الرأي

“يتنحاو قع” في لبنان

حسان زهار
  • 2205
  • 6
ح.م

أظهر حراك لبنان الشقيق، ضد الطائفية والتخلف، دروسا ملهمة من الواجب علينا كجزائريين الوقوف عندها لاستلهامها، تأثرا وتأثيرا، تماما مثلما نقوم حاليا بمحاولة استلهام التجربة التونسية، على اعتبار ان بلدان الوطن العربي كلها ضمن جسد واحد متحرك، وعلى رأي شاعرنا الكبير أحمد شوقي:

قد قضى الله أن يؤلِّفنا الجرحُ، وأَن نلتقي على أَشجانه

كلما أَنّ بالعراقِ جريحٌ لمس الشرقُ جنبه في عُمانه

لكن قبل أن نحاول استلهام ما حدث، من الطبيعي أن نشير بالفخر أن الجزائر باتت هي من تلهم غيرها، فقد تحرك الماليون بعد اندلاع الحراك الجزائري، وتظاهروا بالآلاف ضد المصالح الفرنسية والتواجد العسكري في بلادهم، وتشجع الأفارقة الآخرون، وتظاهروا في فرنسا نفسها ضد الاستغلال الفرنسي لثروات بلدانهم، وتحرك العراقيون ضد الظلم، وكونوا حراكا عراقيا ضد النفوذ الايراني، وها هو لبنان الجميل يلتحق بهذه الروح الحراكية الجزائرية، محاولا الاستفادة منها، ومن إصرار الجزائريين وثباتهم في الشارع.

اللبنانيون اليوم، يقولون بصوت واحد “كلن يرحلوا كلن” مترجمين بذلك العبارة الجزائرية التي جابت الكرة الأرضية ووصلت الى ضفاف الصين وتايوان (يتنحاو قاع)! حيث لم يعودوا يثقون في نظام المحاصصة الطائفية، الذي رسخه لهم أمثال الأخضر الابراهيمي، وها هم يكفرون الآن، بكل الطوائف والاثنيات، ويكفرون بالحريري ونصر الله وميشال عون، وجعجع وجنبلاط وغيرهم من ساسة المحاصصة الطائفية المقيتة.

وقبل سنوات خرج اللبنانيون أيضا، كما خرج الجزائريون ليقولوا لمنظومتهم الفاسدة “بركات”، لكن بطريقتهم وعبر شعارهم المذهل “طلعت ريحتكم” بعد أن حاصرت الزبالة شوارع لبنان من أقصاه إلى اقصاه، وعجزت الحكومة ان تواجه أزمة النفايات.. بينما النفايات الحقيقية كانت في السراي وقصر بعبدا.

ومع ذلك من المهم الوقوف عند ملاحظتين كبيرتين بعد الذي شاهدناه خلال الأيام الأولى من حراك لبنان.

الأولى، وهو أمر مؤسف حقا بالنسبة لنا، ذلك أن اللبنانيين، على اختلاف دياناتهم ومذاهبهم، بل وأعراقهم واجناسهم، ونحلهم ومللهم، اختاروا أن يرفعوا علما واحدا هو العلم الوطني اللبناني، كعلامة للوحدة، ونبذ الطائفيات والأحزاب، حيث أن لكل طائفة او حزب علم وراية خاصة، الأمر الذي فشل فيه الجزائريون للأسف الشديد، حيث ورغم وحدتهم الدينية، وتماسكهم كشعب لم يسبق له أن قاتل بعضهم بعضا بشكل واضح وصريح كما حصل في لبنان، ومع ذلك رأينا في الحراك الجزائري رايات ورايات، حتى أن من يشاهد تلك الصور من خارج الوطن، يعتقد أنه أمام شعبين أو ثلاثة وهذا مما أضعف الحراك وشتت صفوفه، وأبعده عن تحقيق كل أهدافه.

والثانية، وهو أمر يدعو للاعتزاز والفخر، أن اللبنانيين أظهروا في بضعة ايام فقط، حجما هائلا من العنف، اضطرت قوات الجيش للنزول إلى الشوارع، بينما بقي الحراك الجزائري طوال ثمانية أشهر كاملة سلميا وحضاريا لأقصى الحدود، كما بقي الجيش الذي التزم بمرافقة الحراك ملتزما ثكناته، تاركا أمر تأمين المظاهرات للقوى الأمنية فقط.

فقط من المهم الإشارة في الأخير، أن الشعار الملهم “يتنحاو قع” الذي يتم ترجمته حرفيا اليوم في لبنان، يمكن أن يكون ورطة للبنان كما كان في الجزائر، خاصة وأن تعقيدات منظومة الحكم اللبنانية لا تقل تشابكا عنها في الجزائر، ليس فقط بوجود دولة عميقة فاعلة ومصالح دولية متضاربة، وانما لوجود دولة داخل الدولة، اسمها حزب الله، وقائد اسمه نصر الله، يهدد الشارع الموحد المنتفض، بشارع  طائفي مواز، قد يخرجه براياته الصفراء.. ليكون ثورة مضادة تحطم الثورة الحالية.

ملاحظة أخيرة: عندنا الرايات الصفراء.. ظهرت منذ البداية ولم تنتظر تهديدا من أمثال نصر الله.

مقالات ذات صلة