-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أخلاق جزائرية

سلطان بركاني
  • 3409
  • 0
أخلاق جزائرية

يمتاز الشّعب الجزائريّ المسلم بأخلاق حسنة كثيرة وشيم راقية وفيرة، هي ليست خاصّة به ولا حكرا عليه، لكنّها تكاد تكون سمة بارزة للجزائريين، كعزّة النّفس، والأنفة، وإكرام الغريب وعابر السّبيل، وكراهة الظّلم والاحتقار، وتظهر هذه الأخلاق والشيم جليا في معاملة الجزائريّين لغيرهم.

لكن في المقابل، يتميّز بعض الجزائريين بأخلاق أخرى ليست حسنة، تبدو جلية في معاملتهم لبعضهم بعضا، لعلّ من أجلاها هذه الأنانية التي أصبحت وصما ظاهرا يطبع سلوكهم، في البيوت والشّوارع، وفي الطّرقات ووسائل النّقل، وفي مختلف المصالح والإدارات.. حيث ترى الواحد يسعى سعيا حثيثا ويستخدم كلّ الطّرق والوسائل لبلوغ مطلبه وتحقيق مصلحته، غير مكترث بمن هم حوله؛ المهمّ أن ينال مراده كاملا غير منقوص، في أقصر وأسرع وقت ممكن، ولو أدّى به الأمر إلى التعدّي على حقوق الآخرين وتأخير مصالحهم.

في بعض الأسر، تجد كلّ فرد يعيش حياته ويسعى لأخذ ما يزيد عن حقّه وكفايته غير مكترث بحقوق باقي الأفراد؛ تجد الزّوجة تلحّ على زوجها في نيل حاجتها من الحليّ والملابس من دون أن تعير اهتماما لحاجة زوجها وحدود ميزانية البيت، وتجدها تهتمّ بصلة أهلها وأقاربها في مقابل فتور وجفاء واضحين في صلة أهل زوجها.. تجد البنت لا همّ لها إلا أن تجاري الموضة غير مكترثة بإخوتها وباقي أخواتها ولا بالوضع المادي الذي تعيشه الأسرة، وتجد الابن يستعمل كلّ الوسائل ويستبيح كلّ الحيل ليظفر بمصروفه الذي كثيرا ما يكون على حساب ضروريات تُحرم منها الأسرة.

في الطّرقات، ترى ما هو أعجب من العجب، في تحلّي كثير من السائقين بالأنانية، فلا هَمّ لكلّ واحد منهم إلا أن يصل إلى وجهته في أقصر وقت ممكن، ولو أدّى به الأمر إلى مخالفة قانون المرور، وإلى التجاوز من جهة اليمين، والسّير في الاتّجاه المعاكس، وإلى تجاوز بقية السائقين الذين أمضوا الساعات ينتظرون بسبب الازدحام!.. وكثيرا ما ترتفع الأصوات بالسّباب والشّتائم وربّما تُشهَر العصيّ والأسلحة البيضاء…! كلّ هذا بسبب الأنانية القاتلة، التي تزداد حدّتها في رمضان، وبخاصّة في السّاعات الأخيرة قُبيل أذان المغرب، وكأنّ السّائق لا يُقبل صيامه ولا يصحّ إفطاره حتى يصل إلى البيت مع الأذان ويجلس أمام طاولة الإفطار!.

في مكاتب البريد والحالة المدنية والضّمان الاجتماعي، ترى من مظاهر الأنانية ما يندى له الجبين، فلا همّ لكثير ممّن يرتادون هذه المصالح إلا أن يحصلوا على مبتغاهم في أسرع وقت ممكن، ولو أدّى بهم الأمر إلى تجاوز من هم قبلهم في الطّابور ممّن مكثوا السّاعات ينتظرون أدوارهم، عن طريق الاستعانة بمعارفهم من الموظّفين أو باستعمال أساليب ملتوية تتنافى مع أبسط قواعد الاحترام، وفي المستشفيات أيضا تجد الأنانية طاغية على كثير ممّن يضطرّون لدخولها، فهذا يستعين بمعارفه من الأطبّاء والممرّضين لتقديم دوره، وذاك يتظاهر بأنّه أشدّ ما يكون عجلة حتى لا يضطرّ لأخذ دوره في الطّابور، وآخر يتعلّل بأنّه يريد الطّبيب ليسأله فحسب، وهكذا…

بل لم تسلم بيوت الله من الأنانية التي طبعت أخلاق كثير من الجزائريين، فهذا يرفع صوته بالقراءة وربّما بحديث الأسواق والأسعار غير آبه بالمصلّين والقارئين من حوله، وذاك يجلس عند عتبة الباب ليكون أوّل المنصرفين، غير مكترث بحاجة إخوانه المصلّين للدّخول والخروج، وآخر إذا قام في صلاة الجماعة يقرأ مع الإمام بصوت مرتفع ويرفع صوته بالتّكبير والتّسبيح والتّحميد ويشوشّ على من هم بجانبه من المصلّين ويذهب عنهم الخشوع… وهكذا.

إنّنا جميعا مدعوون لمراجعة أحوالنا وتزكية أخلاقنا وتطهير نفوسنا من داء الأنانية القاتل. ألسنا مسلمين، نجد في ديننا أنّ من علامات الإيمان أن يحبّ المرء للنّاس ما يحبّ لنفسه ويكره لهم ما يكره لها؟ أليس عيبا أن يتحلّى غير المسلمين بخلق الإيثار والتراحم، بينما نتخلّق نحن بالأنانية والأثرة؟.. إنّه ليس مسلما حقا من لا يسعى في قضاء حوائج إخوانه ولا يجتهد في إيصال الخير إليهم، فكيف بمن لا همّ له إلا أن يحقّق مصلحته غير مكترث بإخوانه؟ قال ابن شبرمة (ت 144هـ) رحمه الله: “إذا سألتَ أخاك حاجة فلم يُجهد نفسه في قضائها، فتوضّأ للصلاة وكبِّر عليه أربع تكبيرات وعدَّه في الموتى”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!