الرأي

أمين الزاوي ومنطق الحكواتي

محمد بوالروايح
  • 2535
  • 16
الأرشيف
أمين الزاوي

يستمر الروائي أمين الزاوي في الخلط بين الإسلام والإسلاموية ويصر على تكرار مقولته القديمة الجديدة بأن “الإسلام لا مكان له إلا في دور العبادة ولا يصلح للقيادة”، وينصِّب نفسه ناصحا أمينا للقيادات السياسية العربية بأن الحداثة هي طريقُ الخلاص وأن هذا الخلاص لا يتحقق إلا بالتخلص من الدين ومن كل ما هو ديني والرمي بكل ثقلهم في أحضان الحداثة الكفيلة بإيصالهم وشعوبهم إلى بر الأمان.

كتب أمين الزاوي بتاريخ 23 أوت 2018 مقالا جديدا بجريدة “ليبرتي” بعنوان: “السيد الرئيس، إننا نحبُّك” أشاد فيه بقرار الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي تقنين المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث، وللزاوي أن يشيد بأي كان وفي أي زمان ومكان، وأن يعتنق ما شاء ويصفق لمن يشاء، ويفكر بالطريقة التي يشاء فكل يعمل على شاكلته.

يصفق الزاوي لفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث ويتهم من يعارضون هذه الفكرة بأنهم “غير عقلانيين، مردوا على الظلامية ونُكبوا عن العقلانية”، وقد قرأت مقاله فوجدت أن الزاوي يصفق للفكرة ولكنه عاجزٌ عن الدفاع عنها ولو بأنصاف الأدلة، فكان أشبه بالحكواتي الذي ينسج الحكايات ولكنه لا يدري كيف يؤلف بينها ويحببها إلى سامعيه بإضفاء لمسة من الذكاء وشيء من الدهاء.

 يظهر الزاوي وهو يتحدث عن المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث في صورة الحكواتي الذي يثقل أسماع المتحلقين حوله بكلام معاد ليس فيه شيء من الإقناع والإمتاع. إن النساء في الإسلام شقائق الرجال لهن ما لهم وعليهن ما عليهم، والإسلام حينما أعطى “للذكر مثل حظ الأنثيين” فإنه خص المرأة بعناية ورعاية خاصة، وجعلها مكفولة وحقوقها محفوظة في كل الحالات، فأمر الرجل بالإنفاق على المرأة ولو كانت موسرة واعترف لها باستقلال الذمة المالية، يقول الله سبحانه وتعالى: “الرجال قوامون على النساء بما فضَّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم”.

وأوجبت الشريعة الإسلامية على الرجل النفقة على المرأة المطلقة وجاءت التشريعات الوضعية لتحاكيها ولتغلظ العقوبة على تارك النفقة بتغريمه وسجنه إن اقتضى الأمر، وأمّنت الشريعة الإسلامية للمرأة خارج هذه الحالات كل ما يوفر لها الحياة الكريمة، فالمرأة في الإسلام بالمختصر المفيد مكفولة في كل الحالات ولا يضيرها ولا يغيضها بعد هذا الإغداق في الإنفاق أن تأخذ نصف الرجل في الميراث نصف بهذا المعنى هو عين الإنصاف، دون الحديث عن الحالات الأخرى التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل وقد وردت مفصلة في كتب الفرائض وليس هناك داع لذكرها.

من العجيب أن يصل الهيام بفكرة المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث عند الزاوي إلى درجة عدّها السبيل الأوحد لتحقيق الحياة الأفضل، يقول الزاوي: “لو أن القادة السياسيين الذين يديرون دواليب الحكم أخذوا بشجاعة خطاب السبسي كخارطة طريق فإن المجتمعات العربية والمغاربية يمكن أن تتطلع إلى غد أفضل. إن المجتمع لا يأكل آياتٍ قرآنية ولا يصعد منصات الخطابات السياسية الوطنية الفارغة، إن المجتمع يستهلك القمح والأرز ويصعد القطارات والحافلات”؟!

في هذا الكلام كِبرٌ ظاهر وتعالمٌ متبادر فهو يتوجه للقيادات السياسية العربية والمغاربية بالنصيحة قبل حلول الفضيحة بأن يتجاوبوا مع فكرة المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة وكأن هذه القيادات قد أعدمت مستشارين سياسيين وخبراء اجتماعيين فوجدت في الزاوي وحكمته وحنكته ملاذا لتحقيق رفاهية المجتمعات العربية والمغاربية، إن هذه الرفاهية لا تتحقق بالسطو على أحكام الإسلام القطعية وإنما تتحقق بالتفكير الجاد في تعزيز مكانة المرأة وحمايتها من العنف الذكوري والمجتمعي ومن الأفكار التي تنتهي في الغالب الأعم بالانتحار.

 كنت أتمنى أن يمتلك الزاوي شجاعة الروائي فيجسِّد فكرته عن المرأة في عالم الواقع لا أن يحبسها في فضائها الروائي فكرة هلامية هائمة يحلق بها في عالم الخيال. إن المرأة العربية المسلمة بحاجة إلى من يدافع عن ذمتها المالية بصورة أشمل ويحررها من المتربصين بها والمتاجرين بعرضها ومن يزجُّون بها في أتون معركة وهمية بينها وبين الرجل.

ليس للقرآن الكريم قدسية عند الزاوي فهو يقحمه في خطابه الفكري بطريقة فيها استخفاف ظاهر كقوله: “إن المجتمع لا يأكل آيات قرآنية” فهل يليق بروائي كنا نحسبه من العقلاء أن ينزل إلى هذا المستوى وأن يتحدث عن القرآن بهذه السماجة التي لم نعهدها حتى من المستشرقين والحداثيين المتعصبين ضد الإسلام؟. وهل يليق بروائي أديب أريب أن ينزل في حديثه إلى درك الحكواتي الذي سمته الثرثرة التي لا تنطوي على فكرة؟.

إن سهام أمين الزاوي واتهاماته قد طالت الكل فهو يتهم المجتمع العربي والمغاربي بأنه أسيرُ أفكار دينية بالية أبطالها -كما قال – “أئمة جهلة لم يقرأ أحدُهم كتابا ولا يملك أثارة من علم وتجده يتصدى عن جهالة لأفكار إينشتاين ونيوتن”. ومن المعروف عن الزاوي نظرته إلى الأئمة والعاملين في حقل الدعوة الإسلامية بأنهم “جامدون على النقل معطلون للعقل”، وأذكِّر الزاوي بأن فئة “الأئمة الجاهلين” الذين يتحدث عنهم فئة معزولة ليس لها قابلية ولا فاعلية في المجتمع، ولكن في المقابل هناك فئة الأئمة العالمين الذين لهم باعٌ في الدعوة وفي علوم الدين والدنيا ما لا يستطيع أن ينكره المنكرون أو يجحده الجاحدون.

يدَّعي الزاوي أنه ملمٌّ بتراث علامة العرب الملهم ابن خلدون، وغالبا ما يستشهد في كتاباته بفكرة “العصبية الدينية” التي ملخصها أن العرب لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة، ولكن المفارقة أن الزاوي يوظف فكرة “العصبية الدينية” توظيفا على مزاجه ويرى أنها سبب العنف الذي يستشري في المجتمع، في حين أن ابن خلدون يرى بنظر المؤرخ الواعي بأن العصبية الدينية القائمة على الهدي السماوي هي التي يمكنها إزالة مظاهر البداوة الفكرية والقبلية التي تنخر المجتمعات العربية والإسلامية.

لا يليق بأمين الزاوي أن ينزل إلى درك “الحكواتي” فينقل عمن قرأ لهم من الكتَّاب من صنف “المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع” ويجاريهم في وصف الحكام العرب والمسلمين بأنهم يمارسون الحكم المطلق ويتصرفون وكأنهم ظل الله في الأرض أو يصفهم بأنهم الآلهة الأحياء وكأنه يردد عبارة موت الإله التي قالت بها بعض النظريات الإلحادية. إنني أنصح الزاوي أن يبقى كما عهدناه “روائيا” لا أن يتحول إلى “حكواتي” يملّه السامعون، ولا يهمُّ بعد ذلك اختلافنا معه؛ فالاختلاف لا يفسد للود قضية.

المرأة في الإسلام بالمختصر المفيد مكفولة في كل الحالات ولا يضيرها ولا يغيضها بعد هذا الإغداق في الإنفاق أن تأخذ نصف الرجل في الميراث نصف بهذا المعنى هو عين الإنصاف، دون الحديث عن الحالات الأخرى التي ترث فيها المرأة أكثر من الرجل وقد وردت مفصلة في كتب الفرائض وليس هناك داع لذكرها.

مقالات ذات صلة