-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

أطفالنا وطوفان الفساد (1/ 2)

سلطان بركاني
  • 977
  • 0
أطفالنا وطوفان الفساد (1/ 2)

يحيي العالم هذه الأيام اليوم العالمي للطّفل، في وقت يقتل فيه أطفال المسلمين ويروّع بعضهم وييتّمون في فلسطين وبورما وتركستان، ويموت بعضهم جوعا وقهرا في مخيّمات اللّجوء، ويختطف بعضهم من أحضان والديهم في السويد وبعض بلاد الغرب حتى لا ينشؤوا على عقيدة الإسلام وأخلاقه! وهكذا يُظهر العالم الغربيّ وجهه الكالح ويفضح دعاواه في احترام حرية المعتقد والمساواة بين مختلف الأجناس والأعراق، وهو الذي يسعى حثيثا حتى يجعل الجيل الجديد من المسلمين أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الانضمام للنّظام العالمي بقيمه الشاذّة، أو العيش تحت القهر!
أطفال العالم الغربي انقادوا طوعا لما يسمّى “قيم الحداثة” وانخرطوا مع والديهم في النّظام العالميّ، وتماهوا مع البرامج والأهداف التي تسطرها المنظّمات الدولية ويراد من خلالها للطفل أن يتربّى على الشّذوذ والتخنّث، ويتعلّم أنّ من حقه أن يغيّر جنسه ويفعل ما يشاء في بدنه.. شهر جوان الذي يحتفي العالم في فاتحه بيوم الطّفولة العالمي، أصبح يسمّى في الغرب “شهر الفخر”؛ الفخر بـما يسمّى “الـحقوق” التي يفتكّها الشواذّ المنتكسون عن الفطرة والخطوات التي يقطعونها على طريق إشاعة البهيمية، وكأنّ الماسونية وهيئات إبليس العالمية تريد أن تهيّئ جيلا يسهل على المسيح الدجّال استعباده!
أطفال المسلمين -في عمومهم- لم يصلوا إلى المستنقع الآسن الذي يسبح فيه أطفال الغرب، لكنّ الفساد ينتشر بصورة سريعة مع استشراء ثقافة “نورمال.. واش فيها”، وانقياد كثير من أبنائنا لثقافة الجسد التي تشيع لها مواقع التواصل من خلال الفيديوهات القصيرة والومضات الإشهارية!
لقد أصبح لزاما علينا أن نكون على وعي كامل بما يخطّط له جنود إبليس ونحذّر أبناءنا من أهداف الماسونية العالمية، ونجلّي لهم وسائلها في الإفساد.. أطفالنا ينبغي أن يكونوا أهمّ مشروع في حياتنا بعد مشروع الاستقامة على دين الله.. أصبح واجبا محتما على كلّ أمّ مسلمة، وفرضا متعيّنا على أب مسلم، أن يحذر أشدّ الحذر على أبنائه وبناته من الفساد العظيم الذي تنشره وسائل الإعلام ومواقع التواصل باسم الترفيه والتسلية.. الأب المسلم ينبغي له أن يحذر على أبنائه أشدّ من حذره على سيارته وعلى هاتفه.. ليس يليق بأب مسلم يصلّي ويصوم ويعتمر، أن يختار لسيارته أفضل الأماكن لركنها ويحذر عليها أشعّة الشّمس وخربشات الأطفال، ويحذر على شاشة هاتفه من كلّ خدش، بينما هو لا يعبأ بأبنائه ولا بناته، ولا يحذر عليهم أن تخدش عقيدتهم وأخلاقهم، أو أن يجتثّ دينهم من قلوبهم!
العالم لا يرحم، والواقع لا يرحم.. ونحن في أعوام يجب علينا أن نحصّن فيها أبناءنا ممّا يفسد دينهم ودنياهم وفطرتهم، ونشغل أوقاتهم بالحقّ والخير قبل أن تُشغل لهم بالباطل والشرّ.. ينبغي لكلّ أب أن يسأل نفسه ما الذي يريده من أبنائه، وما الذي يتمّناه لهم ويرجوه منهم؟ ما هو مستقبلهم الذي يهتمّ به ويعينهم على بنائه؟ ما هي الأولويات التي يصنعها لهم؟ هل يجعل الدّين أهمّ شيء في حياتهم وأولى أولوياتهم، أم أنّه يعظّم الدّنيا في قلوبهم، فلا يجدون حرجا أن يسلّموا عقولهم وقلوبهم لمن يرونه قد أوتي من الدّنيا حظا أوفر؟!
واقع أبنائنا في البيوت والشوارع وحتى في المدارس، يدمي القلوب.. أبناؤنا يتعلّمون أنّ الحياة ميدان رحب للهو واللعب وإشباع رغبات النّفس، وبالتالي فأفضل الأوقات بالنسبة إليهم هي تلك التي يقضونها مع زملائهم وخلانهم في الملاعب أو أمام الشّاشات.. أبناؤنا أصبحوا ينفرون من المساجد والمدارس القرآنية ويتزاحمون على أماكن اللعب ووسائل الترفيه.. بل أصبحوا ينفرون من التعليم والدراسة ومن كلّ عمل جاد ينفعهم.. وقد رأينا في الأيام الماضية، عندما انتهت امتحانات الفصل الأخير كيف خرج أبناؤنا يعبّرون عن فرحهم بتمزيق الكتب والكراريس، كأنّهم قد تخلّصوا من حمل كان يثقل كواهلهم!
الجدّ أصبح مصدر إزعاج لكثير من أبنائنا، وحتّى التديّن أصبح في منظورهم قرينا للحرمان والانغلاق! المظاهر ووسائل قتل الوقت وملء الفراغ هي أهمّ شيء في حياتهم.. فكيف وصلوا إلى هذا الدّرك؟! نحن من ربّيناهم منذ الصّغر على الاهتمام بالدّنيا وحدها، ونسينا أن نربيهم على الاهتمام بالدّين.. ربّيناهم على أن ينافسوا أصدقاءهم في الدّنيا ولم نربّهم على أن ينافسوهم في الدّين، فما عاد أبناؤنا يهمّهم ولا يخطر ببالهم أن ينافسوا نظراءهم في حفظ القرآن وفي حثّ الخطى إلى بيوت الله.. بل ما عاد يهمّهم أن يتنافسوا فيما يصلح دنياهم.. حتى الدراسة ما عاد يتنافس فيها إلا قليل منهم، بل أصبح من يهتمّ بدراسته من أبنائنا يستهزأ به ويوصف بأنّه هبّاش وخبّاش!
لو أنّنا ربّينا أبناءنا على التعلّق بدينهم والاهتمام به والمنافسة فيه، ما وصلنا إلى هذا الواقع الذي يدمي القلوب الحيّة.. الأوّلون من هذه الأمّة ربّوا أبناءهم على أنّ الدّين هو رأس مالهم ومحور حياتهم، وأنّ همّهم ينبغي أن يكون متعلقا بما عند الله، وعلى أنّ هذه الدّنيا دار فانية، ومظاهرها زخرف زائل، وأنّ مكانها هو اليد وليس القلب.. دخل المسلمون في يوم عيد ليهنئوا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز..
فلما انصرف الرجال، دخل الفتيان، وكان بينهم ابن عمر بن عبد العزيز وهو يلبس ثياباً قديمة، وأبناء الرعية يلبسون الثياب الجديدة الجميلة.. فبكى عمر بن عبد العزيز، فتقدم إليه الابن المبارك، فقال له: يا أبتاه! ما الذي طأطأ رأسك وأبكاك؟ قال: لا شيء يا بني سوى أني خشيت أن ينكسر قلبك وأنت بين أبناء الرعية بتلك الثياب البالية القديمة وهم يلبسون الثياب الجديدة.. قال الغلام لأبيه: “يا أبتاه! إنما ينكسر قلب من عرف الله فعصاه، وعق أمه وأباه، أما أنا فلا والله، إنما العيد لمن أطاع الله”.. ولنا أن نقارن قصّة عمر بن عبد العزيز وابنه بواقع أبنائنا وبناتنا الذين أصبحت المظاهر هي ميزانهم الأهمّ، يزن بعضهم بعضا بما يقتني من هواتف ويلبس من ثياب! وما هذا إلا حصاد لما زرعناه في أبنائنا، حينما كان قائلنا يقول: “سأتعب ليلبس أبنائي كما يلبس أولاد النّاس، ويأكلوا كما يأكل أصدقاؤهم”، وكانت الأمّ تخاطب زوجها قائلة: “تدبّر أمرك، استدن أو اسرق، المهمّ أنّ أولادي يجب أن يلبسوا كلّ عام موضة ذلك العام”! فما المنتظر من الأبناء الذين يسمعون هذه الكلمات؟
إذا أردنا أن تصلح حال أبنائنا فينبغي لنا أن نربّيهم على أنّ المنافسة التي تنفعهم هي المنافسة في العلم والعمل، المنافسة في طاعة الله وطلب رضاه، في حفظ القرآن وحثّ الخطى إلى المساجد.. ينبغي أن نربّي أبناءنا على أنّ المظاهر فانية وزائلة وأنّ السّعادة الحقيقية والدّائمة هي السّعادة بطاعة الله، وهي سعادة الآخرة، يوم يجتمع الوالدان بأبنائهم في اجتماع لا فراق بعده، وأنسٍ لا يكدّره همّ ولا غمّ ولا خوف ولا حزن: ((جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آَبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)).. يُروى عن الفضيل بن عياض، رحمه الله، أنّه دخل في يوم من الأيام البيت فوجد ابنه “عليّ بن الفضيل” الفتى الصّغير يجول في الغرفة ويبكي، فسأله: أي بني! ما بك؟ قال: يا أبي تفكرت في النار وكيف الخلاص منها فبكيت. طفل صغير يفكّر كيف ينجو من النّار! ثم قال لأبيه: يا أبت! سل الذي وهبك إياي في الدنيا أن يهبني إياك في الآخرة في الجنة. ادع الله إذا دخلت الجنة أن يلحقني لك.. هذا الهمّ السّامق؛ همّ سكنى الجنّة مع الوالدين هو الهمّ الكفيل بإصلاح أبنائنا ووضع أقدامهم على أوّل الطّريق الصّحيح المؤدّي إلى سعادة الدّنيا والآخرة.
يتبع بإذن الله…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!