-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

يسألونك عن كذا؟ قل كذا

أبو جرة سلطاني
  • 1148
  • 0
يسألونك عن كذا؟ قل كذا

سؤال اليهود عن شيء يعرفونه لم يكن دافعه الإيمان بالوحي والتّسليم بنبوّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- ولا زيّادة المعرفة ولا التّوسّع في العلم أو البحث عن مؤيّدات إيمان.. إنما كان دافعه الرّغبة الماكرة في إحراج المسئُول والكشْف عن واسع معرفتهم بأخبار السّابقين والبحث عن التّعاند الذي يمكن أنْ يقع فيه محمّد بحديث مخالف لمَا عندهم من نصيب في ما بقيّ بين أيديهم من كتابهم التّوراة؛ فقد كانوا يعرفون الجواب ولكنّهم مكروا به ليختبروه أصادق في ما يحدّث به الناس أم هو من الكاذبين.

فكشف الله زيف ما عندهم وأبطل دعواهم ودحض ما أرادوا إثارته من شبهات. وقرّر أنّ مصدر الوحي علويّ وأنّ حقيقة الرّسالة ربّانيّة ليس فيها لمحمّد سوى شوق المعرفة ولذّة التّلقّي وشرف البلاغ. فتولّى المتكلّم -جل جلاله- الردّ على أهل الكتاب بما يعلمه من أنفسهم، بخلاف ما كان يجيب به عن الأسئلة التي كان يطرحها خصوم الإسلام من أهل الشّرك والأميّين، وبخلاف الطّريقة التي كانت توضّح ما كان يستفسر عنه المؤمنون من أمور دينهم، بالإحالة على مصدر الوحي الأعلى ليكون حظّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- النّقل الأمين عن المتكلّم ربّ العالمين بصيغة: يسألون عن كذا؟ قل: كذا وكذا. إلاّ في موضع واحد هو السّؤال عن الله -جل جلاله- فقد خلع الله الوساطة بينه وبين عباده بتقرير أنه قريب: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)) (البقرة: 186)، أو عن أمور الغيب الكبرى كتوقيت قيام السّاعة والرّوح.. فيردّ أمرها له وحده: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)) (الإسراء: 85).

أما بقية ما يسأل عنه النّاس من شؤون الدّين والتّاريخ والحقوق والواجبات؛ فيُعلم الله بها رسوله -عليه الصلاة والسلام- ويأمره بالبلاغ عنه: قل لهم يا رسول الله إنّ جواب ما سألتم عنه وحيٌ من الله العالم بالغيب والشّهادة وهو بكلّ شيء محيط. كقوله تعالى: ((يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ)) (البقرة: 217)، وقوله تعالى: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا)) (طه: 105).. وهكذا.. فصيغة “يسألونك” تتكرّر كثيرا في كتاب الله، ومنها سؤال المتآمرين على الإسلام والمتربّصين به والباحثين عن ثغرة فيه؛ فكانوا يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- عن أشياء يعرفون جوابها ولكنهم يختبرون بها الرّسول الخاتم عساهم ينفذون من جوابه إلى مثلبة في قوله يطعنون بها صدقه إذا تعاندت أقواله. ومنها سؤاله عن ذي القرنيْن. فجاء جواب القرآن متناغما مع طبيعة السّؤال: ((وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا)) (الكهف: 83).. قل لهم سأقرأ عليكم من أخباره ما يذكّركم بما هو مدوّن عندكم في كتبكم التي تخفونها عن النّاس وتجعلونها قراطيس تبدون منها ما يروق لكم وتخفون ما تخشون أنْ يؤدّي الكشفُ عن حقيقته إلى فضح أساليب تجارتكم بما أُنزل عليكم ربّكم. وهو الحقّ. ولكنّكم للحقّ كارهون.

تحاشى اليهود التوجّه بالسّؤال إلى رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- بأنفسهم، فأوعزوا فحواه إلى بعض أصدقائهم من مشركي مكّة بصيغة: من هو الرّجل الذي ساح بين مشرق الشّمس ومغربها؟ وكان اليهود يعرفون شيئًا من أخباره كانت مكتوبة عندهم في التّوراة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!