الرأي

أين جماعة “إلا رسول الله”؟!

حسين لقرع
  • 2591
  • 7
ح.م

لم يفاجئنا قيامُ مجلة فرنسية هزلية بإعادة نشر الرسوم المسيئة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي أثارت قبل سنوات ضجّةً كبرى في العالم، ولا قيامُ يمينيين متطرّفين في السويد والنرويج بحرق نسخ من كتاب الله وركلها تحت حماية الشرطة؛ فالإساءة إلى المقدّسات الإسلامية هو ديدنُ الغرب منذ سنوات طويلة، بل إنَّ ما فاجأنا فعلا، هو غيابُ ردود الأفعال لدى الشعوب العربية والإسلامية وأنظمتها وكذا منظمتي التعاون الإسلامي والجامعة العربية.

أسبوعٌ كامل مرّ على إعادة نشر الرسوم المسيئة للنبي الكريم ومقدّسات أمّة المليار، لكنّ لا أحدَ حرّك ساكنا باستثناء مظاهرات في باكستان وموقف حكومتها، وموقف آخر مشرِّف للأزهر، في حين لزمت باقي الأنظمة والشعوب صمتا محيِّرا وكأنّ الأمر لا يعنيها، فماذا حصل هذه المرّة لتترك الإهانة تمرّ مرور الكرام؟!

كنا ننتظر أن تسارع بعض الأنظمة، ولو من باب التودّد لشعوبها، إلى التنديد بهذه الرسوم كما فعلت في مناسباتٍ مماثلة سابقة، وأن تطالب فرنسا الرسمية بكبح جماح هذه الصحيفة المارقة التي تهدّد علاقاتها ومصالحها مع 56 دولة إسلامية، وأن توضّح للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -الذي اتّهم منذ أيّام صحفيا فرنسيا كتب عن لقائه بمسؤولين لبنانيين بـ”عدم المسؤولية” و”اللامبالاة بمصالح فرنسا”- أنّ إهانة مقدّسات الشعوب والأمم لا يمكن أن تندرج بأيّ حال من الأحوال في إطار “حرّية التعبير”، كما سماها، بل هي اعتداءٌ سافر على 1.7 مليار مسلم ويجب أن يُدان بكل قوة.

 وكان بالإمكان أيضا أن لا تترك الأنظمة هذه الإساءة تمرّ من دون أن تتحرّك على مستوى الأمم المتحدة لمطالبتها مجددا بإصدار قانون يجرّم أيّ مساس بالأديان والمقدّسات جميعا، تماما مثلما يجرَّم أيُّ إنكار للمحرقة اليهودية المزعومة “الهولوكوست”، ويُتّهم صاحبُه بـ”معاداة السامية” ويتعرّض للسجن وشتى صنوف الأذى والحصار والتضييق والتشنيع حتى يضطر إلى الاعتذار علنا ليهود العالم، ويلجم لسانه.. لكنّ هذه الأنظمة خرست جميعا، وانشغلت بمشاكلها الداخلية وصراعاتها وخلافاتها مع جيرانها، في حين انشغلت الشعوب بـ”قضية” بقاء ميسي في برشلونة أو رحيله، ولم تخرج مظاهرةٌ شعبية واحدة في أيّ بلد عربي أو إسلامي عدا باكستان، فأين الجماعات التي رفعت في السنوات الفارطة شعار “إلا رسول الله” هذه المرة؟ ولماذا لم يتحرّك أحدٌ من مسلمي فرنسا لرفع دعوى قضائية ضدّ المجلة المارقة؟ وما الذي يمنع إذن الأحزاب اليمينية المتطرّفة في الغرب من مواصلة إهاناتها للإسلام ما دام المسلمون قد بدأوا يبتلعونها ولا يقوون على القيام بأيّ ردّ فعل؟

نحن لا نطالب بمظاهراتٍ تُحرق فيها أعلام الدول وتُخرّب فيها الممتلكات، بل بوقفاتٍ شعبية شامخة في كل العواصم الإسلامية والغربية وتحرّكاتٍ سياسية وديبلوماسية تؤكّد للغرب مجددا أنّه لا يمكنه استباحة مقدّساتنا بتكرار الإهانات ضدّها، وأنّها خطّ أحمر، والإصرارُ على المساس بها هو انحدارٌ أخلاقيٌّ مقيت، واستفزازٌ صارخ للمسلمين، وتغذية صريحة لصراع الحضارات، ودعوة مباشرة للعنف والكراهية بين الشعوب يتحمّل الغربُ وحده مسؤوليتها وتبعاتها ونتائجها.

مقالات ذات صلة