أحمد أويحيى يفشل ويعترف، لكنه لا يستقيل
قيل عنه الكثير… قيل عنه إنه رجل دولة، وأنه من المرشحين الأوائل للانتخابات الرئاسية المقبلة لخلافة السيد عبدالعزيز بوتفليقة… قيل إنه مقرب من الجيش ومن مراكز القرار الحقيقية في البلاد، وأنه لا يتحرك إلا بأمر منها، وأن كل ما يقوم به ويقوله يصدر في الحقيقة عن المراكز الحقيقة للسلطة.
ولتأكيد هذا الكلام، توجد قرائن كثيرة تشير إلى أهمية الرجل والمكانة التي يتميز بها في صفوف السلطة. فقد دخل الرجل الحكومة منذ أكثر من خمسة عشر سنة، ولم يغادرها منذ ذلك الوقت. وقد احتل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات، كما شغل منصب وزير الاقتصاد ووزير العدل، وهي المناصب الأساسية في كل الحكومات.
لكن في انتخابات 10 ماي الماضي، انهزم حزبه شر هزيمة. ولم يتحصل التجمع الوطني الديمقراطي إلا على ثلث المقاعد التي حصل عليها الحزب الفائز بالانتخابات وهو جبهة التحرير الوطني. ولا يمكن للسيد أويحيى أن يتكلم عن التزوير ولا أن يقول إن السلطة قامت بتزوير الانتخابات لصالح أي حزب آخر، لأن السيد أويحيى كان رئيسا للحكومة ورئيس اللجنة الوطنية المكلفة بتنظيم الانتخابات…
وبعد هذه المغامرة الأخبرة، ظهرت أصوات في صفوف الأرندي تطالب باستقالة السيد أويحيى من قيادة الحزب، وتندد بطريقته في تسيير الأرندي، في محاولة انقلابية من نفس النوع التي ظهرت في صفوف جبهة التحرير الوطني منذ مدة. عند ذلك، اضطر السيد أويحيى إلى الكلام، حتى يؤكد أنه يتحكم في الأمور، وأنه لم ينته، وأن ما يحدث لا يشكل إلا نكسة عابرة لن تؤثر عليه ولا على مستقبله السياسي، وأنه يبقى في قلب اللعبة السياسية.
ماذا قال السيد أويحيى؟ تكلم الرجل عن ثلاث نقاط أساسية، فقال إن أصحاب المال استولوا على السلطة في الجزائر، وقال إن هذه الأموال من نوع مافياوي، كما قال إن الجزائر فشلت، وأن هذا الفشل جماعي. ولا يمكن أن نعتبر أن كلام السيد أويحيى عبارة عن ثرثرة رجل بدأ يحس أن وقته انتهى، وأن “جنانو طاب”… إنه الوزير الأول للجزائر، ولا بد من وزن كلامه وتحليله حتى نفهم ماذا يقصد وإلى ماذا يشير وما هي الأخطار التي تترتب عن كلامه لأن كلامه خطير جدا.
وفتح السيد أويحيى بابا، لكن لم يكن واضحا، وعليه أن يجيب عن سلسلة من الأسئلة: من هم أصحاب المال الذين استولوا على السلطة؟ كيف توصلوا إلى ذلك؟ هل بلغوا هدفهم بمساندة الحكومة، أم أن الحكومة كانت تعارضهم واستطاعوا أن يتغلبوا عليها؟ وما هي القوى السياسية والاجتماعية التي ساندت أصحاب المال هؤلاء؟ وهل قوى المال هذه جزائرية، أم أنها تعمل كوسيط لصالح قوى أجنبية، خاصة أننا نعرف أن الجزائر لا تنتج إلا القليل وأن ثلث إنتاجها الخام يذهب في الواردات؟
ولما يقول السيد أويحيى إن هذا المال ذات طابع مافياوي، عليه أن يحدد أكثر: ماذا يقصد بالمافيا؟ هل هي شبكات داخلية أم أنها مرتبطة بالخارج؟ هل تمكنت أن تتوغل في مؤسسات الدولة لقيادة البلاد بصفة مباشرة، أم أنها تعمل من خارج المؤسسات وتكتفي بالضغط أو بالرشوة لفرض مصالحها؟ ولماذا فشلت البيروقراطية التقليدية التي يمثلها السيد أويحيى، لماذا فشلت في مواجهة هذه المافيا؟
هذه النقاط تثير قلقا كبيرا، لأن الوضع حسب كلام السيد أويحيى خطير جدا. ولا بد له أن يعطي توضيحات أخرى حتى نفهم جيدا ما يحدث، نفهم كيف استطاعت أطراف خفية أن تتوغل إلى دواليب السلطة وتستولي عليها. ويجب أن نعرف: هل الوزراء والمسؤولون الكبار يعرفون أنهم لا يخدمون الجزائر، بل يخدمون أصحاب المال والمافيا، أم أنهم ليسوا واعين بهذا الوضع؟ ولا بد في الأخير أن نعرف هل أن السيد أويحيى نفسه يدرك تماما ما يقول: إنه يقول إن السلطة التي تحكم الجزائر فشلت، وسلمت البلاد للمافيا وأصحاب المال، مع العلم أن السيد أويحيى ينتمي إلى هذه المجموعة التي سلمت البلاد للمافيا…
و نذكر هنا أن السيد أويحيى لم يكن مدربا للفريق الوطني لكرة القدم، ولا نائب مدير الصحة في ولاية أدرار خلال السنوات الماضية… إنه كان يشغل منصب رئيس الحكومة، وهو مسؤول عن هذا الوضع، لأنه فشل في مواجهة المافيا وأصحاب المال. وكلام السيد أويحيى حول الفشل الجماعي غير مقبول إطلاقا، لأن الفشل فشله هو وجماعته، لا فشل الجزائريين…
وأخيرا، هل بقي كلام مع رجل، أو عن رجل، كان في قلب السلطة لمدة عشرين سنة، قبل أن يعترف أنه فشل في تسيير شؤون البلاد، وأن أصحاب المال والمافيا استولوا على دواليب الحكم…