-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مساندة طاقم وزارة التربية : كيف ذلك؟!

مساندة طاقم وزارة التربية : كيف ذلك؟!

قرأنا في الأخبار الصحفية أن وزارة التربية مُـقْدِمة على إصلاح تدريس اللغة العربية بعد أن لاحظت تدنّي المستوى في هذه المادة لدى التلاميذ. لسنا متأكدين بأن من يرغبون في إصلاح كيفية تدريس اللغة العربية في البلاد يريدون فعلا خيرًا لها وتعميمًا لاستخدامها.

مساندة مشبوهة!

ما يجعلنا نسيء الظن هو ما نراه ونشهده في الميدان منذ عقود من سوء تعامل مع هذه اللغة الرسمية والدوْس عليها وكسر شوكتها بكل الطرق. وقد ازداد الأمر سوء خلال السنوات الأخيرة، فالوضع المتردّي للغة العربية في البلاد بادٍ للعيان المجرّدة. وليس ثمة من صغار أو كبار المسؤولين من يعير أهمية لهذا الوضع أو يحرك ساكنا. تلك هي حال الشأن اللغوي عندنا.

تُـــرَى، كيف نريد أن تكون نظرة التلميذ والمواطن لهذا الجانب إذا ما شاهد على شاشة التلفزيون الوطني مثلا أحد كبار المسؤولين يلقي كلمته بلغة أجنبية وإلى جانبه ضيف أجنبي ليست تلك هي لغته؟! وماذا سيكون ردّ فعله عندما يفاجئه هذا الضيف بارتجال كلمته باللغة العربية؟؟ وماذا سيكون انطباع التلميذ والمواطن حول التعامل اللغوي عندما يشاهد أثناء النشرة الإخبارية بالعربية ساسة البلاد يخاطبون الناس باللغة الفرنسية وبدون ترجمة إلى العربية؟ ! هذه عيّنة بسيطة من التناقضات اللغوية التي نعيشها يوميا.

ولو كان الأمر عكس ما وصفنا آنفا لكان طاقم وزارة التربية أول من حرص على تعلم هذه اللغة وأتقنها قبل التفكير في تلقينها للتلاميذ، ولَخاطب المعلم والمتعلم بلغة عربية سلسلة ودقيقة بدون تلعثم ولا زلاّت لسان مثيرة ولا كلمات مبهمة المعنى.

ليس سرًا أن السلطات العليا برمتها تُسانِد مسانَدةً مطلقة الطاقم المسيّر لوزارة التربية، والأحداث الصعبة والأقل صعوبة التي مرت بها الوزارة وردود الفعل الرسمية والحزبية تؤكد هذه المساندة الراسخة… وهي مساندة من نوع “نُصرة الأخوة ظالمين كانوا أو مظلومين” بالمعنى المشوّه الذي يسود عند البعض. أما هذه النُصرة كما يفهمها الباقون – وهو المقصود من القول المأثور “انصر أخاك ظالما أو مظلوما” – فتعني أنه يتعيّن على السلطات المساندة لطاقم التربية أن تشدّ عضده ولا تتركه يهيم على وجهه بأن تسهّل له أداء مهامّه التربوية.

لنضرب مثلا بهذا المشروع التربوي الرامي، حسب الظاهر، إلى رفع مستوى التلاميذ والمعلم في اللغة العربية. كيف يمكن للسلطات المساندة أن تساعد طاقم التربية على تأدية هذه المهمة؟

تصوّرات

1- لنتصوّر أن هناك تعليمات واضحة صادرة عن السلطات العليا في البلاد تلزم الرسميين الحديث باللغة العربية النقيّة عندما يخاطبون بني جلدتهم سيما عبر وسائل الإعلام الوطنية وفي المحافل الدولية الرسمية. كيف سيكون انطباع التلميذ وذويه والمعلم والأستاذ حيال مكانة اللغة العربية آنذاك؟ وكيف سيحكمون على نظرة الرسميين لها إذا ما لمسوا منهم هذا الاحترام للغة المدرسة؟ لا شك أن هؤلاء سيعتبرون أنها لغة يُبجّلها الساسة ومن ثمّ فهي تستحق منهم أقصى الجهد لتعلمها وتعليمها. وسيرتفع مستوى التلميذ تلقائيا من جراء ذلك الاعتبار!

2- ولنتصوّر أن السلطات المساندة أصدرت تعليمات للقنوات الإعلامية الناطقة بالعربية (المرئية والمسموعة) تلزمها بضرورة أن تُقَدم للمشاهد والمستمع نسبة 80% من برامجها باللغة التي يتعلمها التلميذ في المدرسة وليس بلغة الشارع الهجينة، بما فيها لغة المسلسلات والحصص الترفيهية والاجتماعية وغيرها. هل مثل هذه التعليمات ستساعد طاقم التربية على رفع مستوى التلميذ والمعلم في اللغة العربية؟ لا شك في ذلك!

3- ولنتصوّر أن السلطات المساندة أصدرت تعليمات تلزم أصحاب إعلانات الإشهار التجاري والإداري (الورقية والمسموعة والمرئية) باحترام لغة المدرسة احتراما صارما في كل ما يبثّون. كيف سينعكس هذا على مستوى التلميذ في اللغة العربية؟ لا شك أنه سيكون إيجابيا!

4- ولنتصوّر أن السلطات المساندة أصدرت تعليمات لكافة الإدارات والشركات الوطنية والأجنبية تلزمها بأن تكون الوثائق الموجهة للتعامل العمومي بلغة المدرسة. كيف سيكون الحال؟ ألا يترتب عن ذلك ارتفاع لمستوى التلميذ في اللغة العربية؟ نعم… لأنه لا يمكن أن يحدث العكس!

5- ولنتصوّر أن السلطات المساندة كلفت هيئة معينة، تحت وصاية المجلس الأعلى للغة العربية مثلا، بمراقبة الكتابات في الشوارع والمحلات المختلفة والإدارات التي لا تحترم القواعد النحوية للغة المدرسة، وتنبيه أصحابها وتبليغ السلطات العمومية لردع المستفزين. كيف سينعكس ذلك على مستوى التلميذ في اللغة العربية، إيجابا أم سلبا!؟

6- ولنتصوّر أن السلطات المساندة تنفق من الأموال المخصصة للثقافة والفن والتعليم والرياضة قسطا في باب الجوائز التشجيعية لازدهار لغة المدرسة بتأسيس مسابقات وجوائز ولائية ووطنية لأحسن تلميذ في اللغة العربية في كل مراحل التعليم ولأحسن معلم ولأحسن أستاذ في اللغة العربية ولأحسن مؤسسة من حيث استعمال اللغة العربية في أجهزتها. ولنتصور أن كبريات الشركات والمؤسسات الوطنية حذت حذو السلطات المساندة في موضوع الجوائز. كيف سيكون انطباع التلميذ والمعلم والمواطن؟ وما تأثيره اللغوي عليهم جميعا؟ ألن يكون تأثيرا إيجابيا يرفع مستوى التلميذ والمواطن في اللغة العربية؟

7- ولنتصوّر أن السلطات المساندة أصدرت تعليمات لتأسيس جوائز تشجيعا لأفصح المذيعين ومنشطي البرامج الإذاعية والتلفزيونية، ولأحسن المنتجين السينمائيين بلغة المدرسة، ولأفضل كاتب لقصص الأطفال بلغة المدرسة، ولأفضل صحيفة تحترم قواعد لغة سيبويه. كيف سيؤثر ذلك على محيط التلميذ وذويه ومعلمه؟ من يمكن أن يشكك في نجاعة هذا الإجراء في سبيل رفع مستوى المعلم والمتعلم في اللغة العربية؟

تلك هي إجراءات وخطوات بسيطة وغير مكلفة ماديا من شأنها أن تُقدّم مساندة حقيقية لطاقم التربية في باب رفع مستوى التلاميذ والمعلمين في اللغة العربية. وما من شك أنه بالإمكان إثراء هذه العينة من الإجراءات التي نراها صالحة أيضا في الدول العربية الأخرى. فالمساندة الفعالة لا تأتي أبدا عن طريق التصريحات الإعلامية التي تستعمل عندنا في كثير من الأحيان أسلوب الاستفزاز والتهجم على المنتقدين دون وضع الإصبع على موطن الداء.

دعونا نرى طاقم التربية يحظى بمساندة جادة تُثبتها الإجراءات الميدانية ولا تكَذّبها الأفعال!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • بن المعلم الجزائر العاصمة

    دائما لايصدر منك أشتاذنا الكبير إلا نفائس الأقوال وروائع الأفكار ، فعلا رجال يعيشون من أجل التفاهات ورجال من أمثالكم يحملون هم الأمة في قلوبهم فيدافعون عن دينها ولغتها ويحثون شبابها على العلم والمعرفة واكتساب التكنولوجيا

  • Mokhtar

    المقصود بالاصلاح هو العودة الى المناداة بالعامية ، وسياتيك بالاخبار من لم تزود .

  • رشيد

    الخديعة الكبرى هي اعتقادنا أن الجزائر تحررت من فرنسا ولها دستور يلزم المسؤولين التكلم باللغة الوطنية العربية أو الأمازيغية لكن عندما الرئيس والوزراء والمسؤولين في مؤسسات الدولة يتكلمون باللغة الفرنسية فأين استقلال الجزائر عن فرنسا. اللغة رمز للسيادة وليس وسيلة تخاطب فقط.

  • امين الوهرانى

    يا سي ابو بكر نحن في الجزائر و ليس في اليمن و نطمح كلنا الى بناء دولة دبمقراطية وباالتالى فان فرض اللعة العربية على الجزائريين هو عمل من الاعمال الفاشية الذى يتناف مع تاريخ الجزائر الذي ورثنا عنه اللغة الامازغية و اللغة الفرنسية.بايى حق تفرض الغة العربية على حساب اللغة الامازغية التي هي وليدة الرض الجزائرية لم تاتى لا من الشرق و لا من الغرب ولا يمكن ان نقبل بايى اجراء من شانه ان يهمش اللغة المازغية