-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

فرانتز فانون.. صوت الثورة الجزائرية ومُنظِّر الكفاح ضد الاستعمار

ماجيد صراح
  • 966
  • 1
فرانتز فانون.. صوت الثورة الجزائرية ومُنظِّر الكفاح ضد الاستعمار
ح. م
فرانتز فانون (1925 - 1961)

تمر اليوم الجمعة 6 ديسمبر، 63 سنة منذ وفاة فرانتز فانون، أحد أبرز الشخصيات في الجزائر، إفريقيا والعالم. كان فانون طبيبا وفيلسوفا، بالإضافة إلى كونه مناضلا، وأينما حل وارتحل، كان رجلا ثوريا.

هو أحد مؤسسي الحركة الفكرية في العالم الثالث، أحد منظري مناهضة الاستعمار، وقد ألهم ولا يزال يلهم حركات التحرر في العالم. وحتى وبعد وفاته، كان أحد ملهمي الدراسات ما بعد الإستعمارية.

وُلد فرانتز فانون في 20 جويلية 1925 في فورت دي فرانس، عاصمة جزيرة المارتينيك، شرق الكاريبي. عام 1943 انضم وهو صاحب الـ18 عاما إلى “قوات فرنسا الحرة” بقيادة الجنرال ديغول، وذلك لمواجهة النازية. وهو الالتزام الذي عبر عنه قائلا: “كلّما كانت الحرية وكرامة الإنسان محل تساؤل، فإننا جميعًا معنيون، سواء كنّا بِيضًا أو سودًا أو صُفرًا”.

لكن هذه التجربة جعلته يكتشف الوجه الآخر من فرنسا الاستعمارية. فإن كان يعتبر نفسه فرنسيا مؤمنا بقيم فرنسا، والتي تبعد عن موطنه قرابة 7000 كلم، إلا أنه اصطدم هناك بالعنصرية من طرف الفرنسيين الذين كانوا ينظرون إليه كمجرد “زنجي”.

في رسالة إلى والديه، عاما بعد التحاقه بالحرب، كتب فانون: “لقد أخطأت، لا شيء على الإطلاق يبرر قراري المفاجئ بالدفاع عن مصالح المزارعين الذين لا يهمهم إذا كنت أدافع عنهم أم لا.”

فرانتز فانون. Everett Collection/Alamy

هذه التجربة الشخصية له كأسود بشرة، إضافة إلى تجربته في دراسة الطب في فرنسا حيث تحصل على شهادة الدكتوراه في 1952، كي يتربص بعد ذلك في أحد المستشفيات الفرنسية، كانت منطلق فانون لكتابة “بشرة سوداء، أقنعة بيضاء” الذي نشره في 1952.

في هذا الكتاب، من منطلق العلاقة بين البيض والسود، حلل فانون الآثار المدمرة للاستعمار على الإنسان، من عقد مخاوف والاضطرابات النفسية الجماعية وكل أشكال الانحطاط العاطفي التي يخلفها الاستعمار.

أول اتصال لفانون مع الجزائر كان في بجاية عام 1944، أثناء التحاقه بالقوات الفرنسية للمشاركة في الحرب، ليعود إليها بعد ذلك كرئيس مصلحة الطب العقلي في مستشفى الأمراض العقلية في بليدة عام 1953، وهو لم يتجاوز الـ28 عاما.

في هذا المستشفى، ينطلق فانون في ثورة ضد الطب العقلي الممارس أنذاك، والذي تنظر أطروحاته إلى الجزائريين نظرة دونية، فيما يقوم الطبيب الشاب فانون بإدخال أساليب حديثة لعلاج المرضى، مع تكييفها مع الثقافة الجزائرية والأخذ بعين الاعتبار آثار الاستعمار المدمرة على الجزائريين. وحول هذا كتب فانون: “إذا كان الطب النفسي هو التقنية الطبية التي تهدف إلى تمكين الإنسان من عدم الشعور بالغربة في بيئته، فيجب أن أؤكد أن العربي، الذي يعيش في حالة اغتراب دائم في بلده، يعيش في حالة من فقدان الهوية المطلقة… إن البنية الاجتماعية القائمة في الجزائر كانت معادية لأي محاولة لإعادة الفرد إلى جذوره.”

فيلاحظ فانون أن الإنسان المستعمَر حوله الاستعمار إلى “كائن طفولي، مضطهد، مرفوض، منزوع الإنسانية، مغترب”.

أثناء عمله كطبيب في هذا المستشفى، عالج فانون، إضافة إلى الجزائريين ضحايا التعذيب، جلاديهم من الضباط الفرنسيين الذين مارسوا التعذيب ضد ضحاياهم الجزائريين.

عام 1956، استقال فرانتز فانون من منصبه، وكتب في رسالة استقالته إلى الحاكم العام روبير لاكوست: “السيد الوزير، إن الأحداث الجارية التي تدمي الجزائر لا تشكل فضيحة في نظر المراقب. هذا ليس حادثا ولا فشلا في النظام. إن الأحداث التي وقعت في الجزائر هي النتيجة المنطقية لمحاولة فاشلة لنزع أدمغة الشعب.”

وبعد استقالته من منصبه كطبيب، التحق فرانتز فانون بالثورة التحريرية، ومع قرار السلطات الفرنسية طرده من الجزائر، التحق بجبهة التحرير الوطني في تونس أين كتب في جريدة “المجاهد” وقبلها “المقاومة الجزائرية”.

فرانتز فانون خلال ندوة في تونس. صورة: حقوق محفوظة

إضافة إلى نشاطه النضالي في جبهة التحرير الوطني، ككاتب وطبيب، جعلت الثورة التحريرية من فرانتز فانون دبلوماسيا يعبر عن وجه نظر الديبلوماسية الجزائرية بالأخص في القارة الإفريقية. وأثناء هذه الفترة، تعرض لعديد محاولات الإغتيال.

إقرأ أيضا: في اليوم العالمي لإفريقيا.. من هو  الثائر أميلكار كابرال؟

فشارك مع الوفد الجزائري في المؤتمر الأفريقي في أكرا عام 1959، كما تم تعيينه في مارس 1960 سفيرا للحكومة الجزائرية المؤقتة في غانا.

هذا ما سمح لفرانتز فانون بالاهتمام أكثر بإفريقيا والعمل على استقلال دول القارة السمراء وشعوبها، ولقاء كبار الثوريين الأفارقة، مثل الغاني كوامي نكروما والكونغلي باتريس لومومبا أو والكاميروني فيليكس مومييه.

لم يتوقف فرانتز فانون عن نشاطه الفكري، بل ساعده نضاله إلى جانب جبهة التحرير واطلاعه على مختلف التجارب التحررية في افريقيا على التفكير في أشكال العنف الذي مارسه المستعمِر لإخضاع المستعمَر لإدامة هيمنته.

ووصل فانون إلى نتيجة أن النظام الاستعماري، الذي بُني على العنف، لا يمكن هدمه إلا بعنف مضاد أقوى منه، وهو ما عبر عنه في خطابه خلال مؤتمر أكرا عام 1960، قائلا: “الاستعمار ليس آلة تفكير، وليس جسداً يتمتع بالعقل. إنه العنف في حالته الطبيعية، ولا يمكن أن ينحني إلا أمام عنف أكبر منه.”

عام 1959، نشر فرانتز فانون كتاب “العام الخامس للثورة الجزائرية“، والذي جمع فيه عدة نصوص تحلل الثورة التحريرية. فمثلا، أثناء حديثه عن المرأة الجزائرية والثورة، يتناول مثلا “الحايك” الذي ترتديه النساء، وكيف أن المرأة الجزائرية كانت ترتديه كوسيلة للدفاع عن الهوية أمام الإستعمار.

عام 1960 يكتشف فانون أنه مصاب بنوع حاد من اللوكيميا، ما يجعل أيامه معدودة، فيشرع حينها في كتابة آخر كتاب له هو “معذبو الأرض“، أين حلل الإستعمار واغتراب المستعمَرين وحروب التحرير. كما تناول دور العنف بين المستعمَر والمستعمِر، ودعا إلى محاربة الاستعمار، بما في ذلك باستخدام العنف.

قبر فرانتز فانون في مقبرة الشهداء في عين الكرمة بولاية الطارف. صورة: ويكيبيديا.

وهو الكتاب الذي نشره فرونسوا ماسبيرو، المساند للقضية الجزائرية، في 1961، أياما قبل وفاة فرانتز فانون قرب واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية عن عمر 36 عاما.

لينقل جثمانه إلى تونس أين ألقى كريم بلقاسم كلمة تأبينية باسم الحكومة المؤقتة قال فيها: “في هذه اللحظة المؤلمة التي تفارقنا فيها، تتألم قلوبنا أشد الألم بفراق أخ عزيز فقدناه مبكراً، وقد عرفناه جميعاً بوطنيته الصادقة، وحماسه الثوري، وتفانيه الدؤوب في خدمة قضية شعبه، فضلاً عن صفاته الفكرية الرفيعة.”

إقرأ أيضا: “الشروق أونلاين” تزور منزل بطل الثورة التحريرية كريم بلقاسم

ليتم بعد ذلك طبقا لوصيته، نقله إلى الحدود الجزائرية ودفنه في مقبرة سيفانة مع رفقاءه في الثورة التحريرية، لينقل بعد الاستقلال إلى مقبرة الشهداء في عين الكرمة بولاية الطارف.

قبل وفاته بشهر، كتب فانون رسالة إلى صديقه روجي طيب قائلا: “ما أود أن أخبرك به هو أن الموت معنا دائمًا، والسؤال ليس معرفة ما إذا كنا نستطيع أم لا الهروب منه، ولكن إذا وصلنا إلى الحد الأقصى للأفكار التي آمنا بها. ما صدمني هنا، في سريري، عندما أحسست بقوتي تختفي مع دمي، ليس الموت، فكان من الممكن أن أموت قبل ثلاثة أشهر في مواجهة العدو، وأنا كنت أعرف أنني مصاب بهذا المرض. نحن لا شيء على الأرض، إذا لم نكن في المقام الأول عبيدًا لقضية، قضية الشعب وقضية العدالة والحرية. أنا أود منك أن تعلم أنه حتى عندما حكم علي الأطباء بالموت، كنت لا أزال أفكر، مع كل ذلك الضباب، في الشعب الجزائري، في شعوب العالم الثالث، وإذا تماسكت فذلك كان بفضلكم.”

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • تحية خاصة

    الله يرحمه و يسكنه فسيح جناته، فيلسوف مفكر و ثوري جد محترم.