الرأي

أيها الحَراكيون عودوا إلى أعمالكم فقد جنينا الكثير

ح.م

أعتقد أنني لست مبالغا أو مُثبطا أو معاديا أو مبتعثا بالوكالة.. عندما أطلب –كمناضل ومعارض اكتوى بجحيم النظام السابق فسُجن وأُوقِف عن العمل- من ما تبقى من جمهور الحراكيين الذين يعكرون صفاء وسلامة مسار المشهد السياسي الوطني الجزائري بعد انتخابات 12/12/ 2019م أن يعودوا إلى طبيعة ونوعية حياتهم العادية السابقة لتاريخ 22/02/2019م، وأن يجتهدوا في مزاولة أعمالهم وسائر نشاطاتهم المعتادة في بناء وتشييد ورفعة ونهضة الوطن.. كل حسب مهنته ووظيفته ومكانته مهما علتْ أو دنتْ.

لأن الأصل في المناضل الوطني والمضحي الغيور أن يعود تلقائيا من حالة نضالية استثنائية استدعتها الظروف والأوضاع إلى حالة نضالية اعتيادية طبيعية، لأنه ثار وناضل من أجل أن تستوي وتستقيم وتستقر دواليب الحياة الاعتيادية، وهو الذي يبحث عنه ويبتغيه من رسالة نضاله الحَراكي لا غير، ولأنه ناضل –في الأصل- من أجل رفع الغبن والحيف الذي لحق به وبقطاع كبير من الشعب الذي عانى مثله، ولم يناضل من أجل تحقيق مكاسب ومنافع أنانية ضيِّقة حصل عليها من خلال موجة الحراك الشعبي التي ساقتها الظروف والأوضاع للمناضل المخلص والثوري الحقيقي، كما ساقتها أيضا للمناضل الوصولي والانتهازي والاستغلالي أيضا.

والسلوك الطبيعي –في رأيي كمناضل- الذي يجب عليه أن يسلكه المناضل الثوري الحقيقي عندما اطمأن أن السفينة سلمت من الغرق ومخرتْ عباب البحر، وأن القاطرة انطلقت سالمة تَعُبُّ الطريق، هو وجوب العودة إلى قواعده الاجتماعية والمهنية والنضالية الأولى، يبحث عن رزقه الحلال من خلال الكسب اليومي لقوت عياله أو من في عهدته وتحت مسؤوليته، دون غفلة ولا انسحاب ولا اطمئنانٍ من مراقبة الوضع وما يطرأ على الساحة ضمن الأطر النضالية السلمية والسوية، وضمن طرق ومنافذ التعبير النضالي البنّاء، حتى يضمن السلامة للأمة، وهذا هو السلوك السوي الذي يجب أن يتحلى به كل جزائري اليوم وغدا.

لأن الملاحظ منذ بداية الحَراك حتى اليوم من سلوك ومواقف وتصريحات وإدلاءات وشهادات الحراكيين الحقيقيين المخلصين والانتهازيين الوصوليين أيضا، هو: الانخراط في مرحلة ودور حراكي ونضالي جديد مغاير ومخالف للمنطلق الأول لم يكن متوقعا لهم ومنتظرا منهم، وهو دور نضالي لا تستحقه المرحلة الحالية ولا تحتاجه أصلا؛ إذ واتت الظروف الكثير من الحراكيين ومن الحزبيين الانتهازيين من امتطاء متن المطالب الحراكية لتحقيق المكاسب الضيقة والأنانية، وذلك من خلال مراقبتنا لكثرة المشاركين في الحصص الإذاعية والتلفزية المحلية والفضائية والصحفية والاتصالية والإعلامية.. ممن يحب أن يتزين ويتباهى بنعت (الناطق الرسمي باسم حزب كذا وكذا..) أو (عضو في جمعية كذا وكذا..) أو (من قادة الحراك الشعبي) أو (كاتب ومحلل سياسي) أو (صحفي وناشط جمعوي) أو (متخصِّص في الشؤون السياسية) أو (أكاديمي ومتخصِّص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية) من حشود المحللين والمعقبين والمتدخلين والمنظرين والمتوقعين والمستقبليين والحزبيين والمغامرين والوصوليين.. الصادقين وغيرهم.

وللأسف الشديد فإن الكثير من هذه الأصناف الرديئة والانتهازية إما أنه ترك وظيفته أو مهنته أو أسرته التي يعيلها، أو وجد وظيفة ومَشْغلَةً جديدة يتلهى وينشغل بها، ريثما يجد قافلة جديدة يركبها، لأن حياته قضاها في الجزائر كلها ركوب موجات، أو الطيران على السحاب، أو امتطاء حراك، أو تطبيل وتزمير للغالب والقاهر والمسيطر الوقتي، فهو يطبِّل ويزمِّر مع كل مهيمن وغالب، وهو حال الكثيرين ممن كانوا يطبِّلون للعهدة الخامسة، ويُسبِّحون بحمدها.. وانقلبوا اليوم إلى محللين وناشطين سياسيين، يتوقعون للجزائر مستقبلا زاهرا وجميلا.. عملوا ضده طيلة حياتهم في عالم النخاسة والعبودية للفاسدين والمفسدين من أزلام النظام البائد.

كما أعتقد أنني لست مخطئا أو بعيدا عن الإنصاف والعدل في تقييمي ورصدي لحصيلة ما جنيناه من ثمار حراكية خلال السنة المنصرمة 2019م، وإليكم ما أراه مكسبا أو مكاسب جنيناها من حراكنا المبارك، ولعل أهمها:

1– تكسير جدار الرهبة والخوف والرعب من المادة 140 التي تعاقب بالسجن من ستة أشهر إلى خمس سنوات وبالغرامة المالية التي تصل إلى خمسمائة ألف دينار لكل من يكتب أو يصف أو يذكر أو يمس شخص الرئيس. هذه المادة التي كرسها وقرّرها زبانية العهد السابق القابعون في السجن الآن، والتي راح ضحيتها الكثير من الكتّاب والصحفيين ورجال الإعلام والمناضلين والمعارضين والفنانين والمثقفين الحقيقيين..
أليس هذا بمكسب عظيم أيها الحركيون أن نكسر جدار الرعب والخوف والمتابعة؟ بلى وربي.

2 – تكسير جدار المركوبية والاستعباد الذي فرضته علينا بعض الأسماء القابعة في السجن الآن، فكان ذكر اسم (عبد العزيز بوتفليقة) أو اسم أخيه (سعيد) أو (توفيق) يشكل أمرا مرعبا، لقد كان المشهد مماثلا لذكر اسم (ستالين) أو (بيريا) مدير المخابرات الكا جي بي، أو (مالنكوف) أو (مولوتوف) في حكومة ستالين الشيوعية الرهيبة المرعِبة.

أليس هذا بمكسب عظيم أيها الحركيون أن نكسر جدار الرعب والخوف ونرى هذا الجنرال المشبه بـ(بيريا) مقتادا إلى السجن صاغرا ذليلا كما رأينا أتباعه يساقون إلى السجن أذلاء مهانين؟ بلى وربي.

3– تكسير جدار الحظر الإعلامي وحرمة الكشف عن الفساد، فقد كانت إحدى المواد القانونية في قانون مكافحة الفساد تنص على أنه لا يجوز لأحد أن يبلّغ عن الفساد مادام ليس معنيا به، وكثيرا ما تعرَّض المبلّغون عن الفساد للمتابعة والتوقيف عن العمل، وأذكر لكم قصة حصلت معي في كليتي وفي عهد أحد العمداء الفاسدين والمفسدين أيضا، والتي تعرضت جراء كشفها إلى الملاحقة والمتابعة والتحقيق والعرض على لجنة أخلاقيات المهنة، والتي كدتُ أفقد جراءها منصبي المهني، لولا لطف الله الذي مكنني من وضع تفصيل كاشف للسرقات العلمية بالسطر والصفحة، وقدمته للوزارة التي أغلقت الملف فقط ولم تحاسب أحدا..

ومفادها أن أحد الطلبة المُوصى بهم من قبل مواقع نفوذ في السلطة الجزائرية المفسدة السابقة قد عاد من مصر وهو مسجل في (معهد الدراسات) التابع لجامعة الدول العربية بعد أحداث ووقائع مباراة أم درمان في 18نوفمبر 2009م، وهو متخصص في أصول الفقه ليسجل رسالة ماجستير في تخصص أصول الدين وتحت إشراف عميد الكلية الفاسد والمفسد أيضا في مجالات كثيرة جدا، منها تعويض مذكرات ومطبوعات فارغة له ولشلته الفاسدة والمفسدة.. بمبالغ تصل إلى خمسمائة ألف دينار (50) مليون لكلام فارغ رُفع الآن من رفوف مكتبات الكلية.. ثم يسرق هذا الطالب رسالته عن المصلح التركي الشهير (بديع الزمان سعيد النورسي)، وينقلها من المواقع الإلكترونية ومن رسالة إحدى الطالبات، ثم يتقدم بها للمناقشة تحت إشراف ذلك العميد الفاسد والمفسد، وبعضوية لجنة من الفاسدين وفيهم من سرق بحث طالب عنده ونشره باسمه ليترقى به أستاذا للتعليم العالي، وتمت مناقشة الرسالة المسروقة، ثم سجّل بها صاحبها دكتوراة في التخصص نفسه (أصول الدين- الدعوة والإعلام)، تحت إشراف ذلك الأستاذ الذي كان رئيس لجنة مناقشة الماجستير، والذي سرق بحث طالبه ونشره باسمه، وناقش هذا الطالب رسالة سنة 2016م بعضوية أساتذة لا علاقة لهم بالتخصص أصلا.. ووافق المجلس العلمي على تلك الرسالة ولجنة المناقشة، وصاحبُها اليوم يعمل في إحدى جامعات الوطن الكبرى وبدرجة أستاذ للتعليم العالي ويتقاضى أجرا حراما وملوثا يقارب الثلاثين مليونا مع منحة الصحراء..

إنني الآن أُبَلِّغُ عن فساد طرفه عميد كلية سابق، وأستاذ مناقش ثم مشرف سارق لبحث طالبه، وطالب سارق.. ولجنة خائنة ومزوّرة، ومجلس علمي فاسد.. ولا أخاف من المتابعة، لأن الأدلة مازلتُ أحتفظ بها لحين زوال دولة الفساد وقطع رؤوس الفتنة وإبعادهم عن المشهد الجامعي المُثخن بالفساد والرداءة..

أليس هذا بمكسب عظيم أيها الحركيون أن نكسر جدار الرعب والخوف ونبلّغ عن الفساد، الذي لا يتقادم أصلا، لنرى مصير هؤلاء المفسدين وحالهم اليوم في ظل المتابعة والعقاب؟ بلى وربي.

4 – تكسير جدار الانتقام والعزل والتوقيف من المنصب وقطع سبيل الرزق والتهديد لكل من يحاول الإصلاح والوقوف في وجه الفساد وأزلامه وأصنامه.. وهو الذي جعل الكثير من الشرفاء ممن لا مهرب لهم سوى الوظيفة كوسيلة للعيش من أن يلجأوا للنشر خارج الوطن، للتعبير عن الفساد والخراب الذي انتشر في قلوب وعقول وسلوكات رجال السلطة وأزلامهم وأعوانهم.. لأنهم لو نشروا داخل الوطن لا يُنشر لهم أبدا، وإن نُشر يتعرضون لكل تبعات المعاقبة والقيود والمراقبة والمحاكمة والغرامات والسجون.. وللأمانة فقد نشرتُ أكثر من خمسين مقالا وبحثا ودراسة في الكثير من المجلات العربية خلال فترة 2000-2012م في مجلة “المجتمع والبلاغ” الكويتية الأسبوعية، و”التقوى” اللبنانية الشهرية.. عن الوضع في الجزائر جمعتها في كتاب أسميته (النظام الجزائري وحصاد السنين العجاف).

في الوقت الذي كان فيه الفاسدون والمفسدون يغيبون عن العمل، ويسيحون ويرحلون بالمنح والتربصات المخصصة للبحث والإنتاج العلمي.. وكانت الشلل من الفاسدين والمفسدين يرتعون في أموال الأمة، ويعبثون بالمال العام الموجَّه للجامعة وللبحث العلمي والفكري والتربوي.. وأذكر لكم لقطة عن عميد فاسد –هو الذي أشرف على الطالب السارق وحماه- في اجتماع اللجان البيداغوجية الاعتيادي الدوري للسؤال عن الحجم الذي وصله الطلبة في الدراسة قبيل الامتحان، فما كان من طالبة جديدة وصغيرة وشجاعة عضوة في إحدى اللجان البيداغوجية، إلاّ أن طلبت الكلمة لتندد بأحد الأساتذة الذين غابوا ولم يدرِّسوهم من المادة شيئا، فلما طلب منها هذا العميد المفسد في الأرض ذِكْرَ اسم الأستاذ، فذكرته، وكان اسمه هو عميد الكلية نفسه، ولأن الطالبة لا تعرف اسمه الحقيقي، فثارت القاعة بالضحك.. ماذا تريدون أكثر من هذا أيها الحركيون؟ هذا هو الفساد الذي كان يسوّقه أمثال هذا العميد المفسد..

أليس هذا بمكسب عظيم أيها الحركيون أن نكسر جدار الرعب والخوف ونبلغ عن الفساد، الذي لا يتقادم أصلا، ونعمل ونعبّر عن مواقفنا الوطنية الأصيلة، ولا نخشى أحدا في ظل دولة القانون، ولا نخاف من عميد دنيء؟ أو من مدير جامعة سفيهٍ يقول وصلتُ إلى هذا المنصب وأنا لم أكتب كتابا؟ ولنقول لهم القانون بيننا فقط، فكونوا رجالا وانضبطوا به؟ بلى وربي إنه من أعظم المكاسب أن نستظل بدولة القانون، لا بسلطة الأوغاد والأراذل.

5 – اكتشفنا أن لنا جيشا شعبيا وطنيا بحق، هو جيش الشعب والأمة والوطن.. وليس جيش الأنظمة والحكام والسلط الفاسدة، فجُلُّ الجيوش العربية وجيوش الأنظمة المتخلفة إنما هي جيوشٌ لقمع الشعوب وقهرها والسيطرة عليها وتخضيعها.. كما اكتشفنا أن لنا قيادة عسكرية وطنية شعبية من خلاصة أبناء الشعب الجزائري الأصيل والعميق، وليسوا من صنائع الاستعمار وعبيده.. فلم يهرقوا قطرة دم واحدة، وهذا أعظم المكاسب التي أبهرنا بها العالم..

أليس هذا بمكسب عظيم أيها الحركيون؟ بلى وربي..

إنني لو ظللتُ أُعدّد منافع الحراك، وما جنيناه من منافع وفوائد ومصالح وخيرات.. في معرفة حجم وكم وتغوّل الفساد والمفسدين ودورهم في تركيع هذه الأمة العظيمة، وظللتُ أسرد حجم الأموال المنهوبة التي نهبتها العصابة وأذنابها، ولو ظللتُ أسرد الفرص الضائعة، والجهود والطاقات المهدرة، التي خسرتها الجزائر طيلة العقود الثلاثة الماضية لما كفتنا المجلدات الطوال.. ألا يكفي أننا اكتشفنا أننا لا نملك معارضة حزبية حقيقية، وأننا لا نملك مجتمعا مدنيا ولا حراكا جمعويا أصيلا، ولا تيارا دينيا صادقا، ولا تيارا سلفيا دينيا وطنيا أصيلا.. فالكل كان يأتمر بأوامر الفاسدين والمفسدين من قادة العصابة..

إن ما حققناه الكثير.. وما هذا إلاّ غيض من فيض.. ولكن لا تفرحوا بتشكيل الحكومة، فوحدها لا تستطيع أن تنهض بالأمة إن كان الشعب مازال لم يتغير.. ولكن اعتبروا بالحكمة القائلة: (الناس على دين ملوكهم..)، فيوم كان عهد سليمان بن عبد الملك ت 99هـ كان الناس يقولون: ((ماذا طبختم أو أكلتم البارحة))، لأن سليمان كان أكولا.. ويوم جاء عمر بن عبد العزيز ت 101هـ كان الناس يقولون: ((كم صليت البارحة من ركعة؟ وكم تصدقت؟ و..))، لأن عمر كان تقيا. ويوم جاء عهد أبو العباس السفاح ت 136هـ كان الناس يقولون: ((من قُتل البارحة؟ من خنق البارحة؟ من سجن البارحة؟ و..))، لأن السفاح كان قتّالا سفاحا..

وها قد جاءتكم حكومة فتية نرجو أن تكون صالحة عاملة خيرة طيبة.. فكونوا معها وعلى دينها تفلحوا..فعودوا إلى أعمالكم وأشغالكم، وكفوا عن اللغو واللغط وكثرةالكلام، فذلك شعار الفلاح والنجاح.

مقالات ذات صلة