-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

هل نحن صائمون؟

هل نحن صائمون؟

ماذا يعني، أن تعلن شركة نفطال، عن رفع إنتاجها وتزويد محطات الوقود خلال شهر رمضان بضعف الكمية المعتادة؟ ماذا يعني، أن تُطمئن الحكومة الجزائريين، ببواخر الحليب والبنّ والسكّر واللحوم القادمة من القارات الخمس الذي تضاعف عددها وعدّتها خلال شهر الصيام والقيام؟ وماذا يعني أن تعلن مصالح الأمن، ما يشبه حالة الطوارئ وتتواجد ليلا بأضعاف الأعداد المعتادة؟

الزائر للجزائر في اليومين الأولين لشهر الصيام، يظن أن مجاعة تقرع الأبواب، وجب التصدي لها بالشراهة، وأن الثراء والبذخ أفقد غالبية الشعب عقله، أم أن جيوشا غازية قد حطّت في موانئه ومطاراته، فالعلاقة بين الدولة والشعب، تكاد تنحصر بين استيراد الأكل واستهلاكه إلى حد التخمة أو الإسراف والتبذير، بل دعونا نعترف بأن العلاقة بين الطرفين مشدودة بأمعاء ليست غليظة، مهمتها الوحيدة نقل الطعام إلى المعدة، وإذا كانت روح رمضان هي الحضارة بعينها، فإن ما يحدث في رمضان من تهافت التهافت، يُبعدنا عن التحضّر بسنوات ضوئية، فالمواطن لا يطلب الكهرباء، إلا لأجل استعمال المكيفات الهوائية في نوم نهاري عميق، ولا يطلب الماء إلا لأجل غسل العشرات من الصحون التي كانت مملوءة قبل آذان المغرب، ولا يطلب الأنترنت إلا لممارسة الثرثرة والضحك على ذقنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تهمّه وسائل النقل، إلا لأجل التنقل إلى الأسواق ومحلات مختلف الأكلات، وتشعر الدولة بسعادة غامرة عندما تتأكد بأن همّ المواطن مقتصر على بطنه، فتفجر بقايا آبار النفط وتفتح للأثرياء أبواب رزق أخرى، ليقوموا بالعملية البسيطة المعروفة اقتصاديا بالاستيراد، وتلعب مع المواطن دور الأم الحنون للحظات تقدم له تارة قفة رمضانية وأخرى مطاعم الرحمة المخدّرة، دون أن تعطيه حليب رضاعة طبيعي، أو تُعقمه ضد أمراض الكسل والخمول والاتكال، أو تدخله مدرسة علّه يلتحق بركب يسير بسرعة البرق، انطلق منذ عقود، وهو لا يعلم.

تعامل السلطة مع المواطنين بـ”تطميناتها البطنية” وقبول المواطن، وأحيانا ابتهاجه بسماع أخبار بواخر اللحوم القادمة من البلاد التي اكتشفها كريستوف كولومبس، فيه الكثير من سادية النظام الذي صار يتسلّى بشعب لا همّ له سوى الماديات، ومازوشية شعب فاتح فاه على الدوام، ومُغيّب لعقله، إلى درجة أنه جعل شهر الصوم شهرا للتخمة، وشهر الشياطين المصفدة إلى شهر يُطلق فيه سراح كل شياطين الإنس والجن.

يُعرّف شهر رمضان فقهيا بأنه ميزان الباطن للأعمال، تسنح فيه فرص مراجعة النفس والتوبة عن كل الموبقات، ويُعرّف تاريخيا أنه شهر الانتصارات الإسلامية الكبرى من معركة بدر وفتح مكة، إلى موقعة عين جالوت وفتح الأندلس، ويعرّف قرآنيا بأنه الشهر الذي أنزل فيه القرآن هدى ورحمة، ولكن ما نتابعه في “رمضاننا” يختلف عن كل هذه التعريفات.

قديما سأل الداعية الإسلامي أبو الأعلى المودودي في كتاب: “هل نحن مسلمون؟” فثارت ضده الهند وباكستان، وحُكم عليه بالإعدام عام 1953 لولا الضغط الشعبي الذي أسقط الحكم.. ونحن نسأل الآن: هل نحن صائمون؟.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • مصطفى

    المواطن الذي رفع معول التخريب لتهديم داته لا يستحق الإحترام

  • مالك

    فعلا لم نعد متيقنين من كوننا صائمون أو لا ؟ فما عدا ترك الأكل والشرب لم نعد نرى أيا من مظاهر الصيام ؟
    ملاحظة فقط : الى صاحب المقال هل أنت متأكد أن كتاب هل نحن مسلمون هو للمودودي ؟؟؟ أعتقد أنه لمحمد قطب .والله اعلم

  • الزهرة البرية

    ما جعل الحكومة تعزف على هذا الوتر إلا لأنها تدرك تماما أنه الوتر الحساس للجزائريين , فلا نلوم الحكومة في كل شيء بل نلوم الشعب الخامل الذي ألف النوم ويطالب بالأكل ليوضع في فاه , ونلوم المحتجين الذين نسجت العنكبوت خيوطها على أجسادهم بعد أن تعودوا البطالة والدخل المريح ويحتجون بصخب كلما نقص غذاء أو راتب والأدهى أن يباركها بعض الإعلاميين, لكننا في المقابل لم نر مسيرة تندد بسكوت الدولة إزآء قضايا تخص كرامة الجزائر , أو تطالب بموقف مشرف إزآء القضايا العربية والإسلامية...

  • فاطمةنسومر

    الجواب واضح وبين لا يختلف عليه اتنان نحن طبعا صائمين
    لكن السؤال نحن صائمون عن مادا
    نحن صائمون عن العمل
    نحن صائمون عن الطاعة
    نحن صائمون عن البداع والابتكار
    نحن صائمون عن التغيير الايجابي
    ويبقى السؤال كيف نتغير الى الاحسن

  • bachir dekar

    نعم هذه الحقيقة البشع يا اخي فشعبنا متخلف يحب المال وثروة و لو كان بالحرام و يعصون الله ونحن في شهر رمضام المبارك شهر التوبة والغفران وهم لا يدركون وانا اشكرك على هذا المقال الرائع و رمضان مبارك علينا وعليكم وتقبل الله صيام الجميع