المؤرخ فابريس ريسبوتي: ماكرون يتناسى مسؤولية الدولة الفرنسية في الجرائم التي يعترف بها
في بيان الإليزيه حول اغتيال الشهيد العربي بن مهيدي، نسب ماكرون الجريمة إلى بول أوساريس دون التطرق لمسؤولية السلطات العسكرية والحكومة الفرنسية آنذاك في الجريمة.
هذا في حين يرى المؤرخ فابريس ريسبوتي، المتخصص في القضايا الاستعمارية وما بعد الاستعمارية، في إجاباته على أسئلة “الشروق أونلاين” أن مصير شخصية في الثورة التحريرية مثل بن مهيدي لم يكن أوساريس هو من قرره.
ويقول ريسبوتي: “البيان الصادر عن الإليزيه في الفاتح نوفمبر 2024 لم يحمّل مسؤولية هذه الجريمة إلا لبول أوساريس وحده، الذي نعلم أنه كان يقود فرقة سرية للموت خلال حملة القمع الكبرى في الجزائر عام 1957، بتنسيق وثيق مع الجنرال ماسو ووزير الجزائر روبرت لاكوست. بمعنى آخر، يمكن الاعتقاد بأن الأمر يتعلق بعمل فردي ارتكبه عسكريون من رتب دُنيا. ولم يتطرق البيان إلى مسؤولية المؤسسة العسكرية، فضلا عن حكومة غي موليه. ويبدو أن ماكرون، منذ بدايته في تناول “الذاكرة بالتقطير” في عام 2018، معتاد على “نسيان” مسؤولية الدولة في الجرائم التي يعترف بها”.
ويتابع المؤرخ: “عندما أدان في 2021 المجزرة في حق الجزائريين في 17 أكتوبر 1961 بباريس، أشار فقط إلى مسؤولية موريس بابون، وكأن المحافظ لم يكن ينفذ أوامر الحكومة. وبالنسبة لبن مهيدي، من الواضح أن مصير شخصية بمثل أهميته لم يكن من يقرره هو الملازم أوساريس، الذي نُسبت إليه في البيان زورا رتبة جنرال عام 1957. إن قرار إعدام بن مهيدي بدلا من تقديمه لمحكمة عسكرية جاء بالضرورة – عبر أمر شفهي، دون شك – من ماسو ولاكوست. ثم قام أوساريس بالتغطية على الجريمة كعملية انتحار، كما حدث في كثير من الحالات مع الجيش عام 1957، وخاصة بالنسبة لعلي بومنجل.”
إقرأ أيضا: هنا يُغرَق الجزائريون.. تاريخ صورة وثّقت المجزرة
كما أشار بيان الإليزيه أيضا إلى مارسيل بيجيار، كذلك الذي يُقَدِّر بن مهيدي وأراد القدوم إلى الجزائر للترحم عليه. بالنسبة لريسبوتي، مؤسس مشروع 1000autres.org حول ضحايا الإختفاء القصري في الجزائر العاصمة عام 1957، بالتعاون مع المؤرخة مليكة رحال، وموقع histoirecoloniale.net، فإن “الإشارة إلى شهادة بيجيار في هذا السياق أمر ذو دلالة. فبيجيار نفسه يعتبر من أبرز رموز الانتهاكات التي كان بن مهيدي ضحيتها! حيث أن فوج بيجيار، الفوج الثالث للقوات المضلية، هو الذي أعلن رقما قياسيا من حالات “الانتحار” و”محاولات الفرار” للمحتجزين في عام 1957، حسب أرشيف الجيش الفرنسي الذي عَثَرْتُ عليه. وهي إشارات نعلم أنها تخفي حالات وفاة تحت التعذيب أو بالإعدام خارج إطار القانون. وقد نُسب اسمه إلى الضحايا الذين كانوا يُلقَون من المروحيات مثقلين بالأحمال إلى البحر، وكان يُعثر عليهم أحيانا على الشواطئ، ويُعرفون بـ”جمبري بيجيار“. إن تقدير بيجيار لبن مهيدي، الذي سلمه بنفسه لأوساريس، وهو يعلم تماما ما سيحدث له، هو إحدى أساطير “المظليين” المتكررة، دون أن تؤكدها أي مصادر موثوقة”.
أما بخصوص أسباب رفض فرنسا الاعتراف بجرائمها الاستعمارية وإدانتها، فيوضح لنا الباحث المشارك في معهد تاريخ الزمن الحاضر التابع للمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي: “بعد عام 1962، ساد صمت طويل حول الجرائم الاستعمارية. وفي سنوات 1990 و2000، ظهرت في فرنسا حاجة إلى الحقيقة. ثم، وخاصة منذ فترة ساركوزي، حدث رد فعل معاكس، حيث تم توجيه اتهامات لأولئك الذين يسعون للاعتراف بالحقيقة بأنهم يُعرضون شرف البلاد للإهانة. في عام 2017، أثناء حملته الانتخابية في الجزائر، وصف ماكرون الاستعمار بأنه “جريمة ضد الإنسانية”، ثم تراجع سريعا، ليبدأ هذا النهج للذاكرة “بالتقطير” الذي يبدو غريبا بالنسبة للجزائريين. ووفقا للوضع السياسي الداخلي وحالة العلاقات مع الجزائر، يوزع ماكرون الاعترافات بين مختلف الجماعات السياسية، وغالبا دون احترام التاريخ، كما في حالة بن مهيدي. في هذه الحالة، كان الهدف بوضوح التعويض عن الآثار السلبية لانحيازه إلى المغرب في قضية الصحراء الغربية.”
أخيرا، وفي إجابته على سؤال “الشروق أونلاين” حول هل هناك تأثير لليمين المتطرف في رفض فرنسا الاعتراف بجرائمها الاستعمارية، يُجيبنا مؤلف كتاب “لوبان والتعذيب: الجزائر العاصمة 1957، التاريخ ضد النسيان”: “بالتأكيد. إن رفض مواجهة الماضي الاستعماري، بل حتى الميل إلى إعادة الاعتبار للاستعمار، هما جوانب من اليمين المتطرف والتصاعد الكبير للعنصرية في فرنسا. ومع حكومة بارنييه التي تستند فقط إلى دعم حزب لوبان في الجمعية الوطنية، من المرجح جدا أن نشهد هجوما في هذا المجال.”