إريك رولو.. صديق فلسطين وعبد الناصر ومُحاوِر البنا يرحل في صمت
كما كان متوقعا، راح الكاتب الصحفي والديبلوماسي الكبير، إريك رولو، ضحية سياق إعلامي عالمي تسيطر عليه “داعش” وتداعيات حادثة “شارلي إيبدو” وتاريخ مواقفه السياسية وماضيه المهني الذي لم يكن يتوافق مع محركي الآلة الإعلامية الساحقة لأمثاله وأمثال الراحلين جاك فيرجيس وستيفان هيسيل. وهي الآلة التي ستحصد إدغار موران، آخر كبار المفكرين الفرنسيين غير المنحازين أتوماتيكيا إلى إسرائيل.
كان لي شرف محاورته حينما كان يعد كتابه 11 ”رؤية عن 11 سبتمبر” الذي لم يوزع لأسباب تعكس واقع الجزائر الثقافي. إريك رولو (اسمه الحقيقي إيلي رافول) ـ الذي رحل يوم الخامس والعشرين من الشهر الماضي، في قرية أوزاس بمقاطعة الفار، من مواليد الواحد جويلية عام 1926 بالقاهرة ـ بدأ حياته المهنية في 1943 قبل بلوغه سن العشرين بنشر حديث مع حسن البنا في مجلة “إيجيبشن غازيت” باللغة الإنجليزية حينما كان شيوعيا، الأمر الذي استدعى تجند شرطة الملك فاروق لملاحقته أمنيا ودفعه إلى المنفى عام 1951.
بعد فترة، عمل في وكالة الأنباء الفرنسية ودخل صحيفة “لوموند” عام 1955 وحقق خبطته الصحفية الثانية بمحاورته جمال عبد الناصر عام 1963 الذي تحدث يومها عن قرار إطلاق سراح الشيوعيين. رولو الذي أصبح رمزا صحفيا سياسيا في العالم العربي والإسلامي وربط علاقة صداقة مع الرئيس المصري، تحول مع مرور الأعوام إلى أحد أكبر وأندر الصحفيين المحققين بتغطيته الثورة الإيرانية وإلى ديبلوماسي مرموق بعد وصول الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران إلى سدة الحكم عام 1981، ولم يتردد رولو في أسر الرئيس المثقف وخطف لبه إلى درجة تكليفه عام 1984 بمهمة ديبلوماسية سريعة في ليبيا بهدف التفاوض حول انسحاب القوات الليبية من التشاد.
عمق رولو استيلاءه على مخ الرئيس الفرنسي عام 1985 حينما عينه سفيرا في تونس موازاة لتواجد مقر منظمة التحرير الفلسطينية في تونس وإقامة زعيمها الراحل ياسر عرفات، وعاد رولو إلى طهران مبعوثا من ميتران في مهمة سرية لمفاوضتها على إطلاق سراح الرهائن الفرنسيين لكنه فشل هذه المرة، الأمر الذي مهد لانطفاء نسبي فرضه التعايش الصعب الذي عرفته فترة ترؤس جاك شيراك الحكومة وخلافه مع الرئيس الاشتراكي الراحل بسبب رفض هذا الأخير تغيير رولو سفيرا في تونس قبل تعيينه سفيرا في بلد يليق بمقامه وقامته. بعد تعيينه سفيرا متنقلا وفي تركيا (1988ـ 1991)، أصبح رولو عضوا في لجنة رعاية محكمة راسل حول فلسطين التي انطلقت في أشغالها عام 2009 وعاد إلى الممارسة الصحفية من خلال مقالات مرجعية نشرها في صحيفة “لوموند ديبلوماتيك” الشهرية التي عمقت صداقته مع الكاتب آلان غريش المثقف الفرنسي الذي وُلد هو الآخر في مصر وعُرف بمواقفه المؤيدة لاستقلال الشعب الفلسطيني مثل المقاوم اليهودي الكبير الراحل ستيفان هيسيل الذي اعتبر حركة حماس رمزا للمقاومة وليس للإرهاب مثل سيسي مصر اليوم.
لكن ما ميز الراحل رولو الذي لم يذرف عليه الإعلام الفرنسي الدموع التي يستحقها حاملو شعار “مع إسرائيل ظالمة أو مظلومة”، يتمثل في الشهرة التي أعطاها لصحيفة “لوموند” واعتباره أحد أعداء التضليل الإعلامي الإسرائيلي والدليل على ذلك وصف موقع “دراز أنفو” الراحل بـ”المقرّب من الإخوان المسلمين والدكتاتورين القذافي وعبد الناصر وأحد مؤسسي محكمة راسل القذرة التي كانت تعمل على حرمان إسرائيل من الوجود”. وهذا عكس ما قاله لي، إذ دافع بالمقابل عن حقوق الشعب الفلسطيني كاملة وندد بالسياسية الإسرائيلية باعتبارها “استعمارا عنصريا موصوفا”.
الموقع المذكور قال أيضا عن الراحل بلغة الشماتة إنه عمل إلى جانب ليلى شهيد وستيفان هيسيل المحرر المزيف لإعلان حقوق الإنسان. وكما يقول الفرنسيون كانت حبة الكرز على الحلوى الإسرائيلية قول الموقع بأن الراحل كان من المعادين للسامية: “يهود مثل رولو أخطر وأفظع من الأعداء المعلنين فليمُت منسيا”.
كان رولو مريضا حينما كان يكتب مذكراته التي صدرت عام 2012 تحت عنوان “في كواليس الشرق الأوسط” وهو الكتاب الذي شرح فيه كيف لا يمكن لإسرائيل أن تعيش دون الحرب. الكتاب الذي سمعت أنه بصدد الترجمة في وقت سابق لا أعرف إن صدر باللغة العربية أم لا؟ عار على العرب إن لم يكن الأمر قد تم فعلا.