفقنا و اهدنا لصالح الاعمال فانه لا يهدي لصالحها الا انت..اللهم امين

  • بوعلام

    أشكر الاستاذ بركاني على هذا المقال الرائع، يجب أن نحارب هذا المشكل لأنه أصبح أفة اجتماعية.