الرأي

إسرائيل اليهودية.. إيران الطّائفية.. والعرب العلمانيون !

سلطان بركاني
  • 2992
  • 50

لم يكن تصويت حكومة الاحتلال الصّهيونيّ يوم الأحد 23 نوفمبر 2014 لصالح مشروع قانونٍ يقضي بيهودية الدّولة الإسرائيلية، مفاجئا لكثير من المتابعين الذين رأوا أنّه تحصيل حاصل، في ظلّ التوجّه الإسرائيليّ العامّ ومنذ غرس هذا الورم الخبيث في جسد الأمّة المسلمة، إلى تعزيز مقوّمات الهوية اليهودية، سواءٌ تعلّق الأمر بقطاع التعليم الذي يشرف عليه الحاخام اليهوديّ “شاي بيرون”، أو بالسياسة العامّة للدّولة التي يتدخّل الحاخامات في رسمها وتوجيهها، أو بقطاعات ومواقع حسّاسة لعلّ من أبرزها القطاع العسكريّ، حيث يشكّل أتباع التيار الدّينيّ نسبة تتجاوز 35 % من الضبّاط في ألوية الصّفوة والوحدات القتالية، وحتى جهاز الشّاباك الإسرائيليّ أصبح في السّنوات الأخيرة ـ بحسب صحف عبرية ـ جهازَ ذوي القبّعات الدينية، لأنّ ثلاثة من أصحاب المناصب الأربعة الأرفع في الجهاز جاؤوا من خلفية دينية.

مكاسب إسرائيل الهائلة من علمانية الدّول العربية!

التوجّه الصّهيونيّ نحو تكريس يهودية إسرائيل، لا شكّ أنّه سيشكّل حرجا للأنظمة العربية التي ما فتئت ترى في وصول الإسلاميين إلى سدّة الحكم، إعلانا للدّولة الدينيّة التي تشكّل خطرا على الديمقراطية!، وعلى السّلم الدّوليّ والتعايش العالميّ، وهي النّظرة ذاتها التي تتبنّاها إسرائيل إذا تعلّق الأمر بالدّول العربية والإسلاميّة، حيث لا تجد حرجا في دعم العلمانيين والقوميين   مدنيين وعسكريين- للانقضاض على الإسلاميين واستعمال كلّ الوسائل لمنعهم من الوصول إلى السّلطة وإنشاء دولة دينية، وقد أعلنها السّفير الصّهيوني الأسبق في القاهرة  تسيفي مزال” صراحة عندما خاطب الغرب قائلا: “ساعدوا الأنظمة العربية في القضاء على الإسلاميين فهم يشكّلون تهديدا للعالم”!.

ولا بدّ من الإشارة في هذا المقام إلى أنّ هذا المنع متوجّه بصفة خاصّة إلى أتباع الإسلام السنيّ الحركيّ، الذي لا تُخفي إسرائيل سعادتها بدخول كثير من دول العالم على اختلاف توجّهاتها في تحالفات معلنة وأخرى غير معلنة لحربه ومحاصرته، وفي هذا الإطار يمكن إدراج التّصريح الذي أدلى به الجنرال والوزير الصّهيوني السّابق “إفرايم سنيه” للإذاعة العبريّة بتاريخ 20 أكتوبر 2014 حينما قال: “نحن نجني مكاسب هائلة لالتقاء المصالح بيننا وبين إيران ودول عربية في محاربة الإسلام السنّي”، وهي إشارة واضحة المعالم إلى أنّ إسرائيل هي المستفيد الأكبر من التقاء المصالح الإيرانية الطّائفية مع المصالح العربية العلمانيّة وشبه العلمانية، في حرب الإسلام السنيّ الحركيّ، متمثّلا في الإخوان المسلمين في مصر وليبيا، وأتباع السلفية الجهادية في العراق وسوريا واليمن وسيناء.

مكاسب إيران الطّائفية تتقاطع مع مكاسب إسرائيل اليهودية!

إذا كانت دول عربية كمصر والأردن لا تخفي علمانيتها، فإنّ السّعودية وبعض دول الخليج تتبنّى علمانية من نوع آخر، تمثّلت في منهج سلفيّ إرجائيّ نضجت طبخته في تسعينات القرن الماضي، يعزل الدّين عن السياسة، ويروّج لمبدأ “من السياسة ترك السياسة“، الذي يتّسق في محصّلته مع مبدأ “ما لله لله، وما لقيصر لقيصر”.

أمّا إيران، فإنّها لا ترى حرجا في إظهار طائفيتها التي يؤسّس لها الدّستور بكلّ وضوح، حيث ينصّ في مادّته 12 على أنّ: “الدّين الرّسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثنا عشري، وهذه المادة غير قابلة للتّغيير إلى الأبد”، كما يشترط الدّستور الإيرانيّ في رئيس الجمهورية أن يكون مؤمنا بالمذهب الرّسميّ للبلاد، أي شيعيا اثني عشريا.

وإذا كان حكام العرب لا يجدون غضاضة في الانضمام إلى أيّ تحالف عالميّ يحفظ لهم كراسيهم وعروشهم، فإنّ إيران من جهتها لا ترى هي الأخرى أيّ حرج في الانضمام ـ سرا أو جهرا ـ إلى أيّ تحالف يخدم الطّائفة ويزيح خصومها ومنافسيها من أنصار المشروع الإسلاميّ السنيّ، ولو أدّى بها الأمر إلى الدّخول في هدنة غير معلنة وغير محدودة مع الشّيطان الأكبر ومع إسرائيل.

 وفي هذا الصّدد يأتي ما كشف عنه “سراج الدين زريقات” القيادي بكتاب عبد الله عزّام” المحسوبة على السلفية الجهادية في لبنان، يوم الأربعاء 19 نوفمبر 2014، حيث أشار إلى أن “حزب الله” اللّبنانيّ طلب من كتائب عبد الله عزّام أن تُوقف قصف إسرائيل بالصّواريخ خلال عدوانها على غزّة عام 2008.

هذا فيما يتعلّق بالصّعيد الأمني، أمّا على الصّعيد السياسيّ، فإنّ الرّئيس الإيرانيّ “حسن روحاني” كان قد بعث برسائل طمأنة ومغازلة إلى إسرائيل في شهر سبتمبر من العام الماضي خلال زيارته إلى نيويورك لحضور أشغال الجمعية العامّة للأمم المتّحدة، حيث حرص على اصطحاب النّائب اليهودي الإيرانيّ “سيامك مرّة صدق”، وقال في مقابلته التي أجراها مع قناة “CNN” الأميركية: “كلّ جريمة ضدّ الإنسانية بما في ذلك الجرائم التي ارتكبها النازيون بحقّ اليهود هي ذميمة ومدانة”، وقبله كان وزير خارجيته “محمّد جواد ظريف” صرّح قائلا: “ليس لدينا شيء ضدّ اليهود، لا أحد في إيران ينكر المحرقة اليهودية (الهولوكوست) التي ارتكبها النازيون باستثناء شخص واحد وقد رحل! (يقصد نجّاد)”.

من جهتها تبدي إسرائيل مرونة في التّعامل مع الملفّ النوويّ الإيرانيّ، حيث إنّها -وباستثناء بعض التّصريحات والتّهديدات الموجّهة للاستهلاك الإعلاميّ- لا تُظهر صخبا عاليا على سياسة النّفس الطّويل التي تتعامل بها الدّول الغربية مع الملفّ النّوويّ الإيرانيّ، بل إنّ نخبا أمنية إسرائيلية تؤيّد استنتاجات بعض الكتّاب والمحلّلين بأنّه لا توجد أدلّة واقعية على توجّه طهران لتطوير سلاح نووي، وهو موقف إسرائيليّ غاية في المرونة إذا ما قورن بالموقف الذي أبدته دولة الاحتلال الصّهيونيّ عندما تعلّق الأمر بالملفّ النوويّ العراقيّ، حيث قامت بتدميره في مهده، في شهر جوان 1981، في عزّ انشغال العراق بالحرب مع إيران.

كما تتقاطع المصالح الطائفية الإيرانية مع المصالح اليهودية الإسرائيليّة، في الحرب الأخيرة المعلنة على الجماعات المسلّحة السنية؛ حيث أكّد سفير الولايات المتحدة لدى تل أبيب “دان شابيرو” تسريبات تتعلّق بتقديم الحكومة الصّهيونيّة للناتو ولدول عربية مشاركة في الحرب على “داعش” معلومات استخباراتية مهمّة وصورا التقطت عبر أقمارها الاصطناعية التجسسية عن مواقع وتحرّكات التنظيم في سوريا والعراق.

من جهتها تقوم إيران بدور استراتيجيّ فاعل يصبّ في الاتّجاه نفسه من خلال دعم القوات العراقية والسورية في حربها ضدّ الجماعات المسلّحة، كما تقدّم الدّعم المادّي والأسلحة لكردستان العراق في حربهم ضدّ تنظيم داعش، غير مكترثة بوقوفها مع إسرائيل على الخطّ نفسه، إذ تدعم تل أبيب الأكراد بالسّلاح والاستثمارات، حيث لم يعد خافيا أنّ من يدير الشّركات الصهيونية في كردستان العراق هم من جنرالات الجيش المتقاعدين أو من القيادات السابقة في جهازي الموساد والشاباك.

وماذا بعد؟

طبيعيّ أن تلوذ إسرائيل بدينها المحرّف في صراعها مع المسلمين، لكنّ غير الطّبيعيّ أن يلوذ المسؤولون في البلدان العربية بالعلمانية الاستئصالية، ويصِرّوا على أنّ صراعهم مع الصّهاينة هو صراع سياسي وليس دينيا!.. طبيعيّ أيضا أن تلوذ إيران بالطّائفة في صراعها مع خصومها من الإسلاميين، لكنّ غير الطّبيعيّ أن يتشبّث المدافعون عنها بالشّعارات الزّائفة وبالأقنعة المتساقطة وبأوراق التوت المتناثرة، ويُمعِنوا في امتحان الأمّة بالثنائية المزدكية المتهاوية “إمّا مع إيران أو مع إسرائيل” التي أثبتت الوقائع أنّها ثنائية كثيرا ما تكون كاذبة خاطئة، ويبلغ بهم الغلوّ إلى حدّ القول بأنّ رِضا الله في التّصفيق لإيران، وإلى حدّ تصوير الاختلاف معها على أنّه نزغ من النّزغات!.

إنّه ليس قدرنا أن نكون مصفّقين لهذا المشروع أو ذاك، فنحن أمّة لها تاريخها المشرق في مواجهة المشاريع الباطلة مهما بلغت قوتها ومهما أضمرت أو أعلنت التحالف فيما بينها.

إنّنا لا نقبل أبدا ونحن في بلد سنيّ ثوريّ أن تسوّق بين ظهرانينا مشاريع الانبطاح والاعتلال باسم “تسمع وتطيع للأمير”، كما لا نقبل أيضا الترويج للمشاريع الطّائفية البغيضة التي جرّبها أجدادنا وذاقوا علقمها، وبذلوا الغالي والنّفيس للتحرّر من نيرها.


هوامش:

* إذا كانت دولٌ عربية كمصر والأردن لا تُخفي علمانيتها، فإنّ السّعودية وبعض دول الخليج تتبنّى علمانيةً من نوع آخر، تمثّلت في منهج سلفيّ إرجائيّ نضجت طبخته في تسعينات القرن الماضي، يعزل الدّين عن السياسة، ويروّج لمبدأ “من السياسة ترك السياسة”.

* إيران لا ترى حرجا في إظهار طائفيتها التي يؤسّس لها الدّستور بكلّ وضوح، حيث ينصّ في مادّته 12 على أنّ: “الدّين الرّسمي لإيران هو الإسلام والمذهب الجعفري الاثني عشري، وهذه المادة غير قابلة للتّغيير إلى الأبد”، كما يشترط الدّستور الإيرانيّ في رئيس الجمهورية أن يكون مؤمنا بالمذهب الرّسميّ للبلاد، أي شيعيا اثني عشريا.

مقالات ذات صلة