الرأي

أي مستقبل للنوابغ في بلادنا؟

محمد سليم قلالة
  • 1707
  • 14
أرشيف

في كل سنة نتكلم عن عشرات النوابغ بعد امتحان البكالوريا، إن لم يكن عن مئات، وربما أحيانا عن آلاف.. وننسى أن نسأل أنفسنا في كل سنة: وأي مصير ينتظر هؤلاء بعد 10 أو 20 سنة من الآن؟ ما الذي ستفعل بهم مؤسساتُنا الجامعية؟ وما الذي ستُقدِّمه لهم القطاعات المُستخدِمة لتستفيد من نبوغهم وكفاءاتهم؟ بل إننا في كل سنة ننسى طرح سؤال أكثر أهمية من الأسئلة السابقة: وماذا كان مصيرُ من سبقهم في النبوغ بالعشرات أو المئات أو الآلاف؟ أين هم الآن؟ وكيف رعتهم الدولة؟ وكيف استفادت من نبوغهم في أي مجال كانوا؟ أم إنه قتل نبوغهم تدريجيا لكي يلفّهم طي النسيان بعد حين؟ أم حوصروا من أكثر من جهة ليفروا إلى الخارج ويكونوا طاقات حية تستفيد منهم دولٌ أخرى وشعوب أخرى؟ وما الذي علينا أن نفعل لنتمكن بالفعل من التعامل بإيجابية مع النبوغ في بلادنا؟
علينا بداية معرفة حقيقة ما جرى، وما يجري الآن من خلال دراسة شاملة عن مصير الكفاءات الجزائرية في كل قطاع. من دون شك لدينا إحصائيات، إذا أخذنا البكالوريا فقط كمقياس، نعرف الأوائل في كل تخصص منذ عقود من الزمن، وبإمكاننا أن نعرف ما الذي حدث لهم؟ وكيف كان مصيرهم في كل مجال من المجالات؟ لنجيب بعدها بطريقة واضحة وموضوعية عما إذا كُنَّا بالفعل قد قمنا بتبديد أكبر ثروة في بلادنا، تلك التي تختزنها عقول أبنائنا، قبل أن نصل إلى تبديد ثروتي البترول والغاز، ولنطرح السؤال الأكثر أهمية اليوم: ما العمل الآن؟
أظن أن الجواب القاطع لدى الكثير منا هو أننا، ليس فقط لم نُحسِن التعامل مع النبوغ في بلادنا، بل فضلنا الغباء عليه، ومَكَّنا الأقل كفاءة والأكثر حيلة وولاء، من تسيير الشأن العام، ومن امتلاك الثروة والسلطة.. ومع ذلك ليس هذا هو المهم بقدر ما ينبغي أن يهمنا الغد، المستقبل، ما هو آت.. هل نستمر في قتل النبوغ وتشجيع الغباء؟ أم إننا سنعيد الأمور إلى نصابها لكي نستفيد من أكبر ثروة تخترنها بلادنا؛ ذكاء ونبوغ أبنائها؟
إنها دعوة صادقة مني إلى كل مسؤول مخلص في هذا البلد إلى أن يبحث عن نوابغ العشرين سنة الماضية على الأقل: أين هم الآن؟ ويُصارح الرأي العام بذلك، ثم يلتزم في حالة تأكد ضياعهم ونسيانهم والتضييق عليهم، بأن يُعيد إليهم الاعتبار، وهو أقلُّ ما يُمكن تقديمه لهذا البلد، قبل أي حديث عن الإصلاح وتحسين الأوضاع المادية والمعنوية للناس. الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة الاعتبار إلى الكفاءة والنبوغ، والإصلاح الحقيقي يبدأ من الاهتمام بهؤلاء، ليس بعد أن يصلوا إلى مستوى البكالوريا، بل قبل ذلك بكثير، منذ سن الطفولة، فكم من عبقري قهرته الظروف قبل أن يُصبح راشدا ولفه طي النسيان.

مقالات ذات صلة