الرأي

أين فرص المغتربين؟

ح.م

  يُجمع الأتراك بأن قفزتهم التكنولوجية والاقتصادية على وجه الخصوص، ما كانت لتتحقق بهذه السرعة والدقة، لولا استعانتهم بمئات الآلاف من جالياتهم في أوروبا، وخاصة في ألمانيا، فقد كان حلم أي تركي عندما يبلغ أشدّه، أن يهاجر إلى ألمانيا، ولا تهمُّ الطريقة ولا مصير هويته التركية وجنسيته، التي تُنزع منه بمجرد أن يقبل بالجنسية الألمانية، وكان الأتراك إلى زمن غير بعيد في الألفية الجديدة يتفاخرون، وهم يرتدون “الشيفون” القادم من ألمانيا، حتى أن محلات العاصمة أنقرة كانت لا تبيع أي لباس أو قماش إلا ما يأتي مستعملا من ألمانيا وما جاورها من بلدان جرمانية واسكندنافية، ينبهر بها الأتراك، ويحلمون بأن ينتموا إلى قارة لا يمتلكون فيها سوى أصبع قدم.

ولكن الثورة “الأردوغانية” الأخيرة، قلَّبت الموازين، رأسا على عقب، فولّت تركيا وجهها شطر أتراك الغرب، فاستعانت بالمهندسين وخبراء الاقتصاد والدكاترة والجرّاحين والمسيِّرين الأكْفاء من الذين صنعوا ربيع التكنولوجيا في دول أخرى، فتطوّرت في لمح السمع والبصر والعقل تركيا في جميع المجالات وصارت مكانا يحلم الأوروبيون بالهجرة إليه، بعد أن كانت بلادا يحلم أهلها بالهجرة منها.

لا أدري إلى حد الآن لماذا لا نأخذ بالتجربة التركية في الاستعانة بعشرات الآلاف من الأدمغة الجزائرية الموجودة في أوروبا حتى ولو كانت من جنسية فرنسية فقط. ومن العيب أن نختصر ذلك في لعبة كرة القدم التي جنّسنا عبرها رياض محرز وبن ناصر وغيرهما، وبفنانين من شاكلة “سولكينغ” و”ألجيرينو” اللذين يُرقصان الأبدان ولا يحركان الأذهان، ومواقع التواصل الاجتماع والوكالات والفضائيات تطلّ علينا بين الحين والآخر بأخبار باحثين ومخترعين وأطباء فجّروا ينابيع التكنولوجيا والتقدم والشفاء للمرضى في كل أصقاع العالم، ومنهم الدكتور عليم بن عبيد ابن برج زمورة بولاية برج بوعريريج الذي طرق باب جائزة نوبل في الطب بكفاءة واقتدار.

تمنينا أن تلجأ الحكومة الجديدة إلى الجالية الجزائرية ذات الكفاءة في الخارج، فمن غير المعقول أن يطلب الجزائريون العلاج في تونس والأردن وتركيا، ولهم عددٌ ضخم من الأطباء، هم حاليا أمل الإنسانية في علاج الأمراض المستعصية، مثل مرض “باركينسون” العصبي، بالنسبة للبروفيسور بن عبيد، والسيدا بالنسبة للبروفيسور صنهاجي، ومن غير المعقول أن تعجز الجزائر في الزارعة والفلاحة والبيطرة وتبقى جامعاتها في المراكز الأخيرة من دون مخابر ولا مراكز أبحاث، ولها في أمريكا واليابان وماليزيا والخليج العربي العشرات من الباحثين الذين ساهموا في تطوير هذه البلاد.

لا يمكن بالتأكيد إقناع كل جزائريي الخارج بالعودة إلى أرض الوطن، تماما كما عجزت تركيا عن استرجاع كل مغتربيها في الخارج، ولكن الشهيّة في التطوّر تأتي دائما مع الأكل، وكما نجحت الجزائر في السيطرة على الكرة الإفريقية بفضل مغتربيها ومنهم مدرب المنتخب الوطني، بإمكانها استنساخ التجربة في بقية الرياضات، وخاصة في بقية المجالات خاصة العلمية من دون إقصاء للكفاءات الموجودة هنا.

مقالات ذات صلة