الرأي

“أصفار” ترفض “الصفر”!

أرشيف

اجتهادات بعض رجالات وزارة التربية والتعليم، خلصت إلى ضرورة حذف علامة الصفر من تقويم التلاميذ، بداية من الموسم الدراسي القادم، وحذف الملاحظات السيئة، وتعويضها بملاحظات تثمّن “الجهد” حتى وإن كان غير موجود، حسب مدير التعليم الأساسي بوزارة التربية الوطنية، وهلّل لهذا الإنجاز “العظيم” جموع النقابات وأولياء التلاميذ، بحجة حساسية هذه العلامة، التي قد تعقّد من يحصل عليها، وتعقد الأستاذ وخاصة الأولياء، الذين لا يريدون لأبنائهم غير العلامات المنتفخة، حتى ولو كانت مثل “البالونات” التي تطير في السماء، مليئة بالريح.

في الجزائر بلد “السوسيال” في كل شيء، يقترح الأثرياء من الذين مفاتيح ثروتهم لتنوء بالعصبة أولي القوة، ومن الذين نافسوا قارون، ليس في ماله فقط وإنما في جبروته، بإعفائهم من دفع الضرائب، ويطالب الشباب من المستفيدين من القروض التي اشتروا بها سيارات، بمسح ديونهم، ويقترح رؤساء الأندية المحترفة بمجرد أن يجدوا فرقهم تسير نحو السقوط، إلى رفع عدد أندية الدرجة الأولى وحذف السقوط، ويطالب المجرمون القابعون في السجون بالعفو الرئاسي في كل مناسبة دينية أو وطنية ومن دونها، وتقترح وزارة التربية وتجد المساندة من الأولياء والأساتذة وما يسمى بالنقابات بحذف الأصفار، حتى ولو قدّم التلميذ ورقة امتحان بيضاء تصف حالته وحالة من علّمه.

قرأت حوارا مع الفيزيائي الإنجليزي “بيتر هيغز” الحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء لسنة 2013 حول اكتشافاته في فهم كتلة الجسيمات دون الذرية، فتحدث هذا العالم العبقري عن طفولته وبدايته في المدرسة الابتدائية، وكيف حصل على علامة صفر في مادة الرياضيات، فكانت الأزمة التي ولّدت فيه وفي والديه هِمّة البحث عن التميز والتفوق إلى أن صار أحد علماء المعمورة، وأكيد أن “بيتر هيغز” لو حصل على علامة دون الصفر، الذي استحقه في صغره، ما كبر على العلم والتعلم ووصل إلى القمة وتحول إلى مبعث لفخر بريطانيا العظمى.

في الصين يقولون بأن تعليم الناس الصيد، أحسن بكثير من تقديم السمك لهم في طبق جاهز، ولا أدري إن كان الداعون إلى حذف الصفر، من تقويم التلاميذ، يريدون تعليمهم تفادي الصفر، أم إنهم يغرقونهم في صفر كبير، قد يتفادونه في المدرسة، ويجدونه في حياتهم الحقيقية.

سياسة اللاعقاب أو إلغاء الصفر والإنذار، هي التي جعلت الجزائر تنفق قرابة ألف مليار دولار في امتحانات اقتصادية وتجارية نالت بها علامات سيئة في كل المجالات، وبقي المتسببون في تضييع المال العام من دون علامات صفرية، ولا نقول عقاب، وبدلا من أن ينال كل عامل علامته الحقيقة، تساوى الجميع، فقرر المجتهدون رفع رايات استسلامهم، ما دام الفاشلون في نفس مرتبتهم، فكان من بين النتائج المؤلمة، أن تهاوى التعليم ونزل إلى علامة دون الصفر، بتورط من الجميع، ولحقته التربية، وبدلا من معالجة الداء، أعلنا عدم اعترافنا به، فحذفناه، وحذفنا الصفر.

بربكم.. هل يستحق الذين عجزوا عن استخراج عياش حيا وميتا من داخل الجبّ غير علامة الصفر؟

مقالات ذات صلة