-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

‮”‬حديث‮ ‬الإثنين‮”‬

‮”‬حديث‮ ‬الإثنين‮”‬

صدر‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الأيام‮ ‬كتاب‮ ‬قيم‮ ‬للإمام‮ ‬محمد‮ ‬الغزالي‮ ‬أنزل‮ ‬الله‮ ‬عليه‮ ‬شآبيب‮ ‬رحمته،‮ ‬وأنزله‮ ‬في‮ ‬مقعد‮ ‬الصدق‮ ‬إلى‭ ‬جوار‮ ‬خير‮ ‬الخلق،‮ ‬عليه‮ ‬الصلاة‮ ‬والسلام،‮ ‬ويحمل‮ ‬هذا‮ ‬الكتاب‮ ‬عنوانا‮ ‬هو‮ “‬حديث‮ ‬الإثنين‮” .‬

  • إن “حديث الإثنين” هو ذلك الحديث المقنع الممتع الذي كان يلقيه كل يوم إثنين من التلفزة والإذاعة الجزائرية الإمام محمد الغزالي عندما كان مقيما في قسنطينة، رئيسا للمجلس العلمي لجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية.
    إن‮ ‬الفضل‮ ‬في‮ ‬جمع‮ ‬تلك‮ ‬الدروس‮ ‬القيمة‮ ‬وإخراجها‮ ‬للناس‮ ‬يعود‮ ‬إلى‭ ‬الأستاذ‮ ‬الفاضل‮ ‬عبد‮ ‬القادر‮ ‬نور،‮ ‬المدير‮ ‬الأسبق‮ ‬للإذاعة‮ ‬الجزائرية،‮ ‬فشكر‮ ‬الله‮ ‬سعيه،‮ ‬وجزاه‮ ‬خير‮ ‬جزاء‮.‬
    لقد سبق للأستاذ نور أن حوّل مجموعة أحاديث إذاعية مرتجلة عن الثورة الجزائرية إلى كتب استفاد منها الناس، وأراد أن يكرر التجربة مع أحاديث الإمام الغزالي، فتوجه تلقاء قسنطينة لزيارة الإمام واستئذانه في طبع أحاديثه المرتجلة في كتاب مصحوب بأشرطة سمعية – بصرية، فأذن له الإمام ودعا له بالتوفيق.. وقد سأل الأستاذ نور الإمام الغزالي عن حقوقه، فأجابه: “أتبرع بها للمعاقين الجزائريين، أنا من أغنياء المسلمين، لقد أغناني الله” (ص8). وكتب الإمام الغزالي إقرارا بذلك كنت عليه شهيدا، باعتباري – آنذاك نائب مدير التراث الإسلامي بوزارة‮ ‬الشؤؤن‮ ‬الدينية،‮ ‬فجزى‮ ‬الله‮ ‬عز‮ ‬وجل‮ ‬كل‮ ‬من‮ ‬ساهم‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الكتاب‮ ‬إلقاء‮ ‬وجمعا،‮ ‬وإنفاقا‮ ‬على‭ ‬طبعه‮ ‬وجعله‮ ‬لهم‮ ‬صدقة‮ ‬جارية‮.‬
    ولقد أبى الأستاذ عبد القادر نور إلا أن يحمّلني – حسن ظنٍ منه بي – قولا ثقيلا، وهو أن أكتب لهذا الكتاب ما سمّاه تفضلا منه “مقدمة” في حين – كما يقول الدكتور عبد الصبور شاهين – : “إن كتابا يوضع على غلافه اسم الأستاذ الغزالي لا يحتاج إلى تقديم.. حتى إن عصرنا هذا‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬يطلق‮ ‬عليه‮ ‬في‮ ‬مجال‮ ‬الدعوة‮ ‬عصر‮ ‬الأستاذ‮ ‬الغزالي‮” (‬عبد‮ ‬الله‮ ‬العقيل‮: ‬من‮ ‬أعلام‮ ‬الدعوة‮ ‬والحركة‮ ‬الإسلامية‮.. ‬ج‮ ‬2‮ . ‬ص‮ ‬940‮).‬
    ولأنه – كما يقول شيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود – : “ليس لدينا إلا غزالي الأحياء والإحياء” (المرجع نفسه 2 / 942. والمقصود بغزالي الأحياء محمد الغزالي، والإحياء أبو حامد الغزالي صاحب كتاب “إحياء علوم الدين”).
    إن‮ ‬الذي‮ ‬يقرأ‮ ‬للإمام‮ ‬الغزالي‮ ‬أو‮ ‬يسمع‮ ‬له‮ ‬يلاحظ‮ ‬ويسمع‮ ‬له‮ ‬يلاحظ‮ ‬أمرين‮ ‬اثنين‮: ‬
    1) حرصه على صحة ما يقدمه من معلومات في حجة قوية، ووضوح برهان، فهو يرفض أن “يدروش” الإسلام ويأبى أن يسترهب نفوس الناس ويسخر من عقولهم..  فالإسلام دين علم، وعقل، ومنطق وتلك هي عناصر قوته التي صمد بها في وجه الحروب النفسية والغزو الفكري الصليبي، الصهيوني، الإلحادي‮.. ‬رغم‮ ‬ضعف‮ ‬المسلمين‮.. ‬بل‮ ‬رغم‮ ‬حجبه‮ ‬عن‮ ‬الدنيا‮ ‬بالمسلمين،‮ ‬كما‮ ‬يقول‮ ‬الإمام‮ ‬محمد‮ ‬عبده‮.‬
    لقد سمعت “دكتورا” يقول في ملتقى الفكر الإسلامي “الحياة الروحية” الذي عقد في بوحنيفية بمعسكر في سنة 1987، سمعته يقول: “إن سيدي عبد القادر الجيلاني تكلم في بطن أمه”. إذا كان سيدنا عيسى – عليه السلام -، وقد خلقه الله من غير أب، وهو من أولي العزم من الرسل – لم‮ ‬يكرمه‮ ‬الله‮ ‬عز‮ ‬وجل‮ ‬بالكلام‮ ‬إلا‮ ‬بعدما‮ ‬ولدته‮ ‬أمه‮ – ‬عليها‮ ‬السلام‮ ‬ـ‮ ‬ووضعته‮ ‬في‮ ‬المهد،‮ ‬فكيف‮ ‬يتكلم‮ ‬سيدي‮ ‬الجيلاني‮ ‬في‮ ‬بطن‮ ‬أمه؟‮ ‬إن‮ ‬هذا‮ ‬لشيء‮ ‬عجاب‮!‬
    إن هذه العقلانية وهذه المنطقية في الإسلام هي التي أكسبته القوة التي جعلت المستشرق (و.ر. و جاردنر) (W.R.W. Gardner) يقول: “إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربا”. (فايز صالح اللهيبي: إشكالية الخوف من الإسلام. 74)
    2 ) سلامة اللغة وطلاوتها حيث لا يتكلف، ولا يتصنع، ولا يتعالم على الناس بالغريب من القول والمعقد من المصطلحات، فكان الناس في المشارق والمغارب يقبلون على كتبه وأحاديثه، لما يجدون فيها ـ إضافة إلى عقلانيتها ومنطقيتها ـ من دفء جميل وعاطفة متدفقة صادقة، وإحساس مرهف،‮ ‬وقلب‮ ‬رقيق‮..‬
    لقد كان الجزائريون الصالحون الذين لم يتخذهم الشيطان سخريا، ولم يتخذوه وليا يهرعون – نساء ورجالا، شيوخا وشبابا، ذكرانا وإناثا، مثقفين وأميين – إلى الجلوس مساء كل إثنين أمام التلفزة لإلقاء السمع لحديث الإمام الغزالي، الذي جعل الله له القبول..
    وأما الذين ران على قلوبهم واستحوذ عليهم الشيطان وعميت بصائرهم وأبصارهم، وصغرت عقولهم، وضاقت صدورهم فقد كانوا عندما يطل الإمام الغزالي من الشاشة لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.. فراحوا يسلقونه بألسنتهم الحداد، ويتقوّلون عليه في مجالسهم..‮ ‬وكل‮ ‬إناء‮ ‬بما‮ ‬فيه‮ ‬يرشح‮.. ‬ولكنه‮ ‬‭-‬‮ ‬لمعدنه‮ ‬النبيل‮ ‬‭-‬
    لم‮ ‬يلق‮ ‬بالا‮ ‬لأباطيلهم،‮ ‬ويضيّع‮ ‬وقته‮ ‬في‮ ‬الرّد‮ ‬عليه،‮ ‬لإيمانه‮ ‬بقوله‮ ‬تعالى‮ “‬فأما‮ ‬الزبد‮ ‬فيذهب‮ ‬جفاء‮ ‬وأما‮ ‬ما‮ ‬ينفع‮ ‬الناس‮ ‬قيمكث‮ ‬في‮ ‬الأرض‮”. ‬
    لقد‮ ‬كان‮ ‬همّ‮ ‬الإمام‮ ‬الغزالي‮ ‬متعلقا‮ ‬بأمته‮ ‬الإسلامية،‮ ‬التي‮ ‬أرادها‮ ‬الله‮ – ‬عز‮ ‬وجل‮ – ‬خير‮ ‬أمة‮ ‬فردها‮ ‬أشرارها‮ ‬أرذل‮ ‬أمة،‮ ‬لأنهم‮ ‬أصغر‮ ‬من‮ ‬أن‮ ‬يقودوها،‮ ‬ورحم‮ ‬الله‮ ‬الشاعر‮ ‬الفحل‮ ‬أبا‮ ‬الطيب‮ ‬المتنبي‮ ‬عندما‮ ‬قال‮:‬
    سادات‮ ‬كل‮ ‬أناس‮ ‬من‮ ‬نفوسهم‮   ‬وسادة‮ ‬المسلمين‮ ‬الأعبد‮ ‬القزم
    لقد سمعت أحد المسؤولين التونسيين يقول في إحدى الفضائيات إن الحبيب بورقيبة كاد يجنّ بعد أن عيّن ابن علي رئيسا للحكومة ثم علم أنه غير متحصل على شهادة البكالوريا، فكيف بمن لا يملك إلا شهادة الميلاد وتولى ستة مناصب عليا، وتطاول على أكبر عالم في بلده.. ومن عجائب‮ ‬الأقدار‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬الشخص‮ ‬مايزال‮ ‬على‮ ‬قيد‮ ‬الحياة‮ ‬إلى‮ ‬يومنا‮ ‬هذا،‮ ‬ولكنه‮ ‬لا‮ ‬يعرفه‮ ‬إلا‮ ‬من‮ ‬عاصره؛‮ ‬بينما‮ ‬يحتل‮ ‬ذلك‮ ‬العالم‮ ‬السّمع‮ ‬والبصر‮ ‬عند‮ ‬أولى‮ ‬النُّهى،‮ ‬وقديما‮ ‬قال‮ ‬شاعر‮ ‬مخاطبا‮ ‬الخشب‮ ‬المسنّدة‮:‬
    أماتكم‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬موتكم‮ ‬الجهل‮    ‬وجرّكم‮ ‬من‮ ‬خفّة‮ ‬بكم‮ ‬النمل
    كما كان قلب الإمام الغزالي يعتصر ألما وهو يرى الإصلاح العظيم يعبث به فئتان من الناس: فئة مستهترة، في النهار ترتشي وفي الليل تنتشي، “وترى – كما يقال – الصلوات الخمس نافلة”؛ وفئة ترى الإسلام أشكالا، وتذهل عن مبادئه السامية، وقيمه العالية…
    رحم‮ ‬الله‮ ‬الإمام‮ ‬الغزالي،‮ ‬وجزاه‮ ‬الجزاء‮ ‬الأوفى‮ ‬عما‮ ‬لقيه‮ ‬من‮ ‬السفهاء،‮ ‬وكما‮ ‬سمعه‮ ‬من‮ ‬المتنطعين‮ ‬الجهلاء،‮ ‬وتقبل‮ ‬الله‮ ‬منه‮ ‬هذه‮ ‬المكرمة‮ ‬التي‮ ‬تبرع‮ ‬بها‮ ‬للمعوقين‮ ‬الجزائريين،‮ ‬وجعلها‮ ‬له‮ ‬صدقة‮ ‬جارية‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
11
  • MUSLIMA

    السلام على الجميع
    هذه قراءة تحى القلوب فهل من مزيد؟؟

  • نورالدين

    يبقى الشيخ محمد الغزالي طيب الله ثراه،و أحسن مثواه بين ظهرانينا أحب المتنطعوه أو كرهوا،و رغب المنتشون أو أعرضوا، فما قدمه صفحة بيضاء غسل بها كثيرا من الران الذي ساد قلوب الكثيرين،فثقل الله ميزان حسناته بما ترك من علم ينتفع به،لهذه الأمة و لا ينكر فضل العلماء و إحسان الكرماء إلاجاحد رعديد،لا يستقيم حاله إلا بالردع و الوعيد.

  • ارقاز

    و الله اني احبك في الله و اني لمشتاق الى طلتك البهية و الى سجعك و فروسيتك في العربية و الى ما يذكرنا برجالات الجزائر الاقحاح من من امثال ابناء جمعية العلماء المسلمين الجزائريين و اني اذ اشكر لك اهتمامك بما يقيم الدين و يمتن للقيم و الاصالة فاني اترحم على روح الشيخ محمد الغزالي رضي الله عنه و ارضاه و رفع دراجاته في عليين متمنيا لك طول العمر و موفور الصحة و السعادة و دمت لخدمة الدين و تنوير درب المسلمين

  • lima

    et parle de votre identité , personne n'est eternelle, les arobo baathiste et traitres

  • mouloud

    شكرا ياأستاذنا شكرا جزيلا على تذكرتنا بشيخنا العالم الجليل "محمد الغزالي" رحمه الله . كل ماأريد قوله و بإختصار ; أنصح كل الشباب الغيورين على معرفة دينهم الصحيح أن يقتنوا هذا الكتاب " حديث الإثنين" ويقرؤوه بتأن وبعقل متفتح .وخاصة الشباب اللذين لم يعاصروا الشيخ الغزالي ولم يطلعوا على كتبه , مع العلم أنه وقع في الجزائر إنقطاع شبه كلي مع الشيخ الغزالي وعلمه في العشرية السوداء "التسعينات" إلى أن توفاه الله عام 1996 بالسعودية . ومن يريد أكثر إطلاع على إرثه فليتناول موقعه الرسمي في الانترنات.
    وشكرا مجددا أستاذنا الكريم -محمد الهادي الحسني- على عودتك لجريدة الشروق.

  • mouloud

    شكرا ياأستاذنا شكرا جزيلا على تذكرتنا بشيخنا العالم الجليل "محمد الغزالي" رحمه الله . كل ماأريد قوله و بإختصار ; أنصح كل الشباب الغيورين على معرفة دينهم الصحيح أن يقتنوا هذا الكتاب " حديث الإثنين" ويقرؤوه بتأن وبعقل متفتح .وخاصة الشباب اللذين لم يعاصروا الشيخ الغزالي ولم يطلعوا على كتبه , مع العلم أنه وقع في الجزائر إنقطاع شبه كلي مع الشيخ الغزالي وعلمه في العشرية السوداء "التسعينات" إلى أن توفاه الله عام 1996 بالسعودية . ومن يريد أكثر إطلاع على إرثه فليتناول موقعه الرسمي في الانترنات.
    وشكرا مجددا أستاذنا الكريم -محمد الهادي الحسني- على عودتك لجريدة الشروق.

  • abdellah

    بارك الله فيك يعطيك الصحة ورحم الله شيخنا الغزالي وجميع موتى المسلمين .امين .

  • بلقاسم الجزائر

    استاذي اشكرك على ما قدمت لقد افدت واجدت واقول لك سرا وللقراء اني كنت ابغض الشيخ الغزالي بغضا كبيرا وكنت لو اجد كتابا لربما حرقته لاني كنت شابا صغيرا حذروني من كتبه وفكره لكن لما قويت مداركي من خلال المطالعة ة المخالطة ادركت خطا ماكنت فيه والان تجدني اتلهف لقراءة كتبه وسماع كل من يثني عليه ومهما قلنا لن نفيه حقه ويقال الاعمال بالخواتيم فانظروا الى اين توفي الشيخ الغزالي عليه رحمة الله.
    اما انت استاذنا وشيخنا الدكتور الهادي الحسني فلقد ملات الدنا وشغلت الورى بسحر علمك وقوة حجتك.

  • محمود من تيسة

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته لقد سعدنا بعودتكم للكتابة في صفحات جريدة
    الشروق لنتمتع بلغتكم الجميلة و تشبيهاتكم البليغة انكم تمثلون نهج من سبقكم كأمثال الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله العالم الحجة و المفكر الفذ فيالت من هم على رأس جهاز التلفزيون أن يفسحوالكم المجال لتقديم حصة من قبيل حصة حديث الأثنين لتستفيد منها الأمة من جديد. دمتم في خدمة الدين و الوطن.

  • محمود من تيسة

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته لقد سعدنا بعودتكم للكتابة في صفحات جريدة
    الشروق لنتمتع بلغتكم الجميلة و تشبيهاتكم البليغة انكم تمثلون نهج من سبقكم كأمثال الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله العالم الحجة و المفكر الفذ فيالت من هم على رأس جهاز التلفزيون أن يفسحوالكم المجال لتقديم حصة من قبيل حصة حديث الأثنين لتستفيد منها الأمة من جديد. دمتم في خدمة الدين و الوطن.

  • علي

    السلام عليكم
    بارك الله فيك استادنا الكريم و نفع الله بك و بعلمك و اقول لك ما قال الامام حسن البنا
    للشيخ الغزالي رحمه الله :" اكتب و روح القدس معك".
    علي من عنابة