-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

إذا ضيّعت الأمانة.. فانتظر السّاعة

سلطان بركاني
  • 2391
  • 0
إذا ضيّعت الأمانة.. فانتظر السّاعة

المتأمّل لواقع أمّة الإسلام في هذه العقود والسّنوات، يشعر بالحسرة والأسى لما يراه في واقع المسلمين من إهمال ولا مبالاة، وتسيّب وإضاعة للأمانات، حتى أصبحت أمّة خاتمة الرسالات أمّة تعيش على هامش الحياة، تحتلّ دويلاتها ليس فقط المراتب الأولى على قوائم الدول الأكثر فسادا، بل وتحتلّ الدول العربية بينها مراتب متأخّرة بين الدول الأكثر تطبيقا لمبادئ الشّريعة الإسلاميّة وتعاليم القرآن!

ضيّعت أمانة الدّين وأصبح في حياة أكثر المسلمين ضمن آخر الاهتمامات، لا تُمنح له سوى فضول الأموال والجهود والأوقات.. ضيّعت أمانة العلم، وطلبت به حظوظ الدّنيا ومناصبها، وفُجعت الأمّة بفتاوى تُدبج على مقاس أصحاب المعالي والجلالات! تصدر ليس فقط عن آحاد العلماء والدّعاة، وإنّما أيضا عن بعض المؤسّسات والهيئات.. ضيّعت أمانة الأبناء والزّوجات، وأصبحت البيوت تُبنى على ما تبثّه القنوات وتروّج له المسلسلات من اختيارات وقناعات..  ضيّعت الأمانة في المعاملات، وأصبح المسلم الذي يحفظ الأمانة غريبا بين النّاس، وتَحقّق في الأمّة ما أخبر عنه المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- حينما قال: “ينام الرّجل النّومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت، ثم ينام النومة فتقبض فيبقى أثرها مثل المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا، وليس فيه شيء، فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة فيقال إن في بني فلان رجلا أمينا”.

قلّما تجد في هذا الزّمان من يؤتمن على شيء فيحفظه.. أصبح لابدّ لكلّ حارس من حارس يحرسه، ولابدّ لكلّ مراقب من مراقب يراقبه.. اختلاسات بالملايير كلّ عام، وفضائح ملأت المواقع ووسائل الإعلام، وأصبحت حديث العالم أجمع، لا يجد أصحابها حرجا ولا غضاضة منها، ما دام إعلام “حمّالة الحطب” على عهده في تكذيب الصّادقين وتصديق الكاذبين، وائتمان الخونة وتخوين الأمناء!.. الكلّ إلا من رحم الله يتحجّج بأنّ المال مال عام، وربّما تجد من يفتي نفسه بنفسه بأنّه تجوز سرقته واختلاسه، وربّما تجد من يعدّ ذلك من أمارات الفطنة والنّباهة.. تضخيم للفواتير في المؤسّسات ومطاعم المدارس والجامعات، وأسعار خيالية توضع للسّلع المقتناة.. تهريب للأدوية من المستشفيات والمستوصفات.. حتى لَتكاد تجد بعض المستشفيات تخلو من أبسط الضّروريات؛ تخلو من الحقن وأدوية تطهير الجروح والضمّادات.. أمّا المتاجرة في الدّماء في بعض المستشفيات فحدّث ولا حرج.

كلّ هذا يحدث في بلاد المسلمين ويصدر عن أناس مسلمين.. فيا لله العجب!.. ألا يعلم هؤلاء أنّهم موقوفون ومسؤولون بين يدي الله عن النّقير والقطمير والصّغير والحقير؟، وأنّ الواحد منهم لئن لم يتب إلى الله، سيحمل يوم القيامة بين الخلائق راية ولواءً على مؤخّرته تكتب عليه كلّ غدراته وسرقاته، من القلم إلى الورقة إلى أصغر من ذلك.. يقول نبيّ الهدى صلى الله عليه وآله وسلم: “إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفع لكل غادر لواء ويقال: هذه غدرة فلان بن فلان”.

لقد ضيّعت الأمانة في واقع أكثر المسلمين، حتى أصبح من يحفظ الأمانة في هذا الزّمان غريبا وعملة نادرة بين النّاس.. أصبح المسلم الذي يستدين ويردّ الدّين في أجله غريبا بين النّاس، وأصبح المسلم الذي يجد أمانة ويتعب في إرجاعها إلى صاحبها غريبا في مجتمعه، وأصبح المسلم الذي يبيع سلعة ويبيّن عيوبها للمشتري فريدا من نوعه، وغدا المسلم الذي يستعير متاعا ويردّه كما أخذه من صاحبه وفي الوقت المتّفق عليه غريبا بين النّاس… فما هذا الواقع الذي أضحى فيه الأصل استثناءً؟.

إنّ إضاعة الأمانة كبيرة من أعظم الكبائر.. يقول المصطفى عليه الصّلاة والسّلام: “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”.. هذه الكلمات كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلّم) لا يكاد يخطب خطبة إلا وكرّرها: قال أَنَسٌ رضي الله عنه: “ما خَطَبَنَا نبيّ الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إِلاَّ قال: لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ له”، وقد أخبر -صلوات ربّي وسلامه عليه- أنّه “يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقال له: أدِّ أمانتك، فيقول: أي ربِّ، كيف وقد ذهبت الدنيا؟! فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فيُنطلَق به إلى الهاوية، وتُمثّل له الأمانة كهيئتها يوم دُفعت إليه، فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه حتى إذا ظنّ أنه خارج اخْلولت (سقطت) عن منكبيه، فهو يهوي في أثرها أبدَ الآبدين”.

ألا فلنتّق الله يا عباد الله.. فإنّ أمر الأمانة عظيم عند الله، والسّؤال عنها عسير بين يديه جلّ في علاه.. لنتّق الله في أماناتنا التي تحمّلناها، فإنّه –والله- لا عذر لأحد في كثرة الفساد ولا في كثرة المضيّعين لأماناتهم.. لنتّق الله في ديننا الذي به صلاح أمرنا في الدنيا والآخرة.. لنتّق الله في زوجاتنا وأبنائنا فإنّهم خصماؤنا يوم القيامة.. لنتّق الله في وظائفنا وأعمالنا.. ليتّق الله أولئك الجالسون خلف المكاتب وفي الإدارات.. ليتّق الله أولئك الذين جعل الله مصالح العباد إليهم، فإنّها والله أمانة وهي يوم القيامة خزي وندامة إلا لمن أدّاها بحقّها.. ليتّق الله أولئك الذين جعلوا وظائفهم مغانم.. ليتّق الله أولئك الذين يتهينون بالصّغير والحقير من المال العامّ، لا ينبغي لهم أن ينظروا إلى كبار اللّصوص والمفسدين، فلكلّ حسابه، وإنّما ينبغي لهم أن ينظروا إلى من هم دونهم من المحرومين ومن المتعفّفين.. ليتّق الله أولئك الذين يتساهلون في وظائفهم ومناصبهم، فإنّهم مسؤولون بين يدي الله عن كلّ ساعة وكلّ دقيقة، وكلّ دينار يأخذونه بغير حقّ ومن دون تعب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!