-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الإرهاب الثقافي والأدبي لخلايا التنوير النائمة!

الإرهاب الثقافي والأدبي لخلايا التنوير النائمة!

خلال أيام ثقالٍ من السجال الأدبي والثقافي، النخبوي والمجتمعي، الإعلامي والافتراضي، حول رواية “هوارية” لصاحبتها إنعام بيوض، المتوّجة بجائزة “آسيا جبار” في طبعتها الجديدة، وقف الجزائريون، المصدومون من لغة سوقيّة نابيّة بذيئة في النص الروائي، على حقيقة أدعياء “التنوير والاختلاف والتسامح والرأي الآخر”.
ما عشناه طيلة الأيام الماضية من ردود فعل تجاه العمل الأدبي المذكور، ومواقف موثّقة لكتّاب يصنّفون في خانة “الكبار”، ينسحب عليه المثل العربي الشهير “رمتني بدائها وانسلّت”، ذلك أنّ ما حاولوا عبثا وزورا إلصاقه بالقرّاء الناقدين والمعترضين على السفاهة اللغوية، وهم طيف واسع من مختلف المستويات والمشارب، ينطبق في واقع الحال على عرّابي الإبداع المنفلت أخلاقيا.
لم يكن اعتراض الجزائريين الغاضبين على تتويج رواية بجائزة رسمية مموّلة عموميا، كان يفترض فيها أن تنسجم مع قوانين البلد والآداب العامة للمجتمع، سوى رفض للابتذال والإساءة للأخلاق والأذواق بكلمات مستعارة من قواميس بيوت الدعارة والملاهي الليلية!
من حق المجتمع بكل قواه الحية، بل من واجبه، الدفاع عن مرجعتيه الأخلاقية والقيمية أمام موجة الانحلال الأدبي والثقافي الموجّه، خاصة لما تريد أقلية أيديولوجية مكشوفة ومنبوذة فرض نمط حياتها المادية والغريزية على الآخرين، وتجعل من الخزينة العمومية مطيّة لأهدافها غير المشروعة.
إنّ المتابع لتسويغات المدافعين، في واقع الحال، عن أنفسهم ومواقعهم ومزاياهم وأعمالهم الأدبيّة الشبيهة، من خلال تبنّي رواية “هوارية”، مضمونا ولغة وإبداعا، سيقف على حقيقة التخبط والتناقض وتهافت موقف هؤلاء أمام مشروعية الاحتجاج الشعبي.
لقد حاولوا في البداية اتّهام المنتقدين بـ”الجهل الأدبي” وعدم التخصّص في النقد الأكاديمي والبعد عن عوالم الرواية وتقنيات الكتابة الإبداعية التخيلية، ظنّا منهم أنهم أمام جيش من العوام في ساحة الثقافة، لكن سرعان ما فاجأهم فطاحلة من أعلام النصوص البديعة بموقف الرفض للنزول بالإبداع إلى كلمات الفحش وخدش الحياء.
حينها هربوا إلى دعوى أخرى باطلة، وهي أن الكتابة انعكاس للواقع المعيش، بذريعة أن لغة الرواية هي نفسها الحقيقة المتداولة في الاتصال اليومي بين الجزائريين، إذ أضحى دور الروائي، في منطق أنصار العهر اللفظي، هو تقرير فواحش المجتمع الكلامية وتحويلها إلى لغة أدبية عادية، تتوشّح بها فصول الإبداع الجديدة، لتكون جديرة بالتكريم على أعلى مستوى، باسم الدولة الجزائرية، بصفتها معبّرا عن الأدب الجزائري في أبهى صوره وتجلياته التخيلية!
ولمزيد من الحجج الواهية على دعواهم الساقطة، راحوا يستحضرون روايات تعج بسوء الأدب لروائيين جزائريين أشهر من نار على علم، ليكون ذلك برهانا منهم على صواب الخطأ الفادح، بما يعني في عرف هؤلاء، أنّ اقتراف الموبقات من عدّة أفراد يجعلها سلوكا مقبولا أخلاقيا من المجتمع بمعيار الأمر الواقع، ومن يرفع جريرته بالاستنكار، فهو عندهم “منافق” يعاني انفصام الشخصية، ويسعى لتغطية الشمس بالغربال!
أما أخطر ما تكشّفت عنه فضيحة الرواية، فهو تلك العقدة الاستعلائية التي ينظر من فوق برجها العاجي أدعياء الأدب والثقافة، من زمرة التنوير الاستلابي، إلى مخالفيهم فكريا ومنهجيا من القامات الكتابية، قبل عموم الجمهور، وقد قرأنا من أوصافهم في حق المنتقدين للعمل المتوّج ما يندى له الجبين ويثبت بضاعتهم المزجاة، إذ “كل إناء بما فيه ينضح”.
لقد كان لهم من الجرأة، وإن شئتم فاعتبروها من سوء الأدب، أن يطلقوا على مخالفيهم في الرأي الأدبي توصيفات “الإرهاب، والتكفيريين، والتطرف، والظلامية، والنفاق، والمليشيات الشعبية، والانكشاريين الجدد، وحرّاس الضمائر، وأعداء الفكر الحر”، وسواها من قبيح النعوت المنفّرة، والتي لا يتكئ عليها سوى عديم حجة الإقناع في مدافعة الموقف الصائب.
وتبريرا للهجوم العنيف على ناقدي الرواية، والذي لا يناسب مقام الاختلاف الأدبي، اجتهد القوم في تمثّل مقولة “ضربني وبكى ثم سبقني واشتكى”، في محاولة لاصطناع مظلومية مفضوحة، زاعمين مواجهتهم بالتكفير والنيل من أعراضهم وتهديدهم في حياتهم الخاصة، وهي كلها أباطيل منسوجة عمدا لتحريف النقاش الأصلي، وكسب الأنصار بالعواطف، والأهم من ذلك هو لفت أنظار دوائر الخارج لقضيتهم غير العادلة، تحت عنوان “الدفاع عن حقوق الإنسان” و”الإبداع” و”الحرية”، ونحن نطلب منهم أن يثبتوا صحة دعاويهم بنموذج واحد من تدوينات الشخصيات العامة وأصحاب الرأي، بينما كل ما أوردناه من ممارسات إرهابهم اللفظي والفكري والنفسي ضد الأغلبية هو مدوّن على صفحات مشاهيرهم.
تقول الحكمة “ربّ ضارة نافعة”، وما جرى في جائزة “آسيا جبار 2024” وضع النقاط على الحروف في علاقة تلك الشلّة الأدبية بعمق المجتمع الجزائري؛ فقد أبان عن وعيها الزائف وأخلاقها الهابطة وغرورها الفارغ وغربتها الثقافية واصطفافها الأيديولوجي، وهذا ما ينبغي عدم مروره مرور الكرام، بغضب عابر لإثبات الذات في مواجهة التيار الانحلالي الناشط خارج القانون نفسه، وبمخالفة المرجعية الأخلاقية للأمة، بل وجب أن يكون مدعاة لإعادة النظر في واقع ثقافي مؤسساتي غير سوي، تم تأثيثه بالسطو والنفوذ والتحيّز وغياب معايير موضوعية في كل شيء، ويكفي دليلا بهذا الصدد، ما كشفه أحد الناشطين الثقافيين عن تزوير نتائج الجائزة قبل سنوات، على يد وزير سابق محسوب على العائلة الروائية، من دون أن تعلن أي جهة حتى الآن التحرك للتقصي والحساب!
ما المطلوب الآن؟ لن نقترح على الجهات المعنية برسالة المجتمع أي رأي، وسنتركهم أمام نداء الضمير الجمعي ومحكمة التاريخ، لكن في الجهة الأخرى، ننتظر من الغيورين على الثقافة الوطنية الأصيلة في كل المواقع الرسمية والشعبية والجمعوية الانتظام، لتشكيل قوة تدافع ضد المسترزقين من موائد المال العام، باسم “رعاية الكتاب والإبداع”، وفريق منهم يقتات على “دراهم” البلاطات المتصهينة، ثم يشهرون سيوف البغي الأيديولوجي في وجه الأغلبية، فهي في نظرهم مجرد “دهماء وغوغاء”، على حد توصيف منتحل صفة “أديب” برتبة متملّق كبير.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!