-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

60 سنة.. ما تحقَّق وما ينتظر التحقيق

حسين لقرع
  • 342
  • 0
60 سنة.. ما تحقَّق وما ينتظر التحقيق

قبل الحديث عما أنجِز خلال 60 سنة كاملة من استقلال البلاد، ينبغي أن نؤكّد أنّ نجاح الثورة الجزائرية في طرد الاستعمار الفرنسي، يعدّ في حدّ ذاته إنجازا عظيما؛ ذلك أنّه لم يكن من السهل قطّ أن تنجح ثلة من المجاهدين بأسلحةٍ خفيفة، في دحر محتلٍّ استيطانيٍّ شرس كانت قوّتُه العسكرية تعدّ الرابعة عالميا، ولكن حينما تتوفّر الإرادة، وتخلُص النيّات، ويصدُق الرجال، ويلتفّ حولهم الشعب، تتحقَّق المعجزات.

بعد الاستقلال، شرعت الدولةُ الفتيّة في تضميد الجراح وبناء البلد وتحسين الوضعية المعيشية للشعب تدريجيّا، فبنت ملايينَ المساكن، وشقّت الطرق العادية والمزدوجة والسيارة وشبكة قطاراتٍ واسعة وقطارَ أنفاق، وبنت المطارات والجامعات والمؤسسات التربوية والسدود والمشافي والمصانع والإدارات والمرافق… وأوصلت الكهرباء إلى الأرياف المعزولة، ووفّرت -بغضِّ النظر عن النوعية- العلاجَ والتعليم مجّانا للمواطن، وقدّمت للبطالين منحة توفّر بعض احتياجاتهم التي تحفظ كرامتهم إلى أن يجدوا مناصب عمل… وهذه الإنجازاتُ وغيرها لا ينكرها إلا جاحد.

ومع ذلك كلّه، فقد كان بإمكان البلاد أن تُنجز أكثر مما حقّقته إلى حدّ الساعة، يكفي فقط أن نذكّر بأنه في سنة 1978 توقع خبراء دوليون أن تُحدِث ثلاثُ دول وهي الجزائر واسبانيا وكوريا الجنوبية قفزة تنموية كبيرة في غضون 10 سنوات، وحققت اسبانيا وكوريا الجنوبية ذلك فعلا، والتحقتا بركب الدول المتقدّمة، أما الجزائر فقد دخلت في أزمةٍ خطيرة بعد انهيار أسعار النفط في 1986، وزادها تفاقما الأزمةُ الدموية الخطيرة في التسعينيات، وكذا الصدمةُ النفطية الثانية في 1993 والتي أجبرتها على إعادة جدولة ديونها الخارجية، وما ترتّب عن ذلك من غلقٍ للمؤسسات وتسريح للعمال وتخفيضٍ لقيمة الدينار ورفعٍ تدريجي للدعم عن العديد من المواد الأساسية… ما أعادها عقودا عديدة إلى الوراء.

والمؤسف أنّ أسباب أزمة الصَّدمات النفطية المتتابعة لا تزال قائمة إلى الآن رغم مرور 60 سنة كاملة على الاستقلال، لأن البلاد لم تنجح في فكّ التبعية المطلقة للمحروقات، وبناء اقتصاد مُنتِج تنافسي متعدّد المصادر، فتجربةُ “صناعة” السيارات فشلت بعد فترةٍ قصيرة مليئة بالفساد ونهبِ 600 ألف مليار سنتيم ذهبت إلى جيوب المحتالين تحت غطاء قروضٍ بنكية لإقامة ورشات نفخ العجلات، والاستثماراتُ في مجالات السياحة والصناعة والطاقات المتجدِّدة وغيرها تتطلّب سنواتٍ لتظهر نتائجُها، أما الاستثماراتُ في القطاع الفلاحي الواعد فهي لا تزال محدودة وتسير بوتيرةٍ بطيئة لا تبشّر بتحوّل البلاد قريبا إلى سلة غذاء عالمية برغم شساعة أراضيها. ينبغي مضاعفة الجهود والمساحاتُ المستصلَحة، وخاصة في الصحراء الكبرى، مع استخراج بحر المياه المدفون في أعماقها والمقدَّر بنحو 60 ألف مليار متر مكعّب، لمضاعفة إنتاج الخضر والفواكه والحبوب وتصديرها، ومن ثمة الحديث عن أحد البدائل الممكنة للريع النفطي والغازي. أليس من المؤلم أن تتحوّل البلادُ من مصدّرٍ كبير للقمح إلى أوربا وغيرها في العهدين العثماني والفرنسي، إلى خامس مستوردٍ لها في العالم بـ7.7 مليون طنّ سنويا؟!

بعد 60 سنة كاملة من الاستقلال لم يعُد مقبولا الاستمرارُ في الارتهان للرِّيع النفطي والغازي الذي يجعل البلادَ عرضةً للمزيد من الهزّات المالية العنيفة في حال حدوث أيِّ انهيار للأسعار كما حدث في 1986 و1993 و2014… ينبغي أن نستخلص الدروس وأن نضع مخططا تنمويا شاملا للخروج من هذه الدوامة الخطيرة في أقرب وقت.

على الصعيد الثقافي، لا نزال ننتظر إنهاء هيمنة اللغة الفرنسية على الإدارات والبنوك والهيئات الرسمية والمحيط العامّ، وإحلال اللغة العربية محلّها حتى تستعيد البلادُ سيادتَها اللغوية.

على الصعيد السياسي الديمقراطي، هناك تعدّديةٌ قائمة منذ 23 فيفري 1989، ولكننا لا نزال ننتظر الأهمّ وهو التداول على الحكم؛ فهو عِمادُ تطوّرِ أيّ بلد وازدهارِه. ونكتفي بهذا القدر ومباركٌ للجزائريين استعادة الحرية والسيادة بعد ليلٍ استعماري حالك دام قرابة قرن وثُلث قرن.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!