الرأي

ومن يغفر للبابا؟

ح.م

من خرافات النصرانية أن المرء مهما يرتكب من سيئات ويقترف من معاصي، ولو كانت مثل زبد البحر، ورمال الصحراء، ثم ذهب إلى امرئ مثله، مهما يكن مبلغه من العلم والورع، ويجلس أمامه، ثم يعترف له بما اقترف من آثام “غفر” له ذلك المرء المسمى “رجل الدين” تلك الآثام، وصار كيوم ولدته أمه.
فإن استزلّه الشيطان، ولابد أن يستزلّه، وفعل الأفاعيل، رجع إلى “رجل الدين” وقد يدفع ثمنا لينال صك الغفران.. وهكذا تتعدد الخطايا، وتتكرر الصكوك.. فالتجارة رابحة..
إن من أكثر ما يدفع كثيرا من عقلاء النصارى إلى ترك النصرانية واعتناق الإسلام هو هذا الذي يسمونه “الاعتراف”. (Confession)، ذلك أن الإسلام الحنيف يقول لكل إنسان أخطأ، ولابد أن يخطئ، “فكل بني آدم خطّاءون”، يقول له: استغفر لذنبك، وتب إلى ربك، فهو أقرب إليك من حبل الوريد، وهو لا يحتاج إلى وسيط، ولا أنت في حاجة إلى ذلك، وكلّمه بأي لسان، فكل الألسنة من آياته… فإن فعلت ذلك مخلصا، تائبا، نادما على ما فعلت، عازما على أن لا تعود لمثل ما ارتكبت: غفر لك وتاب عنك ولا يبالي، وإن بلغت ذنوبك عنان السماء، فمن صفاته وأسمائه “الغفور – التواب..”.
ذكر القسيس المصري إسحاق هلال سميحة أنه ذهب إلى كنيسته ليؤدي صلاته، وليسمع في كرسي “الاعتراف” من الناس خطاياهم، و”يغفرها” لهم.
جاءته امرأة شاكية باكية، معترفة أنها جاءت شيئا فريّا، وارتكبت أمرا إدّا، وقالت له: “إني أمام “قداستك” أعترف لك رجاء أن تغفر لي، وأعاهدك أن لا أعود لذلك أبدا”. ومن عادة القوم في مثل هذه الأمور أن يرفع القسيس الصليب أمام المعترف فتُغفر خطاياه..
قال القسيس: لما فعلت ذلك ورد على ذهني الآية القرآنية: “قل هو الله أحد…” فانفجرت باكيا، وقلت: هذه المرأة جاءت لتستغفرني، وأنا من يغفر لي خطيئاتي؟
توجه القسيس إلى من هو أكبر منه مقاما ورتبة وقال له: “أنا أغفر خطايا الناس، فمن يغفر لي خطاياي؟ فقال كبيره: يغفرها لك البابا.. فانفجر في وجهه قائلا: “ومن يغفر للبابا خطاياه؟”.
رد كبير القسيسين: أنت مجنون… ثم صدر قرار بوضع هذا القسيس “الفاسد” في السجن بأحد الأديرة.. وعذّب عذابا نكرا، وأسمع أذى كثيرا، وفعل به ما أستحي من ذكره.
وبعد عدة ابتلاءات، وفتن أعلن القسيس إسحاق هلال سميحة إسلامه، فازددت ابتلاءاته من طرف الكنيسة، وأهدر دمه، وأطقت عليه النار، فأصيب في كليته اليسرى التي استأصلت… وانتحر أبواه ولكنه ثبت بفضل الله، الذي يثّبت الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة، فاللهم يا مقلب القلوب ثبتنا على دينك. (انظر القصة وتفاصيل أخرى في كتاب: “هذا هو القرآن العظيم” للدكتور محمد بن موسى الشريف).
وأذكر القارئ أن من أسباب تمرد القسيس مارتن لوتر على الكنيسة الكاثوليكية وإنشاء ديانته المسماة البروتستانتية هو هذه الخرافة المسماة الاعتراف. فاللهم لك الحمد على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.

مقالات ذات صلة