-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الثورة في مصر

يسقط النظام ولا ينتصر الشعب !!

التهامي مجوري
  • 2016
  • 0
يسقط النظام ولا ينتصر الشعب !!

لقد تابعت التغطية الإعلامية التي قام بها التلفزيون المصري، المتعلقة بإتمام محاكمة الرئيس محمد مرسي وإخوانه، واستمعت إلى تعليقات المعلق الذي غاضه أن يرى مرسي وإخوانه يبتسمون، فقال إن هذه الصورة التي هم عليها الآن في القفص، ليست هي الحقيقية التي رأيتهم عليها من قبل، فقد رأيتهم على غير هذه الصورة، فهو لا يريد أن يفهم الجمهور من المشاهدين، أن المحكوم عليهم لا يعبؤون بما فعل بهم النظام الذي انقلب عليهم، وتابعت الإعلان عن تثبيت حكم الإعدام في حق الرئيس مرسي وجماعته، من قبل مفتي الجمهوريية، وتابعت رحلة عبد الفتاح السيسي إلى ألمانيا، مصحوبا “بوفد تعداده 20 من الممثلين والممثلات السينمائيين والمطربين والمطربات، في زفة كوميدية، وكأن الدعم السياسي للرئيس المصري أصبح “مرهونا بإلهام شاهين ويسرا وداليا البحيري ومن معهم” كما قال الأستاذ جمال سلطان…، تابعت كل ذلك وعدت بالذاكرة إلى أكثر من نصف قرن؛ لأفهم وأعرض للقارئ طبيعة النظام المصري منذ ايام الثورة سنة 1952، ورغم ما يمكن أن يقال عن نظام عبد الناصر من إيجابيات، لا يمكن ان تغطي تلك الإيجابيات جرائمه التي تجاوزت كل الحدود.

وعندما استعرض تجربة هذا النظام خلال الفترة المذكورة، لا يسعني إلا أن أقول إن مصر ابتليت بنظام حكم، لم يرث من تاريخ مصر الطويل والحافل بالبطولات، والقيم والقامات العلمية والدينية والسياسية، إلا الصيغة الفرعونية في الحكم، التي لم تقف عند إفساد نظام الحكم ورجاله ومؤسساته فحسب، وإنما تجاوزت ذلك إلى إفساد مؤسسات المجتمع وأفراده.. وفي ذلك قال الله في نظام فرعون ومجتمعه الذي كان يقوده (استخف قومه فأطاعوه).

فنظام عبد الفتاح السيسي، هو امتداد لنظام الحكم في مصر الذي أسست له “عسكرتاريا الثورة” في منتصف القرن الماضي، وهذه العسكرتاريا، لم تبق شبرا مدنيا في الحياة السياسية، ولم تبق على أحد من المصريين خارج اللعبة، ومن ثم كان الشعب المصري “مع أو ضد”، ولا ثالث لهذين التوجهين، وبحكم أن القوة والقدرة على الترهيب والترغيب هي بيد السلطة، لم يبق من الضد إلا النزر اليسير، وهذا النزر اليسير وزع على السجون والمقابر ومساحات محدودة من العالم الحر الذي استقبل بعض قيادات الإخوان من المطاردين والمهجرين ومن الذين سحبت منهم الجنسية.., هل يوجد نظام في العالم يسحب الجنسية من مواطن بسبب خلاف سياسي؟ نعم وجد في مصر عبد الناصر الذي سحب من سعيد رمضان صهر البنا الجنسية المصرية، فعاش في المنفى ومات خارج بلاده، مصريا بلا جنسية.

يوجد خلاف في كل العالم بين التيارات السياسية، ويذهب في حدوده القصوى إلى تبادل التهم، وربما إلى تمرد فرق على بعضها البعض، وتكون الانقلابات، ويموت ناس، ولكن في النهاية تكون أغلبية وأقلية، ويحسم الموضوع لصالح القوة أو لصالح التحاور والتفاهم، إلا في مصر.. يسقط نظام بثورة شعبية.. ولكن هذه الثورة لا ينتصر فيها الشعب، لماذا؟ لأن طبيعة النظام تمتلك بفضل المنطق الفرعوني، القدرة على تمييع كل شيء وتدجين كل فئات المجتمع الرسمية والشعبية.

أذكر في العهد الناصري، وفي عز صراعه مع خصومه ومنهم الإخوان، قال كائن بشري يومها:

“للناس رب وللعرب ربان  الله خالقنا وناصر الثاني”

هذا المنطق هو الذي شجع نظام عبد الناصر على ارتكاب جرائم ضد الانسان المصري فّأعدم العشرات من الإخوان، سيد قطب، عبد القادر عودة، محمد فرغلي، وغيرهم، بعدما انقلب على زميله الجنرال محمد نجيب، الذي ربما كان الأكثر رأفة بالشعب المصري في تلك المرحلة، وهو واحد من كبار الضباط الأحرار.

وأنا في هذا التوصيف لطبيعة النظام المصري، لست بصدد الدفاع عن الإخوان على حساب النظام الناصري، الذين قد تكون لهم أخطاؤهم السياسية، وإنما أنا أصف واقعا، ومتيقن أن أخطاء الإخوان مهما كثرت، لا ترتقي إلى معشار ما فعل بهم النظام المصري بخصومه من المعارضين، منذ عبد الناصر إلى اليوم، بما في ذلك تهمة الاغتيالات المنسوبة “للنظام الخاص”، الذي أنشأه الإخوان للقتال في فلسطين، فاستدرج إلى غير مساره، وأشغل بالمشكلات الداخلية لمصر، ففقد بعض بريقه الجهادي ضد اليهود.

يحضرني هنا تصريح ادلى به سفير أمريكي، إلى عمر بهاء الدين الأميري، سفير سوريا في باكستان، بمناسبة تنفيذ الإعدام في حق سيد قطب رحمه الله، في أوت 1966، فقال “نحن قلنا له –يقصد جمال عبد الناصر- جمِّد نشاط الإخوان والفلسطينيين، ولم نقل له أقتل”. 

وبعد عبد الناصر، سار نظام أنور السادات على نفس النهج في طبيعة النظام، لأنه من جهة واحد من أركانه من قبل، فهو عضو محكمة الثورة التي حاكمت الخصوم، ولكن الرجل ورث تركة أراد ان يتخلص منها، وهي الانسداد الواقع والمشرف على الانفجار، فكانت حرب 1973 بمثابة المتنفس الجزئي، ثم الانفتاح على الخصوم من أجل التخلص من القوى الرابضة داخل النظام الموالية للزعيم السابق.,, أما فلسفة النظام في الترهيب والترغيب، ومواصلة الاستبداد بأشكاله، فلا شيء تغير منها وإنما بقيت كما هي ملاحقات وسجن وتعذيب وإعدام..، وقد بلغ مستوى الانحراف السياسي أوجه، في زيارة القدس سنة 1978، ومن آثار ذلك نهاية الرئيس السادات نفسه المؤسفة، على يد المعارضة المسلحة، وفي كل ذلك لم تظهر قوى شعبية تمثل أغلبية قادرة على قلب الطاولة على النظام، وذلك ليس لفقدان المخلصين في مصر وإنما بسبب هيمنة الخوف الذي تحول إلى منافح عن النظام، وقد ظهر ذلك في تصريح الشيخ الشعراوي رحمه الله الذي قال ذات يوم في مجلس الشعب “لو كان الأمر بيدي لجعلت الرَّيِّسْ في مقام الذي لا يسأل عما يفعل”، وانا هنا أيضا لا أحاكم عقيدة الشيخ، بقدر ما أريد إبراز فرعنة النظام الذي طوع المجتمع بجميع الوسائل، فالشيخ كان يومها إن لم تخني الذاكرة وزيرا للأوقاف.

ونظام مبارك الذي هو امتداد لطبيعة النظام المشار إليها، لعله الأقل دموية خلال نصف القرن الأخير، ولكنه سن سننا أخرى لم يعرفها النظام من قبل، على مستوى الفساد السياسي والمالي، والتأسيس لفكرة التوريث، التي كانت نظام الحكم قبل الثورة وهو العهد الملكي، واستعان في ذلك بالمفسدين من رجال الأعمال والإعلاميين والفنانين، من الذين كانوا يُسَبِّحُون بحمد النظام ويباركون اعماله، ولعل أسوأ الصور وأبشعها، هي المعركة المفبركة مع الشعب الجزائري في الاعتداء على الفريق الجزائري لكرة القدم سنة 2009 ومقابلة ام درمان بالسودان، التي عبأ لها نظام مبارك الشعب المصري تمهيدا للتوريث، وأشرك الكثير من مرتزقة الفنانين والإعلاميين والبرلمانيين…،؛ بل ورجال الدين أيضا، حيث كتب أحدهم –وكان أزهريا وعضوا في مجمع البحوث الإسلامية– يقول على صفحات جريدة “الجمهورية” في نهاية نوفمبر 2009 “فقد الجزائريون دينهم بعد أن فقدوا عقولهم من أجل مباراة كروية لن يزدادوا بها إلا خسارا. ولن يحصلوا بها إلا ذلا وانكسارا”، وكما قال الأستاذ قنديل “لم يدخر كاتب المقال وصفا ارتبط بالكفار إلا وألصقه بجموع الجزائريين ها هي عباراته “اتخذوا دين الله وكتابه سخريا وازدراء قاتلهم الله أنّى يؤفكون» ثم هم “المجرمون الملحدون”. 

إن التعامل مع ملف الرئيس مرسي وغيره من رجال الإخوان، لا يختلف عن طبيعة النظام كما هي منذ أكثر من نصف قرن، فتهمة التخابر في حق مرسي، التي يراد بها التعاطف مع الوضع في غزة، لا تختلف عن التعبئة للقضاء على التنظيم الخاص الذي أسس خصيصا للجهاد في فلسطين.. وتثبيت المفتي لحكم الاعدام اليوم لا يختلف كثيرا عمن جاء لسيد قطب ليذكره بالتشهد قبيل إعدامه، وهكذا في كل ما يتعلق بعلاقة النظام المصري بشعبه، جميع مراحله التي منها نصف القرن الأخير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • زكرياء

    السلام عليكم
    أرى أن الكاتب لم يذكر الانحراف العقائدي لسيد قطب والاخوان عن أسس و لبنة الاسلام بتكفيره لكل مجتمع لا يطبق الاسلام تطبيقا تاما و هو ما أدى لظهور الخوارج و الارهابيين و الانتحاريين الذين يقتلون أبناء مجتمعهم و المستأمنين من الأجانب بدون أن نذكر اشعال الفتن و الخراب و الدمار الذي يشحعونه في كل البلاد العربية,

  • hamid

    وصف دقيق شمل مختلف ان لم نقل اهم الانظمة التي حكمت مصر الى يومنا هذا ولاكن ارجو ان يكون هنالك مقالات اخرى تدرس الوضع في الجزائر

  • عثمان

    كلام في القمة. لا فض فوك يا أستاذ التهامي.

  • Hassan

    تحليل دقيق لكن شيخنا واخوناتوهامى
    نسيت ان تذكرمصرعرفت بالسجون سيدنايوسف مثلا.
    ثم عرفت بفتنة النساءواغرارهن وهاهى الام العجوزانى اجمل من الحسنوات