-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
يعانون عقدا نفسية وعرضة لاستغلال العصابات

أبناء “المسبوقين قضائيا”.. قنبلة موقوتة تهدد المجتمع

نادية سليماني
  • 5362
  • 0
أبناء “المسبوقين قضائيا”.. قنبلة موقوتة تهدد المجتمع
أرشيف

يتحول غالبية أبناء “المجرمين” أو من يتواجد آباؤهم في السجون بسبب تهم خطيرة، إلى مشاريع مجرمين، والبقية تتقاذفهم عقد واختلالات نفسية واجتماعية، وأكثرهم يسقطون في مستنقع المخدرات، الذي يجرهم إما للسجن أو الموت بجرعة مخدّرات زائدة. وهذا في ظل غياب تكفل اجتماعي ونفسي بهم أو إصرار عوائلهم على إقحامهم في مستنقع الإجرام.
يُحذر مختصّون في علم النفس، من ظاهرة تأثر أبناء المجرمين وأصحاب السوابق القضائية، نفسيا واجتماعيا، ما يجعلهم مشاريع مجرمين مستقبلا، دون إرادة منهم، وتستقبل العيادات النفسية حالات منهم لمحاولة إخراجهم من هذه الدّوامة، التي تهدد مستقبلهم.
ولطالما اشتكت عائلات المسبوقين قضائيا، من حدوث اختلالات في شخصية أطفالهم القصّر، سواء بتراجع مستواهم الدراسي، أم عدم رغبتهم في الدراسة، أم معاناتهم من العزلة والاكتئاب. والأخطر هو تحوّلهم لمجرمين صغار، اقتداء بآبائهم أو إخوتهم.

أطفال يجنّدون لمراقبة رجال الأمن لحماية ذويهم “المجرمين”
الظاهرة رصدناها في كثير من القضايا المعروضة على المحاكم، خاصة في تهم استهلاك المخدرات أو المتاجرة بها، أين تُقحم العائلة أطفالها البالغون بين 6 و7 سنوات في الجريمة مُبكرا، إما عن طريق دفعهم لتوصيل وبيع المخدرات، أو مراقبة تحرّكات رجال الشرطة، فتترسخ هذه العادة في عقل الطفل عند كبره.
تستقبل العيادات النفسية الخاصة والعمومية، أبناء لمسبوقين قضائيا، ممن يعانون اختلالات نفسية، وهو ما أكده لـ “الشروق”، المختص في علم النفس حسام زرمان.
ومن بين الحالات الكثيرة التي استقبلها، أطفال لا يتجاوزون سن السابعة، مُتأثرون وبدرجة كبيرة بإجرام عائلاتهم، ما جعل شخصيتهم مُضطربة.
وقال زرمان: “لاحظتُ على مستوى عيادتي، وجود فئة من الأطفال يحضرون بالخصوص مع أمهاتهم وأجدادهم، ويكونون في حالة تأثر بالأعمال الإجرامية لأشقائهم أو آبائهم”.
واستقبل زرمان 10 حالات، من بينهم 4 أطفال يُعانون من مشكلة رسوب مدرسي واضح، واثنين آخرين، لديهما مشكلة في العدوانية والعصبية، وبقية الأطفال يعانون من مشكلات سلوكية محضة.

الصاروخ، نقتل وندخل الحبس.. عبارات يرددها أطفال
وكشف المختص خلال معالجته لهذه الحالات، ترديد الأطفال وتكرارهم على مسامعه، كلمات شعبية خاصة بالمجرمين، على غرار “الصّاروخ، اهرب جات الدولة، نقتل وندخل الحبس، انجيب عليك عامين حبس..”.
وسرد علينا حالة طفل عالجه يبلغ 7 سنوات من عمره فقط، والده المسبوق قضائيا، كان يطلب منه الجلوس في الشارع ومراقبة عناصر الأمن أو كما سمّاهم الطفل “الدّولة”، وأن يخبره بمجرد رؤيته لهم. وهذا ما كان يفعله الصبي. وفي آخر مرّة سارع الأخير لإخبار والده بقدوم الشّرطة.. فهرب الأب، بينما أصيب الصبيّ بنوبة ذعر وخوف لاحقا.
والدة الطفل، أحضرته للمختص النفساني لعلاجه، ومن بين ما قاله للطبيب: “أخاف أن يرجع بابا ويضربني، أو يأخذ أموال أمي مثلما اعتاد القيام به”.
واستشهد المختص بحالة طفل آخر يبلغ السادسة من عمره، تقول والدته، بأنه يفقد التركيز تماما أثناء مراجعة في البيت، والسبب أن بعضا من أقاربه يتاجرون في المخدرات، وعندما يحضرون لمنزله ويشاهدونه يراجع دروسه، يقولون له ” أنت ماكش تاع قراية، حبّسها خير”.

أغان تُمجّد الإجرام والمخدرات
وأشار النفساني، إلى أن أبناء المجرمين والمسبوقين قضائيا أو المتواجدون في السجون لتهم خطيرة وثابتة عليهم، يحتاجون فعلا إلى إعادة تأهيل واهتمام من نوع خاص. متأسفا في الوقت نفسه، لرواج بعض الأغاني مؤخرا، تمجّد الإجرام، وتذكر أسماء أنواع من المخدّرات والمهلوسات، وهو ما زاد الوضعية سوءا، لأن غالبية مستمعيها من القصّر والمراهقين، رغم أنّ السلطات القضائية صارمة في هذا الموضوع وتتابع “المغنّين” المتورطين في هذه القضايا.
ودعا المختص النفساني، إلى تنظيم حملات تحسيسية، على مستوى المدارس والمؤسسات التربوية وحتى المساجد “لأن تأثر الأطفال قد يصل لمراحل خطيرة جدا، خاصة وأن الطفل الصغير عبارة عن صفحة بيضاء، وأي سلوك قد يترسخ سريعا في ذاكرته”.

المخدرات غزت عقول “القُصّر”
وأشار رئيس الهيئة المدنية لإدماج ذوي السوابق العدلية والوقاية من العوْد، عمار حمديني، إلى تكفل الهيئة ماديا ونفسيا بأطفال عشرات العائلات، الذين يقبع آباؤهم في السجن، خاصة تلك العائلات التي تبقى فيها الأم وحيدة مع 4 أو 5 أطفال، وزوجها بالسجن، يقضي عقوبته.
وقال: “ليس لدينا الوسائل المادية الكافية للتكفل بالجميع، لأنهم كُثر، لذا نتكفل بالجزء القليل من هؤلاء الأطفال، بواسطة أخصّائيين نفسانييّن، بينما يساعدنا محسنون للتكفل بهم ماديا، خصوصا عند الدخول المدرسي من كل سنة”.
وأقرّ حمديني، رصد منظمته عديد الحالات لأطفال عائلات تحترف الإجرام، وهم يعانون من تدهور في نتائجهم المدرسية، ومن العدوانية والاكتئاب، ومن العزلة والغيظ ضد مجتمعهم.
وهو الأمر الذي جعله يكرّر نداءه إلى وزارة التضامن والأسرة، والشباب والرياضة، والشؤون الدينية، وخصوصا وزارة التربية الوطنية، لمرافقة أبناء المسبوقين قضائيا” والتي عليها تأمين مختص نفساني واجتماعي في كل مؤسسة تربوية، للوقوف ومتابعة هذه الشريحة من المجتمع، وما أكثرهم، لتوجيههم إلى حياة أفضل” على حد قوله.

دعوات لتعميم مصحات علاج الإدمان عبر الولايات
وأشار حمديني، بأنّ تعاطي المخدرات، ومتاجرة عائلات بأكملها بهذه الآفة الخطيرة، مع إشراك الأطفال، هي من الأسباب الرئيسية لانحراف القصر.
وقال لـ “الشروق”، بأنّ تعاطي المخدرات غزا مجتمعنا بشكل رهيب، وأصبح متمدرسون حتى في الطورين الابتدائي والمتوسط، يتعاطونها.
وأضاف “بصفتي محاميا، فأنا أقابل يوميا عشرات القضايا المتعلقة باستهلاك المخدرات والمتاجرة فيها، والتي تحولت إلى ملفات عادية بمحاكمنا، والمؤسف أن المتورطين فيها شباب في مقتبل العمر وطلبة”.
وكشف بأنّه يتابع ملفا قضائيا، لطالب ثانوي لا يتعدى عمره 19 سنة، محتجز منذ أيام لدى الضبطية القضائية، بسبب المخدرات وقد يعاقب هذا الطالب بعد محاكمته ربما بـ 5 سنوات سجنا، أو تكيف قضيته إلى جناية، عقوبتها بين 10 و20 سنة سجنا، “وهذا أمر مُحزن جدّا” على حد قوله.
وحمّل محدثنا المسؤولية في ضياع “أطفالنا وشبابنا” إلى الأسرة أولا، ثم أطياف المجتمع المدني، مشيرا لدعوة منظمته وفي عدة مناسبات، السلطات لإنجاز مؤسسات استشفائية أو مراكز لعلاج المدمنين على المخدرات، بدل إيداعهم السجون، قائلا: “لدينا ثلاثة أو أربعة مراكز علاج للإدمان فقط، وهذا غير كاف، إذ لا بد من توفر كل ولاية على أكثر من مصحة لعلاج الإدمان، لإنقاذ من يمكن إنقاذه من شبابنا، بدل ضياع حياتهم ومستقبلهم في السّجون”.

35 بالمائة من القصّر المنحرفين ضحايا طلاق وعلاقات غير شرعية
وتناضل جمعية حماية الأحداث من الانحراف والاندماج في المجتمع منذ 2014، لحماية الأطفال القصر من الانحراف والإجرام، فهي جمعية ولائية، ورغم عدم امتلاكها الإمكانيات المادية، ولا حتى مقرا، إلاّ أنّها ساهمت في إنقاذ مستقبل عشرات الأطفال خاصة من حي باب الوادي الشعبي بالعاصمة، كانوا غارقين في مستنقع الإجرام، سواء عن طريق التعاون مع رجال الدرك والشرطة، أو بالتدخل شخصيا لدى عائلاتهم.
وأشار رئيس الجمعية، لعبادي سيدي علي في اتصال مع “الشروق”، بأن غالبية المراهقين “المجرمين” هم ضحايا الطلاق، ويعيشون ” لدى الجدين أو الأقارب، والبقية ينحدرون من عائلات مسبوقة قضائيا.
وأضاف “فئة أخرى تتورط في الإجرام بنسبة 35 بالمائة، حسبما رصدناه في الجمعية، ويتعلق الأمر بالأطفال مجهولي النسب، وأيضا ضحايا الزواج العرفي”.
وأشار أيضا لاستغلال عصابات المخدرات، أطفال العائلات المعوزة، “يتقربون منهم، ثم يعرضون عليهم المساعدة المادية مقابل مراقبة دوريات الشرطة، ويغدقون عليهم الأموال تحت غطاء “السلفية”، ثم تطالب العصابة المراهق بأموالها، وعندما يعجز عن التسديد، يطلبون منه ترويج المخدرات وبكميات صغيرة في الحي، فيتحوّل الطفل إلى بائع مخدرات تحت الضغط” على حد قول محدثنا.
وحتى عصابات الأحياء، باتت تقحم الأطفال في صراعاتها، وقال: “نحيي مصالح الشرطة والدرك والتي وقفت بالمرصاد لعصابات الأحياء، التي انتشرت في عمليات الترحيل السابقة، وإلا لكانت الكارثة”.
ونفى لعبادي، أن يكون الفقر سببا مباشرا لإجرام القصر وتعاطيهم المخدرات، مؤكدا بأن كثيرا من أبناء العائلات الميسورة متورطون فيها، بسبب الاختلاط وتقليد الغير، ومصاحبة المدمنين، وإهمال الأسر.
وحسب إحصائيات استقتها الجمعية، من مصادر لها علاقة بحماية الطفولة، كشف المتحدث بأن ” 26 بالمائة من القصر المتعاطين، توفوا بسبب حقن المخدرات، وذلك في الفترة بين 1 جانفي إلى 20 نوفمبر 2022، وكما أن 14 فتاة قاصرة، يبلغن بين 15 سنة إلى 22 سنة، توفين بجرعة مخدرات زائدة خلال صائفة 2022″.

فتيات ولجن عالم الجريمة
ولفت المتحدث الانتباه إلى أن ظاهرة انحراف القاصرات، بدأت في الانتشار بالأحياء الشعبية للعاصمة، إذ أصبحن يروجن المخدرات ويتعاطينها، ويعتدين على الأشخاص لتحصيل الأموال، زيادة على تورّطهن في الدعارة.
وقال مرت علينا في الجمعية، حالة فتاة تبلغ 24 سنة فقط منحدرة من حي شعبي بالعاصمة، احترفت جريمة الاعتداء على الرجال، للحصول على أموال لشراء المخدرات.
وتساعد الجمعية هذه الفئة من القصر، عن طريق فتح أبوابها للعائلات، التي تأتيها تشكو تصرفات أبنائها سواء مع الجريمة أو الانحراف، أو ضرب الأصول ” فنتدخل عن طريق التحدث مع القاصر والتكفل به نفسيا وماديا، وفي حال كان متورطا مع منحرفين أو عصابات، نستعين بمصالح الأمن”.
كما تتكفل الجمعية بفئة الأطفال المنحرفين، عن طريق فتح أبوابها للمختصين النفسانيين المتربصين، ومرافقتهم للشارع للقاء هذه الشريحة.

تكوينات مهنية للمراهقين تنقذ المسبوقين قضائيا
ولإنقاذ المراهقين من عالم الجريمة، ودمجهم في عالم الشغل، أكد محدثنا، تعاونهم مع مراكز تكوين بالجزائر العاصمة، التي منحت فرص تكوين مجانية لهذه الفئة، كما أنه خلال السنتين 2014 و2015، نظمت جمعية حماية الأحداث، وفي مبادرة طيبة، دورة تكوينية في إصلاح الهواتف النقالة، استفاد منها 37 شابا ومراهقا تتراوح أعمارهم بين 17 و20 سنة، كانوا من أصحاب السوابق القضائية في جريمة سرقة هواتف المواطنين، ودام التكوين 60 يوما.
وأكد رئيس الجمعية، أن المعنيين استجابوا لدعوة التكوين، ومنهم شاب كان “فتح لاحقا محلا لإصلاح الهواتف النقالة، مبتعدا كلية عن طريق الجريمة”. وقال بأن تكاليف التكوين، تبرع بها محسن من العاصمة.
ودعا عبادي، المؤسسات الولائية، ومنها “نات كوم” و”إكسترا نات”، لفتح أبواب التوظيف، للشباب المسبوقين قضائيين، لغرض انتشالهم من عالم الجريمة، كما دعا العائلات والأفراد، إلى التبليغ، عن المجرمين المستغلين للطفولة، وعن متعاطي المخدرات والمتاجرين فيها، لحماية المجتمع، وانتشال الشباب من الضياع، لأن شعار “تخطي راسي” يجعل الجريمة تدخل بيوتنا شئنا أم أبينا” على حدّ قوله.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!